ويرقد الكاتب، المنتمي إلى جيل الستينيات الأدبي، منذ الأول من أيار/مايو الجاري في مستشفى معهد ناصر بالقاهرة، إثر تعرضه لكسر في مفصل الحوض. وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الكاتب لحادث صحي، فقد أصيب بكسر في الساق منذ عامين، وعولج على نفقته الخاصة لعدم وجود تأمين صحي له تابع لأي مؤسسة ثقافية أو غيرها. وخلال الأيام الماضية تصاعدت دعوات تطالب بتدخل الدولة لعلاج الكاتب بشكل عاجل، وسط اتهامات بالتقاعس الرسمي.
وعلمت "المدن" أن أسرة الكاتب رفضت عرضًا من دولة عربية لنقله على متن طائرة خاصة لتلقي العلاج في الخارج، مؤكدة أنه "رغم نبل الموقف، فإننا متمسكون بأن العلاج يجب أن يكون على نفقة الدولة المصرية، باعتباره حقًا أصيلًا لمواطن مصري بحجم وقيمة صنع الله إبراهيم". ويتلقى الكاتب علاجه حاليًا على نفقة الدولة، بما في ذلك االجراحة التي أجريت له أمس. ووفقًا للشاعر والصحافي يحيى وجدي، المقرب من الكاتب وعائلته، فإن ثمة اهتمامًا كبيرًا من الدولة هذه المرة بحالته، موضحًا أن تأخر إجراء الجراحة يعود لتدهور حالته الصحية حينها، مما حال دون إجرائها سريعًا.
وأصيب صنع الله إبراهيم في أذار/مارس الماضي، بنزيف حاد في الأمعاء، نقل على إثره إلى مستشفى المقاولين العرب الحكومي، شمالي القاهرة، لكن الأطباء لم يتمكنوا من تحديد السبب، إذ تعذر إجراء تنظير لمعدة بسبب تقدمه في السن. ويضيف يحيى وجدي: "قرر الأطباء ضرورة نقل دم له حتى تتحسن حالته، وبناءً عليه أطلقت الأسرة مناشدات عديدة للتبرع بالدم نظرًا لندرة فصيلة دم صنع الله (A-)، واستجاب وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد هنو في الحال، ووفر الدم المطلوب، مما ساهم في إنقاذ حياته.
وفي 17 آذار/مارس الماضي، أعلنت وزارة الصحة المصرية في بيان رسمي أنها "وفرت فصيلة الدم النادرة بعد تواصل مباشر من وزير الثقافة مع الجهات المعنية لضمان تقديم الرعاية الطبية الكاملة"، وأضافت الوزارة أنها "نسقت مع ابنة الكاتب نادية لاستلام وحدات الدم". وواصل الوزير متابعة الحالة لحظة بلحظة وتواصل مع الأسرة للاطمئنان على احتياجاتها.
كسر جديد
بعد خضوع الكاتب لنقل الدم، لاحظ الأطباء أن المنظار لم يعد مناسبًا لحالته الصحية، واقترحوا إجراء التنظير الكبسولي كبديل، وهو فحص غير جراحي وآمن يساعد الأطباء في فحص الأمعاء الدقيقة بالكامل. وعلى الرغم من أن هذه التقنية تُعد بديلًا مثاليًا للمنظار التقليدي، فإن تكاليفها مرتفعة مقارنة بالعلاج العادي. ورغم اهتمام وزير الثقافة، الدكتور أحمد هنو، بتقديم الدعم، فإنه كان في زيارة خارجية في الهند وقتها، مما جعل الأسرة غير قادرة على التواصل معه مباشرة.
وفي أثناء فترة اتخاذ القرار بشأن التنظير الكبسولي، تفاقم الوضع الصحي لصنع الله إبراهيم بسبب الإجراءات الإدارية البطيئة. وعادت الحالة الصحية للكاتب إلى التدهور مجددًا، ما أدى إلى عودة النزيف.
وفي 1 أيار/مايو، تعرض الكاتب لسقطة جديدة أسفرت عن كسر آخر في الحوض. وبعد الحادث، تواصل عدد من الصحافيين مع الجهات المعنية، وتدخل مجلس الوزراء الذي قرر نقله مباشرة إلى مستشفى معهد ناصر لاستكمال العلاج. وكان الإجراء الأول هو إيقاف النزيف، لتتمكن الطواقم الطبية من تنفيذ الجراحة لاحقًا.
مرض آخر
خلال الفحوصات الطبية، اكتشف الأطباء أن الكاتب يعاني عدوى في المثانة يُعتقد أنها انتقلت إليه من مستشفى سابق، وتسببت في صديد بالبول، ما حال دون إجراء جراحة الحوض في الوقت المحدد. وفي تلك الفترة، طُرح اقتراح بنقل الكاتب إلى مستشفى وادي النيل، وتواصل يحيى وجدي مع نقيب الصحافيين خالد البلشي في 4 أيار/مايو لطلب نقل الكاتب. وبعد تواصل البلشي مع الجهات المختصة، تبين أن معهد ناصر هو الأنسب لحالته.
وأوضح الدكتور محمود سعيد، مدير معهد ناصر، في تصريحات صحافية، أن حالة الكاتب الصحية مستقرة، وهو يتلقى الرعاية الطبية الكاملة في غرفة خاصة تحت إشراف فريق طبي متخصص. وأشار إلى أن الكاتب يعاني مشاكل صحية في القلب والكلى، مما يجعل إجراء الجراحة أمرًا معقدًا ويتطلب استقرارًا تامًا قبل اتخاذ أي قرار بشأنها.
يُعتبر معهد ناصر من أكبر المراكز الطبية التابعة لوزارة الصحة المصرية، ويضم 885 سريرًا، 43 تخصصًا طبيًا، 23 غرفة عمليات، 51 سرير رعاية مركزة، 45 وحدة غسيل كلوي، و41 عيادة متخصصة، ويُعد مرجعًا طبيًا في جراحات القلب والمخ والكلى. في المقابل، يُعد مستشفى وادي النيل صرحًا طبيًا متقدمًا، يضم نخبة من كبار الأطباء المصريين والأجانب، ويحتوي على أحدث الأجهزة الطبية، ويغطي معظم التخصصات. ويقول يحيى، إنه "نتيجة سعينا لنقل صنع الله إلى مستشفى وادي النيل، اتصل وزير الصحة بابنة الكاتب، يوم الأحد، وأبلغها بأن حالته لا تحتاج إلى نقله إلى مستشفى آخر، فتراجعت الأسرة عن الفكرة".
مشهد استعراضي
وعلى الرغم من أن العائلة تتمسك برفضها القاطع لأي تبرعات من أفراد مهما بلغت درجة قربهم، انطلاقًا من مبدأ واضح بأن علاج صنع الله إبراهيم هو حق على الدولة، فإن اتحاد الكتّاب المصريين هو الجهة المسؤولة عن رعاية الأدباء، لكنه ظل غائبًا تمامًا عن المشهد منذ إصابة الكاتب الأولى قبل عامين، وحتى الزيارة الأخيرة من رئيس الاتحاد الدكتور علاء عبد الهادي يوم السبت الماضي.
وأصدر اتحاد الكتّاب المصريين بيانًا السبت، مرفقًا بعدد من الصور التي تظهر رئيس الاتحاد ووفده إلى جوار سرير الكاتب الذي يخضع للعلاج. كما ذكر البيان أن عبد الهادي سلم الكاتب بطاقة علاج على نفقة الاتحاد، وبطاقة فيزا الراتب الشهري. وتساءل يحيى عن غياب الاتحاد طوال تلك الفترة "رغم توافر موارد مالية مخصصة لعلاج الأدباء، وعلى رأسها وديعة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة".
وفي العام 2020 أودع حاكم الشارقة 20 مليون جنيه لصالح اتحاد الكتّاب المصري، خصّصت لرعاية أعضائه من الأدباء. بينما تُثار تساؤلات عديدة حول مصير تلك الوديعة، التي مُنحت للاتحاد إبان رئاسة محمد سلماوي، ثم انتقلت إلى الشاعر الدكتور علاء عبد الهادي. وحتى اليوم، لا تتوافر معلومات دقيقة عن وضع هذه الوديعة، وما إذا كانت لا تزال محفوظة أم جرى إنفاقها على مشروعات الاتحاد، رغم ما يُتداول عن تخصيص نصفها للعلاج كما أوصى بها مقدمها.
كاتب على اليسار
بدأ صنع الله إبراهيم إنتاجه الأدبي منذ 58 عامًا، بنشر روايته الأولى "إنسان السد العالي" العام 1967، وحظيت أعماله بانتشار واسع في العالم العربي، من بينها: "اللجنة" (1981) التي أعادت إنتاج أجواء كافكا الكابوسية، و"بيروت بيروت" (1984) التي تناولت الحرب الأهلية اللبنانية، و"ذات" (1992) التي رصدت تحولات المجتمع المصري، و"وردة" (2000) التي تناولت ثورة ظفار في عمان، وغيرها من الأعمال التي مزجت بين الخيال والتوثيق والسيرة الذاتية وتاريخ الوطن.
لذلك يمثل صنع الله صوتًا بارزًا في المشهد الثقافي المصري، وهو قيمة لا يجوز التعامل معها بالتجاهل أو الإهمال. لكن اللافت في ما يواجهه الكاتب، المتماثل حاليًا للشفاء بعد إجرائه جراحة لرأب مفصلَي الحوض والفخذ، فإن الدولة التي أمضى الكاتب جل حياته على يسارها، وتوقع كثيرون أن تهمله لهذا السبب، بالإضافة إلى أسباب بيروقراطية أخرى، تولت الاهتمام بحالته الصحية، بسب العائلة، بينما يتغافل اتحاد الكتاب الذي يفترض أن يكون جهة مستقلة تدافع عن أعضائها، عن علاج الكاتب المستقل الأَولى بالرعاية، والذي ما زال يلتزم بمبادئه رغم احتياجه الصحي للمساعدة العاجلة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها