newsأسرار المدن

إذا اعتدتَ الأكل في وقت محدد...لا تقرأ عيسى مخلوف

نهيد درجانيالاثنين 2025/05/19
0abc6d6e-a361-4809-a9f6-86d63e8b3364.jpg
عيسى مخلوف
حجم الخط
مشاركة عبر
-مقدّمة:
هو من مواليد 1955 فيما أنا من مواليد 1959،
حسابيًا:
يسبقني بأربع سنوات،
ظاهريًا:
هو أنهى المرحلة الثانوية فيما أنا أقف متأرجحًا بين الشورت والبنطلون الطويل،
عمليًا:
هو يفتح أبواب الشعر الساحرة ثائرًا فيما أنا أتخبّط في مواضيع الإنشاء المدرسية المملّة والتعيسة
فعليًا:
كنّا - ولم نكن نتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة- ننظر إليه وإلى شابّين من بلدتنا: ميشال حديّد وغسان الداعوق "الرسام" الكلاسيكي على شيء من الغرابة التي حفظنا اسمها منه بدهشة: "التشكيلية".

وكنّا نظنّ أنّ الشاعر وديع سعادة من زغرتا ولم نكن ندرك أنّ عائلة سعادة تمتدّ حتى شبطين في البترون، فيما تتراءى لنا أسماء أخرى كأنسي الحاج وأدونيس وشوقي أبي شقرا وأترابهم كأنها نيازك تجعلنا ننتظر ملحق النهار الأسبوعي على نار لنلتهم ما قد يحمله لنا من دهشة وافتتان.

اختفى الرجل واختفينا بعده بين أكياس الرمل حين مرّت الحرب الأهلية خلف شبابيك بيوتنا في رشعين…


-مدخل:
دخلتُ محترف سميح زعتر في -مملكة- حيّ السيدة الغربي مساء الجمعة 9 أيار(*)، وفي ذهني يجول الروائي الدكتور رشيد الضعيف الذي كتب أكثر من مئتي صفحة خلال قيامه عن الكنبة وفتحه الباب بعد سماع طرق عليه في روايته "فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم"، لكنّ عيسى مخلوف نسف ما يتوارد في ذهني بثانية واحدة، تعانقنا وقال: نهيد كيفك، لك منّي كتابي الأخير: "باريس التي عشتُ" وسأرسل لك "ضفاف أخرى" pdf فور عودتي إلى باريس، قلت في نفسي: رجل بهذه المشاغل وهذا الهوس الثقافي لا بدّ أن ينسى، لكنّ عيسى لم ينسَ ولم ينتظر عنواني البريدي، بل أرسل كتابه مرفقاً برسالة قصيرة أقلّ ما أقول عنها: أعادت لي الروح…

-في محترف سميح زعتر:
افتتح الشاعر فوزي يمين اللقاء ممهّدًا للآتي من السحر، فيما كنّا ننتظر من عيسى مخلوف أن يضع عناوين عريضة للأمسية بعنوان: "الثقافة، المال والتكنولوجيا"(*) التي احتشدنا فيها وفي مدخلها لينصرف للإجابة على أسئلتنا، لكنّ صاعقة ضربت كيان الرّجل جعلته يعود طفلًا يحبو فيما تلوّح له مدرسة اللعازارية التي تلقّى فيها أولى سنواته الابتدائية، بيديها من خلال القنطرتين وشبّاك المحترف الزجاجيّ، أعادنا عيسى مخلوف إلى الجرف الصخري في إهدن قبل أن يحمل جناحَي "ايكاروس" المصنوعين من الشمع والريح ويحملنا نحو الشمس، مرّت تسعون دقيقة من الحلم، لم نشبع من هذا الشلّال الثقافي الهادر وهذه الروح العالية وهذا الناصت المؤدّب وهذا الرقيّ والتواضع..

-مخرج أوّل:
كنت قد وقعتُ على "لقطة العمر" في معرض الكتاب في انطلياس في شهر آذار الفائت، ثلاث مسرحيّات لجورج شحادة: 
"مهاجر بريسبان"، "السيد بوبل" و"سهرة الامثال"، صادرة عن دار النهار للنشر وترجمها إلى العربية أدونيس ضمن سلسلة اللغتين، ومذ ذاك وانا منكبٌّ على قراءتها حتى ليلة القبض على عيسى وعلى كتابه الورقي أوّلًا والإلكترونيّ ثانيًا.

أدهشني عيسى لدرجة تساءلت: 
هل أملك قلبًا ودماغًا وعينين وأوردة وأحاسيس كما يملك هذا الرجل؟
فأنا عشت في كاراكاس سبع سنوات مثله، والأماكن التي ذكرها قصدتها، ولم أرها كما رآها، كنت أرى جبل"أفيلا" رئة كاراكاس، فيما كان يراه مُراقِب المدينة والوجوه، كانت "لاغوايرا" بالنسبة إلي مجرّد مخرج لاستلام الحاويات والعرق والقلق، فيما كانت لديه مرفأ البواخر المحمّلة بالمهاجرين المتعبين الحالمين، كانت "بارينا" بالنسبة إليه أناسًا طيّبين إلى حدّ السذاجة أحيانًا، وكان "الجانو" بأمّه وأبيه بالنسبة لي مستنقعَ تماسيح وأفاعي أناكوندا وحشرات مجنونة، ربما اتفقنا فقط على النساء الجميلات المتمدّدات على رمال شواطىء مرغريتا:

عيسى يقول في مطلع نصّ: 
"لست أدري لماذا تذكرت ماريا"،

فيما أنهي أحد نصوصي: 
"أفلتت خوانيتا رسن المترو
درج طويل وحديقة ثمّ بيتي على ما أذكر
ربّما دائمًا سأتذكّر خوانيتا…"

أمّا باريس عيسى مخلوف، من "ضفاف أخرى" وصولًا إلى "باريس التي عشتُ"، فكانت مسألة أخرى. كانت باريس تدور حول الثقافة والفنون والجمال في أكوانه، وأنا كانت باريس بالنسبة إلي ثقيلة على صدري، باريس معرض سيال sial، حيث اللفّ والدوران والتشاطر والتذاكي، باريس سان دوني saint-denis ودراسة جدوى السلع العربية، باريس سوديال sodial ومزارع الأبقار في الأرياف.

ربّما لذلك أقول في أحد نصوصي:
لم يقلب التراب بين يديّ ذهباً كما كانت تدعو لي أمي، بل فقدت ذهب شعري بضربة واحدة من نرد العمر..."
فيما يجول عيسى في كتابيه بين عظماء الفنون الجميلة على أنواعها ملكًا...

-مخرج طوارىء:
لا تقرأ عيسى مخلوف إذا كنت:
-مرتبطًا بدواء عليك أخذه في وقت محدّد
-معتادًا على تناول وجبة الغداء في وقت محدّد
-تخجل من القول لضيوفك: آسف لا يمكنني استقبالكم الآن.

-مخرج أخير على الشارع العام:
لا تقرأ عيسى مخلوف إن كنت لا تتحمّل السؤال الذي طرحته على نفسي: ماذا كنتُ أفعل طوال تلك السنوات؟ إلى اللقاء عيسى، نحن على موعد هذا الصيف عند سفح الجرف في إهدن.


(*) "الثقافة، المال والتكنولوجيا" حوار مفتوح أجراه الشاعر والكاتب عيسى مخلوف في زغرتا في محترف سميح زعتر في 9 أيار الفائت بين حشد من الكتاب والفنانين والأقرباء والأصدقاء.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث