newsأسرار المدن

طفل دمنهور: الجُرم الفردي ووِزر الجماعة

شادي لويسالسبت 2025/05/03
e4-1746101664.jpg
السجن المؤبد للمُعتدى جنسياً على الطفل بمصر (مواقع التواصل الاجتماعي)
حجم الخط
مشاركة عبر
إن كان لمسلسل رمضاني يدور حول الاعتداء الجنسي على الأطفال أن يختتم حلقاته بأغنية وطنية، فقضية تتعلق باتهام قبطي في عقده الثامن بـ"هتك عرض" طفل مسلم قد تقود إلى فتنة طائفية. وما دفع صنّاع مسلسل "لام شمسية" إلى وضع أغنية "تسلمي يا مصر" في نهاية الحلقة الأخيرة، هو ما جعل قضية مدرسة الكرمة، أو ما يطلق عليها قضية طفل دمنهور، مركزاً لتلاسن طائفي غير مأمون العواقب. في الحالتين، لا يكون الجُرم فردياً، بل وِزر تحمله الجماعة كلها. ولا تكون تبعات الاعتداء أمراً يتعلق بالمجني عليه وحده، بل جرحاً يصيب الوطن أو الطائفة، ويتطلب طقوساً للتطهر أو الانتقام... أو الإثنين معاً.

في قضيتنا هنا، الأمر لا يتعلق بطائفتَي الجاني والمجني عليه، فالمدرسة الخاصة التي وقع فيها الاعتداء تابعة للكنسية القبطية أو ترتبط بها بشكل ما، والمتهم كما يُتداول ليس موظفاً في المدرسة بل مُراجعاً مالياً موفداً من المطرانية. تدّعي أسرة الطفل أن ثمة تواطؤاً من قبل إدارة المدرسة، وتستّراً على الجُرم من قبل إحدى العاملات. تلك الملابسات تأخذ القضية إلى ما هو أبعد من الجُرم الفردي، وهو أمر لا يخلو من منطق، فثمة عنصر مؤسسي دائماً في آليات الكتمان والتعمية. لكن في حالتنا هذه، يمتد خط الإدانة على استقامته من المدرسة إلى الكنيسة إلى الطائفة، فيصبح الأقباط جميعهم محل اتهام، والمسلمون أولياء دم. بل ويصل الأمر إلى التشكيك حتى في محامي أسرة الطفل، لمجرد أن له صورة مع أحد القساوسة بمناسبة تهنئة الأقباط بأعيادهم.

بالطبع الجريمة والقانون هي أمور جماعية بالتعريف، أي حتى ولو كانت الجريمة فردية فهي تمس المجتمع بأسره، إلا أن القانون في النهاية معني بتنظيم العلاقة بين الأفراد، لا تنظيم العلاقة بين طوائف.

ثمة ما يثير الإعجاب في مسار القضية، وهو مثابرة أسرة الطفل، وبالأخص والدته، في طلب العدالة، حتى بعد إغلاق النيابة للتحقيق قبل عام لعدم كفاية الأدلة. وكذا التعاطف الجماهيري الواسع مع المجني عليه والإلحاح على تطبيق القانون. بلا شك، هناك انزياح حصل مؤخراً في الوعي العام بخصوص جرائم الانتهاك الجنسي للقصَّر. أولاً، الإقرار بأنها تحدث وذلك بعد إنكار طويل، وثانياً التحرّر من الوصمة التي تلحق بالضحايا وذويهم. كان يمكن لتلك القضية أن تكون مثالاً نموذجياً للشجاعة الفردية في مواجهة التكتم المؤسسي، ولطلب العدالة بوصفها تعافياً، لولا التحريض الطائفي الذي صاحبها في وسائل التواصل الاجتماعي.

للفتن الطائفية في مصر تاريخ طويل، يدور منذ السبعينيات حول أجساد النساء وتنازع الجماعات الطائفية على أمتلاكها، وأيضاً حول رمزية الحضور والامتلاك في الفضاء العام، حيث يندلع العنف الطائفي على الأغلب مع بناء كنيسة أو مؤسسة قبطية.

تقدم المؤرخة بيث بارون في كتابها المرجعي "فضحية الأيتام" الصادر بالإنكليزية عن جامعة ستانفورد العام 2014، فهماً لأحد أوجه التوتر الطائفي في مصر وجذوره، وذلك بالرجوع إلى واقعة ضرب فتاة مسلمة في أحد دور رعاية الإيتام التابعة، لإرسالية مسيحية، في العام 1933، وكيف تحولت تلك الواقعة العابرة إلى قضية سياسية ملتهبة وساهمت حينها في بروز الإخوان المسلمين في الساحة العامة. هكذا، تبدو الطفولة ساحة أخرى رئيسة من ساحات النزاع الطائفي.

في قضية طفل دمنهور تجتمع عناصر الانتهاك الجنسي والطفولة، وملكية الفضاء العام ممثلاً في المدرسة التابعة الكنسية. تلك التقاطعات والتحفز الجماهير حولها، كانت منذرة بانفجار. في زمن هشاشة الغالبية، لطالما شعر المسلمون في مصر بأنهم مهدّدون. أما الأقباط، فانبرى بعضهم في الدفاع عن الجاني بحكم عقدة اضطهاد راسخة، وهناك ما يبررها بالطبع. جاء الحكم القضائي بالسجن المؤبد على المتهم بعد جلسة واحدة، لينزع فتيل الأزمة أو يؤجلها إلى حين، بينما يشعر الكثير من الأقباط أن المتهم قُدّم كبش فداء لتهدئة غضب الأكثرية. 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث