هَلْ سَوْفَ يَنْتَبِهُ الخَريفُ ذاتَ عامٍ أنَّهُ وَرَقُ؟
وَإذا تَرَاكَمَ أوْ تَلاشىٰ على رَصِيفٍ
أنَّهُ ضِفْدَعٌ هارِبٌ
غُدْرَانُ أَحذِيَةٍ وَكِلْسٍ
رُبَّمَا عُمْرُ؟
هَلْ سَوْفَ لا يَبْلَىٰ الكَلامُ وَجِنْسُهُ حَجَرٌ
ناتِئٌ كَاحتِجاجٍ
مِنْقارُ بومٍ بِلا جُمْلةِ البُومِ
عالِقٌ على رَأسِ غابٍ مِنَ الأَعْوَادِ
رَخْوَةٌ أَسْرارُهُ
لَمْ تَنْفَتِحْ لَها غَيْرُ أَدْرَاجِ الأَرضِ
فَضيحةٌ مِنَ الصَّمْتِ الذي دَمْعُهُ صَوْتُ؟
عمل مراد مستشاراً لوزير الثقافة ميشال إده، وكتب مسلسلاً تلفزيونياً "من برسومي"(اخراج ايلي اضباشي) عُرض في شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، ويعرفه أبو هلال منذ عقود إذ عملا معاً في جريدة "النداء" في الصفحة الثقافية، وتذكّرا خلال الجلسة كيف دوَّنا، من دون أخطاء، قصيدة لمحمود درويش كانت سُجلت على كاسيت في إحدى الأمسيات الدمشقية...
نجلس على شرفة تطلّ على جوانب من بيروت. لا بدّ من تأمل جدران منزل مُضيفنا، من أعمال
سمير خداج إلى لوحات
بول غيراغوسيان مروراً ببعض البوب آرت... والسؤال الذي لا بدّ منه كان عن مغادرة سمير سعد، الشيوعية، من دون ضجيج أو زوابع أو مذكرات أو اعترافات أو "نقد ذاتي"، كما درجت العادة أو الموضة السياسية اليسارية، سؤال عن أسبابه أو مبرراته، فكان جوابه مقتضباً ومختصراً: "الأمور انتهت"، ومن دون الدخول في التفاصيل وشيطانها.
ثم انتقلنا سريعاً للحديث مشروع كتاب بعنوان
"مي زيادة... سنونوة الحداثة العربية"، يطمح سمير لإصداره، ويتعلّق بتفاصيل حياة الأديبة مي زيادة، وكان نشر فصولاً منه في بعض المنابر الاعلامية العربية، ويبيّن جوانب مهمة من حياة مي ورحلتها إلى مصر، وتحويل اسمها من ماري إلى مي، وتهميشها في بعض الصحف المصرية بعد التحولات التي طرأت على مناخ النظام في مصر... وكان سمير مراد كتب سيناريو مسلسل عنها بعنوان "الآنسة مي"، ركّز على دراسة تاريخية تفصيلية قام بها حول شخصية الكاتبة الراحلة امتدت، كما يقول، عشر سنوات...
كان النقاش علاقة مي بجبران خليل جبران، وعلاقة كل منهما بجسده، وكيف انتهت قصتها في "العصفورية" بتدبير تآمري على يد ابن عمّها، والهدف كما قيل الاستيلاء على أملاكها...
من شرفة منزل سمير مراد كانت لنا إطلالة على بقايا قناطر العصفورية أو مستشفى المجانين في الحازمية، ذلك المكان الذي يضج بالحكايات والمعاني، وهو أول مستشفى للأمراض العقلية في لبنان دمرته التحولات التي طرأت على هذا البلد، وعاشت فيه مي أكثر الفصول قسوة، يوم تخلّى الجميع عنها (باستثناء أمين الريحاني)، وفي تلك الأيام كتَبَت رواية بعنوان "ليالي العصفورية"، قيل إنها ضاعت.
ومن بعد تلك الزيارة العابرة ومقابلة سمير سعد مراد، وربما من قبل، انتبهت إلى الكم الهائل من الكتابات عن مي زيادة، سواء في المقالات الصحافية أو الأبحاث الأدبية أو النقدية أو الدراسات الأكاديمية أو الروايات التي تتطرّق إلى حياتها وسيرتها. ولم يتقصر الأمر على رواية واحدة، فهناك رواية "ليالي إيزيس كوبيا: ثلاث مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية" لواسيني الأعرج، وقبل أشهر صدرت رواية "لا تذرني فردا" لمنهل السراج، و"أنا مي زيادة" لعلي حسن...
والسؤال الذي روادني إزاء هذه الموجة، مَن يقرأ أدب مي زيادة؟ أحسب أنّ كُتُبها غير متوافرة في المكتبات البيروتية وغيرها، لكن سيرة حياتها على كل شفة لسان. وهي شخصية دارمية معجونة بالحبر والحكايات والتفاصيل والمرويات، من أصلها وفصلها، بين الناصرة في فلسطين، وشحتول في كسروان، ووسط القاهرة في مصر، من دون أن ننسى هجرتها ونبوغها وتعلّمها اللغات وأسماءها المستعارة، وصولاً إلى صالونها الأدبي وعشّاقها الكثر، من جبران خليل جبران ورسائله، إلى مصطفى العقاد ومواقفه واعتباره مي لغزاً في حياتها ومماتها، وولي الدين يكن وتوسلاته الغرامية.
بمعنى آخر طغت حياة مي زيادة وفقدها ولوعاتها على أدبها ونصوصها. والكثير من الأدباء والمشاهير، تصير حيواتهم أكثر تأثيراً من أدبهم أو فنونهم، سواء المطربة أسمهان أو الناشطة المصرية أروى صالح، مروراً بالشقراء مارلين مونرو أو الأسطورة جيمس دين أو الكاتب فرانز كافكا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها