الخميس 2023/09/14

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

حروب عين الحلوة... تحرير فلسطين أم احتلال القرار الفلسطيني؟

الخميس 2023/09/14
حروب عين الحلوة... تحرير فلسطين أم احتلال القرار الفلسطيني؟
نزوح أهالي مخيم عين الحلوة إلى بلدية صيدا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
في زمانه، كان قائد جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان، اللواء "المنتحر" والآفل، غازي كنعان، ومن بعده وريثه رستم غزالي أيضاً القتيل تحت ركلات منافسيه من حاشية نظام الأسد، يوصف بأنّه "مهندس سياسات الانقسام والشرذمة، وإشعال حرائق الحروب الأهلية المتنقّلة ببراعة" و"بذل خلال الحقبة الطويلة من ولايته على لبنان جهوداً جبارة في تصديع اللبنانيين، أهلاً وطوائف، وشراذم طوائف، وشطور أحزاب وأجنحة". وكانت كل غايته ومسعاه الفاتك، الإمساك بمفاصل السلطات اللبنانية والتدخل في معظم التفاصيل من رأس الهرم السلطوي، أي رئاسة الجمهورية، إلى عضويات البلدية والمخترة واتحاد الكتّاب والكتبة والمشايخ والنقابات وحتى تفاصيل بعض غرف النوم والأفلام والمطابخ والولائم...

ومآل عين الحلوة، المخيم الفلسطيني الأكبر عند تخوم مدينة صيدا، ومنازعاته وحروبه وجولاته القتالية واغتيالاته وأمنه، بين حركة "فتح" والمجموعات الاسلامية المتشدّدة وحتى الوهمية التي تفرّخ في المخيم بالطريقة التي كانت تفرخ فيها التنظيمات الميلشيوية في زمن الحرب اللبنانية، أنه يسير بالوتيرة نفسها التي أدار بها غازي كنعان النسيج المديني والاجتماعي والسياسي ليحوله إلى شراذم ومحاور وقنّاصة وأمراء زواريب وأحياء ومقابر وولاءات متصادمة متضاربة...

ومَن يوزعون المال والإعاشة والسلاح على شباب المخيم وناسه عبر قنوات وقنوات، وهو المطوّق بالحواجز العسكرية اللبنانية والأجهزة الأمنية، وبالمحاط بالأحياء والبلدات اللبنانية والمؤسسات والمدارس والمعامل والمزارع، لا يكون هدفهم وغايتهم المرجوة نثر الورود والياسمين والأرز، ولا الترفيه وتزجية الوقت، ولا سلامة المواطنين الفلسطينيين، ولا تعبيد طريق القدس، ولا حتى تهديد الكيان الصهيوني وإقلاقه. فكل سلاح ومال في هذا السياق وفي هذا المكان بالذات، يكون لغاية شريرة وسوداء، وهو قنبلة موقوته لزعزعة الاستقرار اللبناني والفلسطيني. وهذا ما أظهرته الوقائع الآن في عين الحلوة وما قبل عين الحلوة وفي كل مكان، وهذا ما يقوله بعض الإعلام التابع لمن يوزع السلاح ويسهل مروره... فمن بات نائباً عن غازي كنعان بعد مغادرة القوات السورية لبنان، أو حلّ محله وورث أدواره وغرفه السوداء وأبواقه، يسير على خطاه. والنتيجة اليوم، المزيد من الرثاثة والتصدع والاهتراء، سواء على صعيد بنيان الدولة أو النسيج الاجتماعي اللبناني...

لا تنفصل وقائع ومنازعات وشراذم عين الحلوة عن السياسات التي يفرضها المهيمن على الإقليم اللبناني، إذا جازت التسمية. فالهيمنة هذه بشكل مباشر وغير مباشر، نتيجة التراكمات والمنازعات والصراعات المرئية وغير المرئية، المحلية والإقليمية والدولية، فتكت بالاقتصاد الوطني وهتكت وأموال الناس، ورسيت على فراغ مديد في الرئاسة والمؤسسات، وأفرزت مطالبات انفصالية وفدرالية و"جنود رب" وعنصريات متشعبة، وسهلت السطو على الأملاك العامة، وحطمت أدوار بيروت الثقافية، بالتوازي مع تحلّل القضاء وانقسامه وتعثره، وترهل سائر القطاعات التعليمية والطبية والصحية...

ومعارك عين الحلوة ونزاعاتها تذكّرنا بأمر معروف ومألوف في السياسات الشرق أوسطية، وهو أن الصراع غالباً كان ليس على تحرير فلسطين، بل على السيطرة على القرار الفلسطيني... يكفي أن نتذكر حروب حافظ الأسد على المخيمات الفلسطينية في لبنان عبر وكلائه، ويكفي أن نتذكر تفريخ التنظيمات الفلسطينية بدعم من بعض البلدان العربية التوتاليتارية، ويكفي أن نتذكر اغتيالات بعض القادة الفلسطينيين من قبل تنظيمات "بندقية للإيجار"، ويكفي أن نتأمل صراع حركتي "حماس" و"فتح"... ليس اشتعال النزاعات والحروب داخل المخيم إلا جزءاً من كارثة تتكرر من أكثر من خمسين عاماً في لبنان، وتنتقل بالوراثة والتوريث، وهي الآن تقتل المخيم وصيدا ومحيطها، فزائر المدينة مساء يحسبها مدينة أشباح، والشبح المرعب يتمدد في أًصقاع الوطن.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها