حجم الخط
مشاركة عبر
يَبذُلُ الفنّان جهدًا ليُعبّر عمّا يودّ إيصاله كرسالة للناس، خلال رحلته الفنّية. ويختلف الفنان بالطبع عن غيره من البشر، لتميّزهِ بإتقان إحدى طرق الفنّ المعروفة (الرسم/ النحت/ التمثيل/ الموسيقى أو الغناء).
وابتعاد الناس عن مفهوم الإبداع جعلهم يلصقون صفة الجنون بالفن والإبداع، وقد ثبّت مقولة الناس هذه، الفنّان رفيق شرف حين امتطى حصانًا وتجوّل في شارع الحمراء أمام مقاهي المُثقّفين، ليقال من بعدها: الفنون جنون! وقد أجد صعوبة في وصف رحلة الدراسة في معهد الفنون، فقد ابتعدت عن الفن والرسم، للدراسة في مجال التربية وفلسفة اللاعنف. وقلّما نجد مُعلّمًا في مجال الفن، يتبع النمط غير التقليدي، وإن وُجد فالصعوبة تأتي من البيئة غير الحاضنة له. فمعظم الأساتذة المبدعين غير التقليديين، يشقّون طريق الإلهام لطلاّبهم ليسلكوا طريق الإبداع.
وابتعاد الناس عن مفهوم الإبداع جعلهم يلصقون صفة الجنون بالفن والإبداع، وقد ثبّت مقولة الناس هذه، الفنّان رفيق شرف حين امتطى حصانًا وتجوّل في شارع الحمراء أمام مقاهي المُثقّفين، ليقال من بعدها: الفنون جنون! وقد أجد صعوبة في وصف رحلة الدراسة في معهد الفنون، فقد ابتعدت عن الفن والرسم، للدراسة في مجال التربية وفلسفة اللاعنف. وقلّما نجد مُعلّمًا في مجال الفن، يتبع النمط غير التقليدي، وإن وُجد فالصعوبة تأتي من البيئة غير الحاضنة له. فمعظم الأساتذة المبدعين غير التقليديين، يشقّون طريق الإلهام لطلاّبهم ليسلكوا طريق الإبداع.
وقد تفوّقت فتاة بحمد على معلّميها. أقول ذلك بحكم زمالتي للفنّانة في مدّة الدراسة، وسأسمح لنفسي أن أُُشبّه فتاة بـ"الفراشة" التي تطير في الطبيعة مرتدية حذاءًا يلتقط ألوانًا من الطبيعة لترقص على أسطح، لتجعلها مُزركشة بأبهى الألوان. عند حضوري المعرض، شعرتُ كأنّ ارتديت نظّارة ملوّنة، فلا تقع عيني إلاّ على مساحات مُلوّنة مختلفة الأحجام. حيث تتلاقى المساحات الصغيرة بدروها لتُشكّل مساحات أكبر، وجمعيها تذوب في حضرة الألوان. من الناحية الفنّية، نجد تأثير المدرسة الانطباعيّة بوضوح على أعمال الفنّانة، مع وحشيّة باستخدام الريشة أو سكّين الألوان أحيانًا، ولا مانع لو تدخّلت أدوات أخرى تعكس وحشيّةَ في حنجرةِ الألوان الصامتة، الساكنة الطبيعة. من الظاهر جليًّا أن أعمال الفنّانة خالية من العنصر البشري، لكنّ ليس بالضرورة أن تخلو من الإنسان، أو الأنسنة. فاللوحة عند الفنّانة أشبه بغرفة قديمة بعض الشيء، ألبستها أجمل الملابس بأبهى الألوان. والرداء الملوّن الطبيعي، يجعل المشهد مليء بالأشخاص، وكأنّي أقرأ في قصيدة "نظرة" لوديع سعادة:
"يتركونَ عيونَهُمْ و يمشون
متَّكئينَ على نظراتٍ قديمة
…وفي بالهم إذا مرَّ غيمٌ
ينزِلُ المطرُ على حقولهم البعيدة.
يمشونَ
وحينَ يتعبون يفرشون نظرةً
وينامون.
تشعرُ فعلاً بأنّك تقرأ القصيدة، عند حضورك المعرض. تترك نظراتك تسبح بين الألوان، ولشدّة انبهارها، تلتصقُ النظرات عند حوافّ الألوان، كأنّها طفلٌ جائع يلتهم خبزًا. لو بدأت الكلام عن كلّ لوحة لما انتهيت قبل أن أسرد قصّة "فتاة" وغيرها من الفنّانين الذين تركوا أرض الجنوب، ليقيموا في بيروت حاملين معهم زوّادة بصريّة تُتَرجم إلى أعمال فنّية رائعة.
ويمكنني أن أقول بأنّ الفنّانة قدّ وجّهت تحيّة إلى الفنّان المُبدع "فان غوغ" (بلوحة Sunflowers 60x100 cm) فقط لتشابه مفردات اللوحة بنسيج لوحات المُبدع فان غوغ. بحقوله الشاسعة. لكنّ عالم الفنّانة هنا يعتبر عالم "داخلي". ويتعدّى "الداخلي" هذا زوايا الغُرف والشرفات والنوافذ المُزهّرة، ليدخل أعماق النفس. وفي إحدى اللوحات وهي كباقي اللوحات بلا عنوان بقياس (97 cm82x) تُظهر كرسيًّا في المسطّح الأوّل من اللوحة، وخلفه مشهد الغرفة مع الباب والنافذة وألوان تُفضي إلى أثاث منزل قديم. والكرسي الذي هو في الواقع "جماد"، يُقرأ في اللوحة كشخصٍ، تربّع في مُقدّمة اللوحة ليفصل نفسه عن عالم تكثُر تفاصيله، ولا أعلم قدرة "الكرسي" على التعامل مع التفاصيل. المتعبة! لون الكرسي الأخضر يعطي مساحة أمل للإنسان، ليحاول الخروج من حالة الجماد. وفي رأي الفنّانة فهذه اللوحة الأحبّ إليها. وهذا ما شاركتها به، ليس من الناحية الفنّية والتقنيّة فحسب، بل قوّة الموضوع، وجرأة الفكرة المطروحة. ووضع الكرسي بشكلٍ صارخ في مقدّمة اللوحة، كأن يدعو الحاضرين بعد مشاهدة اللوحة الجلوس عليها، لتجسيد غياب الإنسان. لو طُلبَ منّي تسمية المعرض، لاستعرتُ من محمود درويش عنوان أحد كتبه: "في حضرة الغياب". فالقصائد التي تٌقرأ في اللوحات هي حركة الغائبين، بمشاعرهم حزنًا وفرحًا ومشاعر مختلفة وقد عجزوا عن التعبير عنها، إلاّ أن " فتاة" وظّفت ألوانها الجميلة لتصرّح عنها. وحركة الألوان كانت يسيرة بما يكفي لاستخدام الفضاءات والمساحات في الأمكنة الداخلية التي شكّلت مسار حياة الفنّانة. كما فعلت الحقول الملوّنة لتظهر كوجه أنثى جميل بإصرار مساحيق التجميل الملوّنة. أحرف اللغة محدودة العدد، لكنّ خيوط القصائد الجميلة تُنسَج من رقص هذه الحروف في فضاءٍ جميل. ببساطة استخدام الألوان أنتجت "فتاة" أعمالًا رائعة. فليس الجديد مخالفة المألوف (للشهرة) بل الجديد استخدام الموجود العادي بطريقة جديدة مبتكرة وغير عاديّة.
أعمال فتاة بحمد ليست حصان سرعة، انطلق ليسابق الريح، بل فراشة تحرّك جناحين ملوّنين لتقبّل الأزهار، وتطبع على خد الأميرة النائمة قبلة، علّها تعيد الحياة إلى الفنّ في غرفِ لبنان المُغلقة.
ويمكنني أن أقول بأنّ الفنّانة قدّ وجّهت تحيّة إلى الفنّان المُبدع "فان غوغ" (بلوحة Sunflowers 60x100 cm) فقط لتشابه مفردات اللوحة بنسيج لوحات المُبدع فان غوغ. بحقوله الشاسعة. لكنّ عالم الفنّانة هنا يعتبر عالم "داخلي". ويتعدّى "الداخلي" هذا زوايا الغُرف والشرفات والنوافذ المُزهّرة، ليدخل أعماق النفس. وفي إحدى اللوحات وهي كباقي اللوحات بلا عنوان بقياس (97 cm82x) تُظهر كرسيًّا في المسطّح الأوّل من اللوحة، وخلفه مشهد الغرفة مع الباب والنافذة وألوان تُفضي إلى أثاث منزل قديم. والكرسي الذي هو في الواقع "جماد"، يُقرأ في اللوحة كشخصٍ، تربّع في مُقدّمة اللوحة ليفصل نفسه عن عالم تكثُر تفاصيله، ولا أعلم قدرة "الكرسي" على التعامل مع التفاصيل. المتعبة! لون الكرسي الأخضر يعطي مساحة أمل للإنسان، ليحاول الخروج من حالة الجماد. وفي رأي الفنّانة فهذه اللوحة الأحبّ إليها. وهذا ما شاركتها به، ليس من الناحية الفنّية والتقنيّة فحسب، بل قوّة الموضوع، وجرأة الفكرة المطروحة. ووضع الكرسي بشكلٍ صارخ في مقدّمة اللوحة، كأن يدعو الحاضرين بعد مشاهدة اللوحة الجلوس عليها، لتجسيد غياب الإنسان. لو طُلبَ منّي تسمية المعرض، لاستعرتُ من محمود درويش عنوان أحد كتبه: "في حضرة الغياب". فالقصائد التي تٌقرأ في اللوحات هي حركة الغائبين، بمشاعرهم حزنًا وفرحًا ومشاعر مختلفة وقد عجزوا عن التعبير عنها، إلاّ أن " فتاة" وظّفت ألوانها الجميلة لتصرّح عنها. وحركة الألوان كانت يسيرة بما يكفي لاستخدام الفضاءات والمساحات في الأمكنة الداخلية التي شكّلت مسار حياة الفنّانة. كما فعلت الحقول الملوّنة لتظهر كوجه أنثى جميل بإصرار مساحيق التجميل الملوّنة. أحرف اللغة محدودة العدد، لكنّ خيوط القصائد الجميلة تُنسَج من رقص هذه الحروف في فضاءٍ جميل. ببساطة استخدام الألوان أنتجت "فتاة" أعمالًا رائعة. فليس الجديد مخالفة المألوف (للشهرة) بل الجديد استخدام الموجود العادي بطريقة جديدة مبتكرة وغير عاديّة.
أعمال فتاة بحمد ليست حصان سرعة، انطلق ليسابق الريح، بل فراشة تحرّك جناحين ملوّنين لتقبّل الأزهار، وتطبع على خد الأميرة النائمة قبلة، علّها تعيد الحياة إلى الفنّ في غرفِ لبنان المُغلقة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها