الأربعاء 2023/09/13

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

الحالة الفنية في بعلبك

الأربعاء 2023/09/13
increase حجم الخط decrease
لا تُقام، عادة، الكثير من المعارض التشكيلية في بعلبك. وهذا الحكم ينطبق، بنسب متفاوتة، على المدن والبلدات اللبنانية كافة، مع بعض الإستثناءات التي تحصل هنا وهناك. منذ فترة أقيم معرض جماعي نوعي في مدينة صيدا، تحت عنوان "روايات من الماضي الحاضر"، وكان أحد أهدافه كسر استئثار بيروت بالنشاطات الفنية. كما أقيم معرض نوعي آخر، منذ فترة غير بعيدة في مدينة بكفيا، تحت عنوان "100 عام من الفن التشكيلي في بكفيا"، وضم أعمالاً لفنانين كبار ومعروفين على الساعة الفنية. وربما أقيمت معارض ذات مستوى مختلف في بعض البلدات السياحية، بالتزامن مع المهرجانات الصيفية.

كانت بيروت، وما زالت، تستأثر بمعظم النشاط الفني، كما ذكرنا، وتتركز فيها المعارض على أنواعها. الأسباب معروفة، ولطالما كانت هذه الحقيقة واضحة، وقد ساعد في قيامها واستمرارها الموقع الجغرافي، كون العاصمة تقع في وسط البلاد، وتفصلها مسافة شبه متساوية عن بعض المدن اللبنانية الكبرى. لكن الجغرافيا شاءت أن تكون بعلبك (التي تشغل المساحة الأكبر من بين الأقضية) هي الأبعد عن المركز، ويفصلها عنها طريق شائك أطول من سواه، يتعثر سلوكه شتاء.

في محاولة لمقارعة هذا الواقع، تقوم هيئات إجتماعية وثقافية عدة بمحاولات لتبديل هذا الوضع، وذلك بالقدر الذي تسمح به الإمكانات، وبعضها متواضع، وذلك لعدم قدرة العديد من الأفراد على التفرّغ للعمل في المجال الثقافي. وإذ تكون الجمعيات العاملة في المجال الإجتماعي والإنمائي أكثر نشاطاً، فلكونها مموّلة من جهات دولية، وقادرة حتى على توظيف أفراد ضمن بنيتها. أمّا العمل في المجال الثقافي فهو أكثر تعقيداً، كما كان على طول الخط، والعاملون ضمنه "يدفعون من جيوبهم" من أجل تسيير الأمور، في ظل قلة المساعدات، وحتى ندرتها. فالمبالغ التي كانت وزارة الثقافة ترصدها كمساعدات لم تعد تساوي شيئاً، في حال وجودها. لسنا، هنا، في وارد تعداد الجمعيات والهيئات (يُقال أن عددها يتخطى الخمسين)، فالكثير منها شبه وهمي، وقد يكون وهمياً تماماً، إذ لا نعلم عنها شيئاً ولم نسمع يوماً بأخبارها.


(أطفال يرسمون في هيكل باخوس)

في هذا المجال، يحاول "مجلس بعلبك الثقافي"، ضمن سواه من الجمعيات القليلة العاملة فعلاً، تنظيم مختلف أنواع النشاطات ذات العلاقة المباشرة بالموضوع الفني والثقافي. وآخر هذه النشاطات كان إقامة معرض للفنانة خولة الطفيلي في قاعات المجلس الذي، ولحسن الحظ، يمتلك المساحة المناسبة لذك، بالرغم من أن القاعة الحاضنة للمعرض ليست مخوّلة أساساً لهذا النوع من المبادرات. لكن الجهود الشخصية والجماعية فعلت فعلها في هذا المجال، وتمت إقامة المعرض في شكل مناسب. كان من أكثر ما أثار حماستنا هو الإقبال الكبير على افتتاحه، ويمكن القول، بكل بساطة، أن الجمهور الذي حضر الإفتتاح تعدّى حجمه حجم الزوار لأي معرض تشكيلي يُفتتح في العاصمة. وإذا كان هذا الجمهور لقي ما يعجبه ويرضيه في ما عرضته الفنانة، فلأن معرضها، الذي اتخذ عنوان "مربع الحياة في بعلبك"، وضم أعمالاً كثيرة من حيث العدد، يتطرّق في شكل مباشر إلى بعض نواحي الحياة في المدينة، إضافة إلى بعض الأعمال الشخصية، ذات العلاقة بالأمور الذاتية، وأعمالاً أخرى تعالج موضوعات تقليدية في الفن التشكيلي.

أسلوب خولة الطفيلي واقعي، ولطالما عملت إنطلاقاً من هذا التيّار الذي يعكس الواقع، من دون إطالة أو مواربة. يساعدها في ذلك إهتمامها الأساسي بالرسم، وإجادتها المناسبة لنواحيه التي تتجنب الخطأ. أما في ما يخص الناحية اللونية، فنرى مزيجاً من ما بعد الإنطباعية والتعبيرية، ما يجعل الأعمال ذات قوّة لونية واضحة. هذا الأسلوب كان أساساً في نيل إعجاب الجمهور البعلبكي، لا سيما أن الأعمال تتعرّض لنواح من الحياة البعلبكية، وبعضها معروف من قبل الجميع: أبو علي بائع الكتب الذي كان يبسط بضاعته على رصيف شارع رأس العين، وكان الكثيرون، من هواة القراءة والكتب (وقد صاروا الآن قلّة قليلة) يتوقفون أمام "سجادته" الملوّنة المنسوجة من كتب تنتمي للأنواع كافة، باحثين عما يتناسب مع أذواقهم. صاحب محل الأسبرسّو مع آلته وما يتعلّق بها. كلمة "محل" ليست صائبة هنا، فالكثيرون من باعة القهوة كانوا استحدثوا زاوية صغيرة على الطريق تتضمن ما يلبّي الحاجة، ويأتي ذلك مع انتشار "حالة" الإسبرسو في المدينة كلّها. بائع الموز مع عربته المتحرّكة، كما بائع الأسماك في محلّه الثابت. إلى ذلك، تعرض الطفيلي العديد من أعمال الطبيعة الصامتة الصغيرة الحجم.


(طبيعة صامتة)

من ناحية أخرى، وبما أن الحديث يدور حول أمور الفن، فقد نظّم مجلس بعلبك الثقافي، منذ أكثر من شهر، دورات في الرسم للهواة الصغار، بالتعاون مع الرسامين: باتريسيا حليحل كافاليتو ومحي الدين الجبة وكاتب هذه السطور. هذا، وقد لقي المشروع نجاحاً لافتاً، ويزداد عدد الراغبين الصغار في الإنتساب إلى الدورة باضطراد، كما لوحظ أن العديد منهم يمتلك المقومات التي تسمح له بالتطوّر في هذا المجال. وقد تساعدنا الظروف، لاحقاً، في الكلام في شكل مفصّل عن المشروع عند نهايته، مع بدء العام الدراسي، وانصراف الأطفال إلى علومهم العادية، بالرغم من الشكوك القائمة حول انطلاق العام، في ظل الأحوال المادية للأساتذة التي لا يُحسدون عليها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها