(من المعطف رقم 2)
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت اقتباسات الكتب المصوّرة للأبطال الخارقين هي العمل التجاري الكبير الذي هيمن على صناعة السينما على مدى السنوات العشر التالية. أصبحت الشخصيات الخارقة شيئاً مثل الطفرة في ملاعب التنس، ولكن في هوليوود، حلّت تدريجياً محل الأفلام المتحركة الرقمية والأفلام الملحمية واقتباسات الملاحم الأدبية للأطفال والشباب وغيرها من الأعمال السينمائية الرائعة، التي تنافست معها في السوق منذ بداية القرن الجديد.
النمو المستدام لقاعدة جماهيرية نشطة للغاية جعل الأمر يبدو وكأن العمل سيستمر إلى الأبد. بلغت ذروة هذا الطفرة في 2018، عندما كانت خمسة من أعلى الأفلام ربحاً في العام أفلاماً لأبطال خارقين. لكننا نعلم بالفعل أنه لا توجد إمبراطورية تدوم ألف عام، وجاءت نقطة الانهيار بعد عامٍ واحد فقط، مع إصدار فيلم"Avengers: Endgame"، الذي مثّل نهاية حقبة. في 2020، تزامناً مع الوباء، انفجرت أفلام الأبطال الخارقين مثل فقاعة العقارات وبدأ كل شيء في الانهيار. ومنذ ذلك الحين، لم يعبر أي فيلم مخصّص لهذا الموضوع روبيكون الرداءة، ما أثّر بشكلٍ كبير على الأداء التجاري لهذا النوع.
في الواقع، يمثل عام 2024 أدنى نقطة في السنوات العشر الماضية، مع وجود عنوانين فقط في المراكز العشرة الأولى. أحدهما كان فيلم "ديدبول & ولفرين" الذي صدر بعد واحدة من أكبر الحملات التسويقية في السنوات الأخيرة، رغم أنه يمكن القول إن الفيلم بالكاد يلبّي معظم توقّعات المعجبين المتعصّبين. والآخر كان فيلم "فينوم: الرقصة الأخيرة" الذي أغلق إحدى أضعف ثلاثيات "مارفل".
الأنيميشن يزدهر
على عكس الأبطال الخارقين، كانت أفلام الأنيميشن مرة أخرى الفائز الأكبر في 2024، حيث جاءت أربعة عناوين في المراكز العشرة الأولى لهذا العام، وهو أعلى معدّل منذ العام 2011: "إنسايد أوت 2" و"ديسبيكابل مي 4" و "مانا 2" و "كونغ فو باندا 4". لسوء الحظ، لا يتكرر هذا النجاح الهائل في الأفلام نفسها، فكلها أفلام متممة لأخرى أصلية وأغلبها لا يتعدّى حدود التسلية العابرة والمنسية. أفلام مكمّلة تتضخم ببساطة في المنطقة المزدحمة من الملاحم السينمائية، دون تقديم مساهمات كبيرة لأفضل ما قدّمته أجزاؤها السابقة بالفعل في كلّ حالة. بالطبع، كان ما يقرب من 1.7 مليار دولار جمعها فيلم "إنسايد آوت 2" كافياً ليصبح فيلم الرسوم المتحركة الأكثر ربحية في التاريخ والثامن في القائمة العامّة.
الأفلام الأربعة التي تكمل العشرة الأوائل ليست أصلية على الإطلاق. فهي إما جزء من ملحمة، مثل "كثيب 2" للكندي دوني فيلنوف، و"غودزيلا ضد كينغ كونغ: امبراطورية جديدة"، الجزء الخامس مما يسمّى "monsterverse" (عالم الوحوش)، أو أنها منتجات مصنوعة على رماد نجاح الإنتاجات السابقة. ينتمي ""Wicked و"Beetlejuice Beetlejuice" للمخرج تيم بيرتون إلى هذه المجموعة الفرعية، وكلاهما تكملة متأخرة جداً لأفلام مثل "ساحر الأوز" (1939) أو ""Beetlejuice (1988).
وافد جديد
هذه المرة يجب البحث عن أفضل أفلام العام في السينما التجارية خارج قائمة الأكثر مشاهدة وحتى خارج إنتاج الاستوديوهات الكبيرة. تحمل العديد من الأفلام الأكثر إثارة لعام 2024 العلامة التجارية لشركة الإنتاج المستقلة A24، التي رسّخت نفسه هذا الموسم كمرادف للسينما الطموحة والمحفوفة بالمخاطر، لكن القادرة على إغواء عموم المتفرّجين.
قائمة الأفلام والمخرجين الذين جاءوا إلى المسارح المحلية هذا العام بفضل A24 انتقائية بقدر ما هي مثيرة للإعجاب: "حبّ وأكاذيب ودماء" (من إخراج روس غلاس)؛ "حرب أهلية" (أليكس غارلاند)؛ "ماكسين" (تاي ويست)؛ "نحن نعيش في الزمن" (جون كراولي)؛ "مهرطق" (سكوت بيك وبريان وودز)؛ و"كوير" (لوكا غواداغنينو). ويجب أن نضيف إلى هؤلاء ثلاثة آخرين لم يصدروا بعد في المنطقة العربية: "بارثينوبي" (باولو سورينتينو)؛ "رجل مختلف" (آرون شيمبرغ)؛ و"الوحشي" (برادي كوربيت)، وهو أحد العناوين التي بدأت بالفعل في حصد الترشيحات في موسم الجوائز، بما فيها سبعة في جوائز غولدن غلوب.
(من الغرفة المجاورة)
ثمة حالة خاصّة هي حالة غواداغنينو المذكور أعلاه، والذي أصدر هذا العام فيلمين، أحدهما أفضل من الآخر، لأنه قبل فيلمه "كوير" المذكور أعلاه، قدّم المخرج الإيطالي في بداية 2024 فيلماً رومانسياً آخر بعنوان "متحدّون". ولا يسعنا إلا أن نذكر من بين أفضل أفلام هذا العام فيلم الإثارة "Longlegs" للمخرج أوسغود بيركنز؛ "آلين: رومولوس" (للمخرج الأوروغوياني فيدي ألفاريز)؛ فيلم الرسوم المتحركة "الروبوت البرّي" (كريس ساندرز)؛ والفيلم اللطيف "رسائل صغيرة شريرة"، وهو مبارزة تمثيلية حقيقية بين البريطانيتين جيسي باكلي وأوليفيا كولمان، من إخراج ثيا شاروك، والذي لم يظهر في دور السينما العربية. وبالطبع، "الغرفة المجاورة"، أول فيلم للإسباني بيدرو ألمودوفار مصوّر باللغة الإنكليزية، والذي يقترح مبارزة أخرى بين ممثلتين قديرتين، لا تقلّ إثارة للاهتمام عن السابقة، في هذه الحالة بين تيلدا سوينتون وجوليان مور.
إخفاقات
كانت هذه واحدة من أكثر الكلمات تكراراً لعام 2024 في مجال السينما العالمية، حيث رافقت العديد من العناوين المنتظرة لعامٍ لم تؤت فيه العديد من رهانات الاستوديوهات الكبيرة ثمارها في شباك التذاكر. يشمل هذا التصنيف بعض الأعمال الجيّدة التي لم تلق استحسان الجمهور في دور العرض، مثل فيلم "فوريوسا" للأسترالي جورج ميلر، والذي رغم جودته لم يحقق الاستجابة المتوقعة.
حالات معاكسة تتمثّل في "غلادياتور 2" للمخرج ريدلي سكوت، أو "جوكر: جنون مشترك" للمخرج تود فيليبس، واللذان لم يلبيا التوقعات المتولّدة في نسختهما السابقة، لكنهما حصلا على أداء تجاري مقبول. بالطبع، من بين الإخفاقات سيئة السمعة يجب أيضاً تضمين كل ما يتعلق بالأبطال الخارقين، بدءاً من "فينوم" المذكور أعلاه، والذي يجب أن نضيف إليه "مدام ويب"، و"كرافن الصيّاد"، مما يؤكد تراجع هذا النوع. سيتعيّن علينا أن نرى كيف سيستجيب "سوبر مان" جيمس غان، الأمل الكبير لسينما الأبطال الخارقين في عام 2025، لهذا الأمر.
المهرجانات
سلطت الأزمة الضوء على المكانة التي تحتلها المهرجانات الكبيرة كمستودع للسينما الأكثر تحدّياً والأعلى جودة، على الرغم من عدم اتباعها تلك القاعدة دائماً. ومن بينها، يبقى مهرجان "كانّ" الأكثر تأثيراً. تضمنت برامجه هذا العام فيلم "أنورا"، عملٌ كوميدي مجنون للفنان الكبير شون بيكر، فاز بالسعفة الذهبية ويُنتظر عرضه محلياً في الربع الأول من 2025. بينما فاز فيلم "المادة" The Substanceللفرنسية كورالي فارغا بجائزة أفضل سيناريو وحقق نجاحاً غير متوقع انتقل من دور العرض إلى منصة "موبي". وأخيراً، ذهبت جائزة أفضل إخراج إلى البرتغالي الرائق ميغيل جوميز عن "جولة كبرى"، أفضل أفلام العام على الإطلاق.
"إميليا بيريز"، أحدث أعمال الفرنسي جاك أوديار، والذي عُرض في مهرجانات عربية، أثار جدلاً أيضاً في مدينة كان. هناك فيلمان آخران نوقشا كثيراً (بشكل عام ليس بإيجابية)، هما فيلم "ميغالوبوليس" للمخضرم فرانسيس فورد كوبولا، و"أفق: ملحمة أميركية"، ملحمة الويسترن الكلاسيكية من إخراج وبطولة كيفن كوستنر. وكلاهما انتقلا سريعاً للعرض على منصّات البث.
ظاهرة إعادة الإصدار حضرت عربياً أيضاً، وإن كانت في الأغلب لأسباب تتعلّق بما يجري في فلسطين ولبنان. أفلامٌ لشحذ الذاكرة، وإحياء الذكريات، وتحديّ السرديات المشوّهة، وتعزيز الأصوات الفلسطينية، وشدّ الأزر لبنانياً.
حالتان غريبتان
رغم اختلاف الأسباب، إلا أن أحدث الإنتاجات لمخرجين عظيمين وغزرين الإنتاج مثل وودي آلِن (89 عاماً) وكلينت إيستوود (94 عاماً) شهدا تعقيدات في عرضهما الأول. في حالة الأول، تأثّر فيلمه "ضربة حظّ" بحملة إلغاء طالته نتيجة تهمة الاعتداء الجنسي التي تلاحقها به إحدى بناته بالتبنّي منذ سنوات. ومع ذلك، عُرض الفيلم لفترة وجيزة في الصالات نفسها التي امتلأت في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لرؤية كل عمل جديد لألِن.
ومن ناحية أخرى، فمسألة فيلم "المحلّف رقم 2" لا يمكن تفسيرها، إذ قررت شركة الإنتاج "وارنر برازرز" منحه إصداراً محدوداً في دور العرض (فقط في بعض البلدان) وبدلاً من ذلك أرسلته مباشرة إلى منصّات البث. يمثّل الفيلم عودة إلى أفضل أفلام إيستوود الكلاسيكية، بعد الخطأ الفادح الذي مثّله فيلم "بكاء ماتشو" (2021)، عمله السابق. وخلافاً لكل التوقعات، تمكّن "المحلّف رقم 2" من خدش قائمة أكثر 100 فيلم مشاهدة لعام 2024، إذ حلّ في المركز 101، في دليل كافٍ لتأكيد أن "وارنر" أخطأت تماماً في عدم السماح للفيلم بشغل موطنه الطبيعي: دور السينما.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها