الجمعة 2023/09/08

آخر تحديث: 12:13 (بيروت)

كوميديا سوداء...روح الصين والعلمانية الفرنسية وسراويل يَمَنية تخدش الحوثيين

الجمعة 2023/09/08
كوميديا سوداء...روح الصين والعلمانية الفرنسية وسراويل يَمَنية تخدش الحوثيين
ما زالت موجودة الفوبيا الصينية من الكيمونو الياباني!
increase حجم الخط decrease
من المفارقات و"الغرائب" والسمجات أن جمهورية الصين الشعبية التي تطيّر المناطيد التجسسية العابرة للمحيطات، والصواريخ الهائلة المثيرة للجدل والمدمّرة، وتعيش مرحلة الصراع والمنافسة الاقتصادية الجامحة والتكنولوجية في مختلف المجالات مع الولايات المتحدة الاميركية، وبات لديها نفوذها التجاري في أصقاع الكرة الأرضية،... هذه الجمهورية الامبراطورية التي تغرقنا بالبضائع من كافة الأنواع "من البابوش للطربوش"، تبحث مشروع قانون يحظر التعبيرات والأردية أو الملابس "المضرّة بروح الشعب الصيني". والمشروع أثار جدلاً كبيراً، بحسب موقع "بي بي سي"، فإذا أُقرّت مسودة القانون ونُفّذ، فقد يعاقب الأشخاص الذين تثبت إدانتهم إما بدفع غرامة مالية، وإما بالسجن، لكن مشروع القانون لم يوضح بعد، الأمور التي تعدّ انتهاكاً له. ويواجه العقوبة نفسها من ينشئون أو ينشرون مقالات أو خطابات من شأنها تقويض روح الأمة. 
وللعاقل أن يسأل، كيف يمكن للمسؤولين عن تطبيق القانون أن يحدّدوا من جانب واحد متى تُجرح "مشاعر" الأمة. ويذكّرنا القانون الصيني المقترح بتهمة "إضعاف الشعور القومي" التي كان النظام السوري، وما زال، يسوقها حين يعتقل معارضاً أو كاتب مقالة، فيزج المئات في السجن البعثي الأسدي.


(من يحدّد المَشاعر)

ولم يتردّد بعض الصينيين في السؤال: هل وجود "الماركسية التي نشأت في الغرب، في الصين، فيه إيذاء للمشاعر الوطنية؟"، وذكّروا حينما اعتُقلت امرأة ترتدي الكيمونو في مدينة سوتشو واتهمت "بإثارة المشاجرات والمشكلات" لأنها ارتدت الزي الياباني. وفي مارس/آذار من هذا العام، اعتقلت الشرطة امرأة ترتدي نسخة طبق الأصل من الزي العسكري الياباني في سوق لَيلي. كما قامت السلطات بحملة قمع ضد الأشخاص الذين يرتدون قمصاناً رُسم عليها قوس قزح في الحفلات الموسيقية ويوزعون أعلاماً في حرم إحدى الجامعات احتوت على رموز مجتمع المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً. ويعد مشروع القانون مثالاً واحداً على الكيفية التي يسعى بها الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى إعادة تعريف المواطن الصيني النموذجي، وهو يهتم بهذا منذ توليه قيادة البلاد في العام 2012.

ومشروع القانون الصيني ليس إلا تعبيراً عن سلوكيات يومية لسلطة بكين، تجاه أي حرية، سواء في الأردية/الملابس أو الثقافة والكتب. فغداة إصدار الكاتبة وي هيوي سيرتها المعولمة في "شنغهاي بيبي"، أثار الكتاب حفيظةَ النظام الرسمي الصيني فحارب الروائية ووصمها بالكاتبة "المنحلّة، أَمَة الثقافة الغربيّة". إذاك، تعرّضت الرواية للمنع والمصادرة من السلطات الصينيّة المعنيّة في العام 2000، وأُحرقت منها علانيةً أربعون ألف نسخة. ولا يختلف تعاطي النظام الصيني مع الأقلية الإيغورية المسلمة، اذ تواجه الصين انتقادات دولية متصاعدة جراء معاملتها القمعية للسكان الإيغور في إقليم شينجيانغ، إذ يُحكى عن معسكرات للعمل القسري يُحتجز فيها أبناء تلك الأقلّية، وعمليات إعقام جماعية تقوم بها السلطات الصينية بحقّهم. وبدأت الحكومة الصينية بتطبيق مجموعة من القوانين منذ مطلع أبريل/نيسان2017 حيث يلزم بموجبها موظفو الدولة في الأماكن العامة من بينها محطات الركاب والمطارات، بمنع النساء اللواتي يغطين أجسادهن بشكل كامل بما في ذلك وجوههن، من الدخول إلى هذه المرافق، وإبلاغ الشرطة عنهن.


(فرنسا جدل العباءة)

ولا يتعلق أمر الأردية بالصين وحدها، فقد منعت مدارس فرنسية دخول عشرات الفتيات اللواتي التزمن بارتداء العباءة في اليوم الأول من العام الدراسي، وأوضح وزير التربية غابريال أتال أن حوالي 67 طالبة رفضن وتم إرسالهن إلى منازلهن. وأعلنت الحكومة الفرنسية منع ارتداء العباءة في المدارس معتبرة إياها مخالفة لـ"مبادئ العلمانية" في التعليم بعدما تم منع الحجاب في هذه المؤسسات أيضاً، وتعتبر السلطة الفرنسية العباءة والقمصان الطويلة رموزاً دينية، بينما ذهب آخرون لاعتبارها رموزاً ثقافية تُرتدى من قبل غير المسلمين وخصوصاً الأفارقة.... ويجد قرار وزير التربية الفرنسي حظر ارتداء العباءة والقمصان الطويلة في المدراس الفرنسية، تنديداً من أحزاب سياسية يسارية وأقليات فرنسية، لا سيما المسلمين. واتهم الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا، الدولة الفرنسية، بتبني خطاب عنصري ضد المسلمين ابتداء من 2019، مُرجعاً الصراع الحالي بين فرنسا والمسلمين إلى ما سماه الصراع بين أحفاد المستعمِرين وأحفاد المستعمَرين. وقال إن الخطاب الإسلاموفوبي في فرنسا كان مقتصراً على فئات معينة من المجتمع، اليمين المتطرف واليمين، ثم انتقل إلى أجزاء من اليسار، وابتداء من 2019 أصبح الخطاب العنصري خطاب الدولة الفرنسية، بحسب بورغا.

(عودة خجولة لربطة العنق إلى إيران)

فرنسا تفرض "ثياباً علمانية"، بينما إيران الخميني فرضت الحجاب الديني على النساء منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي. وإذ تعتبر فتاوى خامنئية ربطة العنق للرجال "نوعاً من التشبه بالكفار"، فمع اندلاع الاحتجاجات بعد مقتل الشابة مهسا أميني على خلفية عدم ارتدائها الحجاب "بشكل صحيح"، عادت ربطة العنق بخجل، وهي أشبه بـ"تمرّد" على السلطة وفي زمن غابر كانت رفضاً لـ"التغريب". وفي السياق، صوّت النواب الإيرانيون خلف أبواب مغلقة على مراجعة قانون الحجاب المثير للجدل، وسيُفرض ما يسمى بمشروع قانون الحجاب والعفة مجموعة من العقوبات الجديدة على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب. وقد تمّت صياغته رداً على أشهر من الاحتجاجات التي أثارتها وفاة مهسا. وينص مشروع القانون المكون من 70 مادة على مجموعة من المقترحات، بما في ذلك عقوبات بالسجن لفترة أطول للنساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب، وغرامات مالية، بالإضافة إلى عقوبات جديدة صارمة ستطاول المشاهير والشركات التي تنتهك القواعد، كما سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد النساء المخالفات لقواعد اللباس. وتتعاطى السلطة الدينية الملالية الطامحة إلى النووي في إيران مع الحجاب باعتباره رمزاً سياسياً، وسقوطه يعني سقوط نظامها. 

(الحوثي يخاف من أحبّك)

وغير بعيد من صرامة ملالي إيران وحرسها الثوري وشرطتها الأخلاقية وصواريخها وأذرعها في الشرق الأوسط، فقد تفاعل اليمنيون بشكل واسع مع حملة تفتيش أجرتها وزارة الصناعة والتجارة التابعة لجماعة الحوثيين (أنصار الله) في صنعاء، وأسفرت عن مصادرة سراويل نسائية مكتوب عليها عبارات حب، وصفها اليمنيون بأنها "خادشة للحياء". وقالت التقارير أن سلطة الحوثي وعند تفتيشها أحد المحال التجارية لبيع الملابس النسائية، ضبطت بضائع مخالفة، عبارة عن سراويل نسائية قصيرة، معروفة باسم "البرمودا"، ومكتوب عليها عبارات حب من قبيل "أحبك يا عمري، أحبك، وينك يا عمري؟ وبموت فيك"، كما كتبت عليها عبارات باللغة الإنكليزية من قبيل "آي لاف يو"، وبناءً على هذه العبارات حررت اللجان الحكومية مخالفة بحق صاحب المحل. ونشرت الوزارة تنبيهاً مرفقاً بخبر ضبط المخالفة قالت فيه "أخي المواطن، عند وجود محلات تروّج لسلع تتعارض مع الهوية اليمنية والمنافية للدين الإسلامي، يتم إبلاغنا".


ليست قرارات أو قوانين السلطات الصينية والفرنسية والإيرانية واليمنية، في ما يخص الثياب، إلا تعبيراً عن تخبط في مأزق سياسي تعيشه الأنظمة في علاقتها مع أبسط الأمور. فالسلطة الصينية التي تعيش عولمة اقتصادية ما زالت تهتز أمام الكيمونو الياباني، وفرنسا العظمى تعيش فوبيا الاسلام والغرباء، وإيران الملالي تسوّق لعفة على قياس نظامها... وكل ما يجري من فاشيات جديدة وفاشيات مضادة وعنصريات كبرى، يأتي من بلدان متفاوتة القوة والتماسك، فواحدة تسعى إلى تمدّدها الاقتصادي وتخاف من الآيفون، وثانية تصدّر نموذجها الإيديولوجي الديني، وثالثة تعيش مأزق تقلّصها الانتدابي...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها