السبت 2023/09/09

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

"النهضوي الأخير": طه حسين ضد رُهاب الإعراب

السبت 2023/09/09
"النهضوي الأخير": طه حسين ضد رُهاب الإعراب
طه حسين
increase حجم الخط decrease
تأسس مجمع اللغة العربية على مثال المشروع النهضوي، بغية الاشتباك بشكل فعال مع التقاليد التراثية وأدوات الحداثة الغربية ومؤسساتها القادرة على تحقيق إصلاح طال انتظاره. كان طه حسين واحداً من أكثر الأسماء جدارة بالانضمام إلى المجمع عند تأسيسه في العام 1932، لولا أن السياسة حالت دون ذلك. فتوتر طويل الأمد بين حسين، والملك فؤاد راعي "المجمع الملكي للغة العربية" (بحسب تسميته عند التأسيس)، أجّلت تعيينه عضواً فيه حتى العام 1940، ولاحقاً سيتم اختياره نائباً للرئيس في العام 1960 ومن ثم رئيساً للمجمع في العام 1963، وهو المنصب الذي سيحتفظ به حتى وفاته في العام 1973.


بمناسبة صدور الترجمة العربية لكتاب "النهضوي الأخير: طه حسين وبناء المؤسسات في مصر"، لحسام أحمد ومن ترجمة الدكتور موسى الحالول، عن مشروع "كلمة" للترجمة، ربما علينا الرجوع إلى فحص مساهمات طه حسين في تحديث العربية وإقامة مؤسساتها.

لا يقدم "النهضوي الأخير" تاريخاً متوقعاً للأفكار أو سيرة ثقافية تستشهد بنصوص كتب العميد ومقالاته، بل يتعامل الكتاب مع الثقافة وتاريخها، بوصفهما منتجَين سياسيين، يرتبطان بمؤسسات الدولة وبنيتها وإيديولوجيتها وموازناتها وجهود مؤسسيها والعاملين فيها. ولذا يخصص الكتاب فصله الرابع، المعنون "مقرطة اللغة"، ليتتبع جهود حسين لانتزاع السلطة الحصرية على الفصحى من يد مؤسسة الأزهر، وتوزيعها بين الجامعة، ممثلة في كلية الآداب، وبين مجمع اللغة العربية، بغية تبسيط الفصحى وتحديثها. فدمقرطة المعرفة كانت تعني بالإضافة لمشروعه الأثير الساعي لتعميم مجانية التعليم، أيضاً جعل أداتها، أي اللغة، مطروقة للجميع.

كان النصف الأول من القرن العشرين حافلاً بالاقتراحات الراديكالية لتحديث العربية، من مشروع سلامة موسى الاشتراكي الهادف لتبني لغة العامة واعتمادها للمعرفة والعلم، إلى اقتراح عبد العزيز فهمي عضو المجمع الداعي إلى كتابة الفصحى بالحروف اللاتينية، وهو الاقتراح الذي تعاملت معه "لجنة الأصول" بالمجمع على محمل الجد، وطرحته في العام 1944 لأخذ آراء الجمهور.

التمسّك بالفصحى
وقف حسين بحزم ضد الاقتراحين، متمسكاً بالفصحى كلغة للمعرفة وبالكتابة بحروفها العربية. إلا أن كتاب "النهضوي الأخير" وبالرجوع إلى تقارير إدارية رفعها العميد إلى وزير المعارف ومحاضر جلسات المجمع وتقاريره، يكشف عن قناعة حسين بأن العربية تواجه أزمة، وأن التصدي لها يتطلّب تدخلاً مؤسسياً. كمثال على ذلك، يرفع العميد تقريراً لوزارة المعارف عن تدني إلمام خريجي الجامعة المصرية بالعربية، إلى دون المستوى المتوسط.

في مداولات داخل المجمع حول تحديث الكتابة بالعربية، يطلب حسين ألا يسأل عن كيفية جعل الكتابة بالعربية أكثر سهولة، في إشارة إلى كونه كفيف البصر، وإن كان اقتراحه لحل "مشكلة" القراءة هو تشكيل كل حروف الكلمة. وفي مثال آخر، يلقى العميد محاضرة في العام 1955 أمام أعضاء المجمع يعنونها "مشكلة النحو"، ولا ينطلق العميد هنا فقط من الإقرار بمشكلة تحيق بقواعد العربية، بل يذهب إلى أن كلمة النحو تثير الرعب الشديد بين طلاب العربية، ومن بينهم هو نفسه في أيام تلامذته.

لكن حسين لم يكن بالطبع ضد النحو بل ضد طرق تدريسه التقليدية، ويتبين ذلك من خلال بعض المحطات. ففي تقرير إداري مرفوع لوزير المعارف، يشير إلى أنه من "السخف" تدريس النحو في أيامه كما كان يدرس في بغداد والكوفة. ولاحقاً يعرب عن إحباطه من وضع وزارة المعارف تقرير المجمع حول تبسيط النحو في أدراجها من دون الأخذ به. في هذا كله، لم يكتف العميد بدور المثقف العام ولا بدور الأكاديمي والسياسي، بل وفق هذا كله كان حسين موظفاً عاماً.

في العام 1947، وفي خطوة استثنائية، طرح المجمع مسابقة على جائزة قيمتها ألف جنيه مصري، ينالها أفضل اقتراح لتبسيط الكتابة بالعربية، وتلقى المجمع أكثر من 200 مقترح، وعكفت لجنة المسابقة على دارستها كلها حتى العام 1952، قبل أن تقرّر أن كل الاقترحات لا تقدم حلاً شاملاً وقابلاً للتطبيق.

تفاوتت مشروعات حسين ورفاقه في حظوظها من النجاح والاستمرارية، إلا أن ما تشاركت فيه جمعياً هو هذه القناعة البسيطة والقوية بأن الثقافة هي مُنتج مؤسسي وأن مسؤولية دمقرطتها وإتاحتها للجميع تقع على عاتق الدولة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها