حجم الخط
مشاركة عبر
ضجت القاعة بتصفيق حار وطويل، عقب إعلان رواية "صلاة القلق" للكاتب المصري محمد سمير ندا، ضمن اللائحة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. كان ندا حاضراً وقتها في قاعة مكتبة الإسكندرية التي احتضنت الحفلة، ولمس للمرة الأولى التفاعل الكبير مع جمهور متحمس. لكنه بالتأكيد لم يكن ليتخيل حجم التفاعل الذي سيحدث بعد شهرين من هذه اللحظة، بالتحديد عقب إعلان فوزه بالجائزة فعلاً مساء الخميس الماضي، ولم يتوقع بطبيعة الحال انقلاب قطاع من هذا الجمهور عليه وعلى روايته، ولا الأسئلة التي أثيرت، ولا إلى أين حلّقت النقاشات حول نصه. متابعة الساعات الأخيرة عقب الإعلان تكشف طبيعة الفخاخ التي ألقيت في طريقه، وطريقته في تجاوزها وعبورها.
في ظهور لم يتعد الدقائق الخمس، عبر فيديو نشره في فايسبوك في اليوم التالي للإعلان، بدا ندا هادئاً ومدركاً للأسئلة التي كانت في بدايتها، ليس عن أحقيته، لكن حول اعتبار جائزته فوزاً لمصر، بعدما رفضت دور مصرية عديدة نشر روايته، ما اضطره لنشرها مع ناشر تونسي، وتصريحاته القديمة التي جرت استعادتها. في الفيديو القصير قال ندا إنه لن يعلق على أي شيء ولا يحمل ضغينة لأي مخلوق، وأن ما يحدث ضريبة متوقعة للجائزة يتقبلها بكل رحابة صدر. شكر قراءه وأهدى الجائزة لوالده، وعبر الفخ الأول بنجاح، قال: "الغالبية سعداء بفوز كاتب مصري بأكبر جائزة عربية في مجال الرواية"، معتبراً أن النجاح لا يخصه وحده، بل هو لجيل كامل من الكتّاب المصريين. ثم قفز فوق الفخ الثاني ببراعة، مؤكداً أن فوزه لا يعني أنه أفضل من الآخرين الذين زاملوه في لوائح الجائزة، بل رفض حتى مساواته بمن فاز بها من المصريين من قبل: "فوزي لا يعني أنني أجاور بهاء طاهر أو يوسف زيدان. من الضروري ألا نحلق عالياً، وأن نهبط على الأرض سريعاً، حتى يكون الموضوع منطقياً ولا نفرط في السعادة، فالإفراط في الشعور بالتفرد والتميز ضار جداً لأي كاتب".
في تصريحاته التالية تخلّى عن وعده بعدم التعليق، لأن التفاعل والهجوم فاقا توقعاته، وربما لأنه انتبه إلى ما يجري فعلاً على الأرض، أو في الفضاء الإلكتروني إن شئنا الدقة. فقال بوضوح في تصريحات تلفزيونية إنه سعيد بفوز رواية "مصرية" بهذه الجائزة العربية الكبيرة، وزاد قائلاً إن ارتباط اسمه بمصر يصيبه بالفخر و"القشعريرة". ورداً على ما يقال حول مسألة النشر، قال إن كثيراً من اللغط يثار حول هذا الموضوع، وأنه بات يُستخدم لـ"جَلد الذات" أو "لتخليص الحسابات مع دور النشر"، مؤكداً على أن قبول الأعمال أو رفضها حق أصيل لكل ناشر، لكن ما يؤلمه ويزعجه هو التجاهل أو عدم الرد: "أرفع القبعة لكل من رفضوا روايتي وأعلنوا أسبابهم، ولهم كل الاحترام. تحدثت مع دور مصرية ولم نتفق على التعديلات المقترحة أو التحرير. لذلك وضعت الرواية في الدرج وبدأت غيرها".
في ظهور لم يتعد الدقائق الخمس، عبر فيديو نشره في فايسبوك في اليوم التالي للإعلان، بدا ندا هادئاً ومدركاً للأسئلة التي كانت في بدايتها، ليس عن أحقيته، لكن حول اعتبار جائزته فوزاً لمصر، بعدما رفضت دور مصرية عديدة نشر روايته، ما اضطره لنشرها مع ناشر تونسي، وتصريحاته القديمة التي جرت استعادتها. في الفيديو القصير قال ندا إنه لن يعلق على أي شيء ولا يحمل ضغينة لأي مخلوق، وأن ما يحدث ضريبة متوقعة للجائزة يتقبلها بكل رحابة صدر. شكر قراءه وأهدى الجائزة لوالده، وعبر الفخ الأول بنجاح، قال: "الغالبية سعداء بفوز كاتب مصري بأكبر جائزة عربية في مجال الرواية"، معتبراً أن النجاح لا يخصه وحده، بل هو لجيل كامل من الكتّاب المصريين. ثم قفز فوق الفخ الثاني ببراعة، مؤكداً أن فوزه لا يعني أنه أفضل من الآخرين الذين زاملوه في لوائح الجائزة، بل رفض حتى مساواته بمن فاز بها من المصريين من قبل: "فوزي لا يعني أنني أجاور بهاء طاهر أو يوسف زيدان. من الضروري ألا نحلق عالياً، وأن نهبط على الأرض سريعاً، حتى يكون الموضوع منطقياً ولا نفرط في السعادة، فالإفراط في الشعور بالتفرد والتميز ضار جداً لأي كاتب".
في تصريحاته التالية تخلّى عن وعده بعدم التعليق، لأن التفاعل والهجوم فاقا توقعاته، وربما لأنه انتبه إلى ما يجري فعلاً على الأرض، أو في الفضاء الإلكتروني إن شئنا الدقة. فقال بوضوح في تصريحات تلفزيونية إنه سعيد بفوز رواية "مصرية" بهذه الجائزة العربية الكبيرة، وزاد قائلاً إن ارتباط اسمه بمصر يصيبه بالفخر و"القشعريرة". ورداً على ما يقال حول مسألة النشر، قال إن كثيراً من اللغط يثار حول هذا الموضوع، وأنه بات يُستخدم لـ"جَلد الذات" أو "لتخليص الحسابات مع دور النشر"، مؤكداً على أن قبول الأعمال أو رفضها حق أصيل لكل ناشر، لكن ما يؤلمه ويزعجه هو التجاهل أو عدم الرد: "أرفع القبعة لكل من رفضوا روايتي وأعلنوا أسبابهم، ولهم كل الاحترام. تحدثت مع دور مصرية ولم نتفق على التعديلات المقترحة أو التحرير. لذلك وضعت الرواية في الدرج وبدأت غيرها".

إذا عدنا مجدداً إلى حفلة الإسكندرية، سنجد أن الرمزية كانت أولى ملاحظات بلال الأورفه لي، الأكاديمي والباحث اللبناني، وعضو لجنة تحكيم الجائزة، في كلمته عن الرواية، والتي تصبح لها دلالة أكبر حالياً. إذ تأكد ما كانت توحي به من مؤشرات، باعتبارها حيثيات للصعود للائحة القصيرة ثم الفوز النهائي. أشار بوضوح إلى رمزية الرواية التي تدور في "نجع المناسي" تلك القرية المعزولة في صعيد مصر، في مرحلة فارقة تمتد من نكسة 1967 إلى 1977، محملة بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تركت بصمتها الواضحة في حياة الشخصيات.
هنا تتجلى العزلة لا كواقع جغرافي فحسب، بل كـ"حالة فكرية ونفسية تغلف ساكنيها فتجعلها مسرحاً لاستكشاف أسئلة السلطة والخوف والهروب من الحقيقة". بالتالي فالعالم الذي ينسجه ندا في روايته، تتداخل فيه الحكاية بـ"الرمزية العميقة" في سرد متعدد الأصوات يعكس تعقيدات التجربة الإنسانية، ضمن سياق اجتماعي تاريخي نابض بالحياة.
أشاد الأورفه لي كثيراً بلغة النص وبنيته السردية، لكنه يعود مجدداً للمضمون، ليشير إلى الأسئلة التي تطرحها الرواية حول الهوية والحرية والمصير، عبر شخصيات تعيش أزمات نفسية: "يتجلى ذلك بوضوح في حكيم، الطفل مقطوع اللسان الذي يصبح الراوي الخفي للحكاية، كأنه صدى لصمت المجتمعات أمام الظلم والاضطهاد، وفى الوقت ذاته رمز لقوة الكتابة كأداة للتحرر". ويلخص المسألة بقوله إن "قيمة هذه الرواية تتجلى في قدرتها على استدعاء الأسئلة الكبرى في الحياة عبر سرد يبدو بسيطاً في ظاهره، لكنه مشحون بطبقات من المعاني والدلالات". هذا التفاعل بين الواقع والخيال يمنح الرواية في نظره بُعداً تاريخياً واجتماعياً يجعلها أكثر من مجرد نص أدبي، بل "شهادة على مرحلة محورية من تاريخ مصر والمنطقة".
وفي النهاية أكدت الجائزة على المعاني نفسها، فقالت في بيانها الرسمي الختامي إن السرد في الرواية "يتداخل مع الرمزية في نص مقلق ذي أصوات وطبقات متعددة، يصوّر فترة محورية في تاريخ مصر، العقد الذي تلا نكسة 1967" وزاد البيان فاعتبر الرواية "مساءلة سردية لمرويات النكسة وما تلاها من أوهام بالنصر". وهو ما أكد عليه أيضاً ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، إذ رأى أن الرواية مؤهلة لأن تصبح "رواية مكرّسة من روايات الأدب العربي في المستقبل"، إذ تنطلق في تأطير سرديتها الرمزية لحرب 1967 والسنوات العشر التي تلتها، "جاعلة منها مناسبة لنسج عالم من الديستوبيا المُطْبِقة، شخّصه الكاتب في نجع المناسي التي يتطابق "اسمها مع جسمها". أغلق الطغيان على قاطني النجع منافذ النجاة، فوقعوا ضحية لا تستطيع الفكاك من عواهن الاستغلال والتضليل والاستقطاب وحجب المعلومة، مع أنّ إمامهم حاول، فاشلًا، أن يستنّ لهم صلاةً للقلق تساعدهم على الخلاص".
كل تلك التفسيرات لم توقف حدة النقاش المستمر والمتصاعد منذ الإعلان وحتى الآن، بل ربما زادت من حدته وأكدت الهواجس الدائرة في نفوس البعض. وهو ما دفع ندا ليرد بنفسه في تصريحات تلفزيونية، فقال إنه سيحاول قبول ما يجري باعتباره "سوء فهم" لا "سوء ظن". وقال بوضوح: "أنا لا أنتقد شخص جمال عبد الناصر"، مشدداً على أنه يتحدث عن مرحلة مفصلية في تاريخ مصر، بالتحديد الفترة من 1967 وحتى 1977، والرواية قائمة بالأساس على فكرة فانتازية تصور تاريخاً مغلوطاً، وكأننا قد حررنا فلسطين في 67 وانتصرنا، ثم نتابع حياة الناس وفق هذا التصور في قرية معزولة اختطفها شخص ما، "هذا الشخص ليس جمال عبد الناصر، بل يتاجر به ويستغل اسمه، لكن عبد الناصر ليس مستهدفاً في الرواية، بل آخر، يحاول تغييب العقول لتحقيق هدف ومجد شخصي".
أكد أيضاً أن الرواية تقول إننا ومنذ العام 1948 نصلي صلاة سادسة بخلاف الصلوات الخمس المفروضة، هي صلاة القلق، لأننا نعيش في قلق دائم ونمارس طقوساً تشبه طقوس الصلاة: "أدعوا الشعوب العربية أن تتوقف عن أدائها لأنها تعطلنا". وهو الهدف الأساسي للرواية في نظره، أي البحث في الطريقة التي يتم بها تغييب الوعي الجمعي للشعوب، وكيف يزيف التاريخ وتتم السيطرة على المواطنين من خلال اختلاق حروب غير حقيقية: "نحن لا ننتقد الحروب التي تدافع عن الأرض، لكن الحروب الوهمية المصطنعة التي تهدف إلى خفض سقف الطموح عند المواطن". هكذا، استدعى مجدداً كلمة والده التي غص بها خلال حفلة إعلان فوزه: "تحرير الأرض مرهون بتحرير العقل".
(*) محمد سمير ندا
كاتب مصري، يعمل مديراً مالياً لمشروع سياحي. نشر العديد من المقالات في الصحف والمواقع العربية، وصدرت له رواية "مملكة مليكة" العام 2016، ورواية "بوح الجدران" العام 2021. أدرج في لوائح الجائزة العالمية للرواية العربية للمرة الاولى هذا العام، وهي أيضًا المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب مصري بالجائزة منذ العام 2009. صدرت "صلاة القلق" عن منشورات مسكلياني.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها