السبت 2024/11/30

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

بينالي غزة: ضد الاحتلال

السبت 2024/11/30
بينالي غزة: ضد الاحتلال
بيان فني عن أن غزة باقية وكذلك أهلها.
increase حجم الخط decrease
في العشرين من الشهر الجاري، اجتمع عشرات الفنانين على شاطئ دير البلح في وسط قطاع غزة، للإعلان عن إطلاق "بينالي غزة". يشارك في المشروع "الطارئ والاستثنائي"، خمسون فناناً من غزة، ضد الحرب الإسرائيلية الوحشية على القطاع، ولتسليط الضوء على محنة سكان غزة بعد أكثر من عام من القصف المتواصل. ربع هؤلاء الفنانين غادر القطاع منذ بداية الحرب، وسيشارك من الخارج، سواء من القاهرة أو مدن أوروبية. وتتضمن تلك التظاهرة الفنية سلسلة من المعارض داخل غزة وفي الخارج أيضاً. وما زال المشروع في مراحله الأولى، ويبحث منظموه عن صالات عرض في الخارج ترغب في استضافة أعمالهم، لكن التحدي الأكبر هو كيف ينقل الفنانون أعمالهم عبر خطوط الحصار الخانق المفروض على القطاع.

أحد الأمور اللافتة في المشروع، هو محاكاة المنظمين للمدن الكبرى، وبالأخص فينيسيا، في إطلاقهم تسمية البينالي على معرضهم المقترح. ثمة مركزية غربية في تلك التسمية، وثمة تحدٍّ لها في آن، كما تقول تنسيم شتات - وهي واحدة من مؤسّسات المبادرة - في تصريحات لجريدة "الغارديان" البريطانية: "إن أكبر الأحداث الفنية في العالم تسمى البينالي، تستضيف أهم فناني العالم لمعالجة أهم الأمور في العالم من خلال فنهم. وبالنسبة إلينا فإن أهم الفنانين في العالم الآن هم فنانو غزة". تسمية البينالي التي تفيد التكرار كل عامين، تحمل وعداً بالاستمرارية وبالمستقبل، وبيان فني عن أن غزة باقية وكذلك أهلها.
 

هذا العام، ألقت الحرب في غزة بظلالها على بينالي فينيسيا، حيث وقّع آلاف الفنانين والعاملين في الحقل الثقافي حول العالم على عرائض طالبت بإغلاق الجناح الإسرائيلي في البينالي، أسوة بإغلاق الجناح الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا. لكن منظمي البينالي رفضوا الاستجابة لتلك الدعوات وأصروا على استضافة العرض الإسرائيلي، وكان من المتوقع أن يتحول الجناح هدفاً للتظاهرات وأعمال الاحتجاج. ومع هذا، لم يفتح الجناح أبوابه في النهاية، وذلك بعدما أعلنت الفنانة الإسرائيلية، روث باتير، أن معرضها في البينالي سيظل مغلقاً حتى تحرير الرهائن، في احتجاج ملتبس، هدفه ليس واضحاً، على الأغلب عن عمد. وفي خضم الجدل الدائر حينها، لوحظ أنه على الرغم من أن البينالي استضاف العديد من الفنانين الفلسطينيين في دوراته السابقة، إلا أنه لا يضم جناحاً لفلسطين. 

والحال أن بينالي فينيسيا يعكس النظام السياسي العالمي بتقسيماته الأفقية وتراتبياته. فوحدة التمثيل فيه، على خلاف الكثير من المعارض الفنية، ليست الفنان الفرد ولا المجموعات الفنية، بل الدولة، وفي ذلك السياق تقدّم أجنحته خريطة لجغرافيا الحدود الوطنية، وهو ما يبدو في الظاهر تعارضاً مع الأيديولوجيا الحاكمة لعمليات الإنتاج الفني اليوم بوصفها نتاجاً للعبقرية الفردية والتحرر من إلزامات السياسة. الغياب الفلسطيني كدولة في البينالي، والحضور كفنانين فرادى أو بالأحرى كشتات، مفهوم في ظل حرمان الفلسطينيين من حق الوجود السياسي. هكذا تقوم المؤسسات الفنية الكبرى بإعادة إنتاج تشوهات النظام السياسي العالمي وترسيخها.

ضمناً، وبشكل رمزي، يسعى بينالي غزة لتعديل الكفة وتحدي تلك التشوهات. وفي ظل الحصار وندرة خامات الإنتاج الفني وأدواته، ينوي المشاركون في المعرض من داخل غزة إرسال أعمالهم إلى الخارج مع موظفي الإغاثة الذين يسمح لهم بتجاوز الحدود بشكل متقطع. البعض الآخر سيكتفي بالمشاركة إلكترونياً بإرسال صور لأعماله أو مقاطع فيديو، والقليل منهم سيتعاون مع فنانين في الضفة الغربية لإعادة تشكيل أعماله الفنية من بُعد.

لا يمكن للفني الإفلات بالكامل من ثقل عالم السياسة. وكما في حالتنا هذه، بينما يسعى بينالي غزة لتحدي المنظومة القائمة، يجد فنانوه أنفسهم مجبرين على التعامل مع تقسيمات مثل الخارج والداخل، والضفة وغزة، تقسيمات هي بالأساس مفروضة عليهم وجزء من بُنية اضطهادهم. 


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها