newsأسرار المدن

مقدمة الكلام

a1443861867.jpg
الزبداني
حجم الخط
مشاركة عبر
قبل أكثر من عام، يصل إلى المسمع نبأ أن فنان معاصر ومخرج لبناني ذهب إلى سوريا بمعية حزب الله، وتحت أنظار نظام بشار الأسد، وهذا، ليصور الدمار الذي احدثاه هناك، من أجل أن يستخدم المشاهد في فيلمه الذي تدور وقائعه خلال حرب تموز ٢٠٠٦. مرد ذهابه: مرد اقتصادي، اي الاقتصاد من موزانته التي لا تتحمل ان يتكلف ماليا في تشييد دمار مماثل في جنوب لبنان.

نصحى المعني، وعبر متناقلي النبأ، وهم من صديقاته واصدقائه، الا يستكمل فعلته هذه عبر استخدام المشاهد، التي صورها، في شريطه. ولكن، النصيحة لم تبلغ سبيلها اليه. وهذا، ربما لأن هؤلاء لم يحملوها اليه، إذ إنهم من "اعداء كاره"، وبالتالي، هم كانوا، وبتداول نبأه، لا يبغون سوى اغتيابه ثلباً وتعييراً، وهذا، للقضاء عليه كمزاحم سابق ومقبل على حد سواء. على أنهم قد يكونوا قد مضوا بالنصيحة اليه، الا أنه لم يأخذها منهم سوى على محمل بعينه، وهو محمل "عداوة الكار"، التي يكنوها له. لذا، عمد إلى رفضها لكي لا يحقق مرادهم منها، وهي ان لا يتمكن من إتمام منتجه، ثم أن يتزاحم ويكرس تزاحمه معهم. في النتيجة، وعلى المقلبين، لم تصل النصيحة اليه، لأنها، وككل النصائح، لا تصل سوى بالعمل يها.

في أثناء رفض المعني لهذه النصيحة، التي قد لا تكون قد حُملت اليه، كان ثمة محاولة لايصالها له بالتلميح والتنبيه. وسبب اعتماد هتين الطريقتين ان المباشرة كانت محظورة من قبل متناقلي النبأ، "اعداء الكار" نفسهم، بالقول أن هذا النبأ سري، ولا يجب أن يدرك المعني أنه ذاع، وذاع منهم تحديداً. حصل التلميح والتنبيه، بداية، عبر تعليق في "المدن"، تناول عودة البلاد إلى قبل العام ٢٠٠٥، اي إلى الوصاية البعثية، أو إلى العلاقة الرأسية معها، وبالتالي، الشروع في تطبيع مع نظامها، الذي لا يستوي سياسيا فحسب، انما، يستقر فنيا أيضا. ولكن، هذا التعليق، أو بالأحرى الإلماح فيه، لم يصل إلى المقصود به، ولهذا، أعيد تسجيله مرة أخرى، غير أن، هذه المرة، على "فايسبوك"، بحيث أن المعني متصل بهذا الموقع، وفي مقدوره أن يتنبه إلى المُسجَل على سرعة تفوق ملاحظته اياه عبر المتابعة والقراءة الصحافيتين. الا ان هذا لم يفض إلى مكان، بل بقيت النصيحة، التي ينطوي التلميح والتنبيه عليها، من دون سبيل إلى متلقيها المفترض.


بعد ذلك، تفاقم النبأ. عبر الاشارة إلى أن المعني قد استخدم المشاهد في فيلمه، وعبر الاشارة إلى أن فعلته، وبعد أن تشكلت في فيلمه، انتقلت من مؤسسة إلى أخرى، وستحط في مهرجان البندقية. وبالفعل، هذا ما حصل، وهذا ما حمل "اعداء كاره" إياهم على تزكيته وتهنئته، إذ إنهم أرادوا عندها ان يتحولوا من مستنكرين لفعلته تلك إلى ناكرين لها. وهذا، بعد أن صارت فيلما يجول ويصول في فضائهم، الذي تؤلفه تلك المؤسسات، والذي يسعون إلى إغلاقه عليها. بالطبع، لا يمكن حصر سبب نكرانهم لفعلته بتشكيلها، أي جعلها على شكل فيلم، ولا باعتراف ذلك الفضاء بشكلها هذا، إنما، وأيضاً، سبب نكرانهم أنهم، وعبره، لا يبددون بغيتهم الأصلية حيال المعني، أي القضاء عليه. فلا يشتغل النكران لطمس موضوعه سوى لكي يصون البغية منه. وإلى ذلك، يُضاف، وكما سيتضح لاحقاً، أن "أعداء الكار" نكروا الفعلة لأنها، وبالتوازي مع كونها من تلقاء المعني، هي من تلقائهم، أو من صميم تلقائهم على وجه الدقة. على هذا النحو، احتفى "أعداء الكار" به، وبدوره، إحتفى بكونهم استقبلوه بينهم، وهذا ما جعل فعلته، وفي حسبانه - وهو حسبان دقيق، يضاهي واقعه، ويصيبه - بمثابة فعل يكرسه واحداً منهم.
لقد حاول، قبل هذا، أن يبقيها فعلةً، أن يخفف من وطأتها عليه بمشاركتها مواربةً، وبعد تحققها بالطبع، مع أغيار له، لا سيما مع المناهضين لمعسكر الممانعة والمقاومة، على أساس أنه "مضطر" إلى التصوير في سوريا. ومن دون أن يدركوا مرد "الإضطرار"، أي التوفير من الموازنة، ولا موضوع التصوير، أي الدمار، ولا سبيله، أي التنسيق مع حزب الله ونظام الأسد، أجابوه ألا يقدم على ذلك. لكنه، كان قد أقدم عليه سلفاً، وفي أثناء الإحتفاء، أو بالأحرى على إثره، ما عاد قادراً أن يبقيه فعلةً، لأنه انقلب منها إلى فعل. سلب الإحتفاء هذه الفعلة من صاحبها، وعطل وسع إنقاصه ثقلها عليه، وجعلها مجرد فعل، دافعاً إياه إلى الإعتقاد بأنها ليست سوى كذلك.

لقد استوى إحتفاء "أعداء الكار" بالمعني هكذا: مسنود بنكران فعلته، حافظ لبغية إعدامه، وكل استقبال له خلاله هو مجرد إجراء للتخلص منه. فبغية هؤلاء من إحتفائهم القضاء على المعني، وبغية المعني منه أن يكون منفذه إلى المهرجان. من هنا، وحين لزم طرح المسألة، أي مسألة استغلال فنان معاصر ومخرج لبناني لدمار السوريين توفيراً للمال من موازنة إنتاجه، ومسألة استكمال الإستغلال بالإستخدام، ومسألة مفاقمة الإستخدام بالمَشْهدة، أو السرد البصري، كان ذلك على دراية ببغيتين: بغية "أعداء كار" المعني، وهي القضاء عليه، وفي الوقت نفسه، بغية المعني ان يسلك بفعلته، التي تشكلت عبره كشريط، والتي رُفُعت عبرهم كفعل، إلى المهرجان كأن شيء لم يكن.

حيال هتين البغيتين، وقع الكلام. 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث