انهيار المعنى
يسأل عمر الغزي، كاتب افتتاحية "معجم ينهار"، عن وقع الكلمات علينا، "فبينما توحي كلمة انهيار بحالة من السقوط والانحلال، تشعرنا كلمة أزمة بفترة زمنية محدودة وتذكّرنا بصورة النفق الذي لا بدّ أن يصلنا في النهاية الى الضوء، فهل يمكن اعتبار هذه الأزمة غير مسبوقة؟ هل يجوز هكذا اعتبار في بلد يستحيل العمل على تاريخه من منطلق الأزمات بينما كل تاريخه عبارة عن أزمة؟". وتذهب سينيتا كريشاتي، في مقدمتها، الى اعتبار الانهيار جزءاً من انهيار المعنى وقطع الصلات بين التعابير والألفاظ ودلالاتها. وتسأل: "من أو ما هو المقصود بالشعب، وهناك مصطلحات أخرى قد تتحول الى أغطية لا تدلّ على شيء محدّد، على غرار الشعار الأشهر في الاحتجاجات: كلن يعني كلن، و تعبير الطبقة السياسية، الذي يشير بشكل غامض أو يعتّم على المسؤولين عن الحالة المتردّية للبلاد"؟
تحاول الكاتبة والمخرجة المسرحية، كريستال خضر، تذكّر المرة الأولى التي سمعت فيها كلمة "اشتراك" لكنها تذكُر جيداً أنها كبرت على كلمة "هاوس" و"عبارة "تك الديجونتير"، أما كلمة "اشتراك" في رأيها، فأصبحت في اللاوعي الجماعي واللغة الشعبية، مضادة لكلمة الدولة، بعدما حذفت كلمة كهرباء من أمامهما.
فيما يرى الروائي فوزي ذبيان الذي كتب نصاً تحت عنوان "انتصار"، أن الكلمات على غرور كثير لأنها تعي أننا لا نقوم في العالم إلا عبرها، فتراها أحياناً متوارية وأحياناً أخرى محل صراحة ووضوح إلى حد الفجاجة، وأحياناً تقع في منطقة البين بين، "فالكلمات مثل العصافير التي تحلق مطمئنة لكن هذا الاطمئنان لا يلبث أن يزول عندما تتحول هذه الكلمات الى طريدة تقع في فخ بخس".
معجم المرادفات المنهارة
وقسمت سحر مندور "الانهيار" الى ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى الاستغراب والتساؤل والتوقع والتأكيد. المرحلة الثانية خسارة الخفة والإصابة بالثقل لأن الانهيار صار واقعاً، وأضافت اليه الكورونا نكهة خانقة. المرحلة الثالثة مرحلة الأرقام الواضحة التي تأتي بالنفع على من يديرها. وتتساءل سارة مراد عن حياة ومنازل أنقذتها الأهراءات أو الكتلة الاسمنتية التي وجدت لتحفظ حبوب القمح.
وكتب سيرج حرفوش عن كلمة "الدعم" ونعيم حلاوي عن كلمة "الصهر" المرادفة للمدلل ولرئيس الظل. وهاشم عدنان عن كلمة "عرصات" التي أصبحت جزءاً من المخزون المعرفي الشفهي في لبنان، أما حسن الساحلي فدوّن نصاً عن كلمة "مستقبل" وعن الأحلام المكلفة باهظة الثمن. فيما تطرقت فيفيان عقيقي إلى كلمة "مودعين" التي تكررت كثيراً منذ بداية الأزمة في لبنان، وكلمة "هيركات" التي سمعت بها ريما رنتيسي للمرة الأولى بمعناها الاقتصادي في وقت مبكر من انتفاضة 17 تشرين، والهلع الذي كان يعرفه مسعد أسعد في مشاهد سينمائية ولم يكن معرفاً به بمعناه الاجتماعي العام.
أما سارة قدورة فكتبت عن مصطلحح "أن جي اوز" الذي أصبح وجهة نظر ومرادفة للعمالة بحسب إعلام السلطة. وكتبت أمل طالب عن كلمة "ألف وخمسة" التي هي اختصار للألف وخمسمئة. وينهي المخرج هاشم عدنان عرض الكتاب بالسؤال عن الكلمات التي فُرضت علينا وعن الكلمات التي استخدمت في مواجهة السلطة، وأي منها يستقطب أوسع الشرائح؟ وأي منها عزز مكانة السلطة وأي منها عطّلها؟ أسئلة ربما تجيب عنها الكلمات من داخلها، ومن كثرة استخدامها في الشارع والعلام والخطاب اليومي حتى باتت كلمات منهارة في معجم الانهيار.
فريق الأداء:
إعداد: نسيم البنّا، فاطمة مروة وهاشم عدنان
أداء: فاطمة مروة ونسيم البنّا
الفيديو: كارلا عوّاد
تنسيق الموسيقى: محمود أبو زيد
إخراج: هاشم عدنان
فريق الكتاب:
مشاركون: مسعد أسعد، حسن الساحلي، سيرج حرفوش، نعيم حلاوي، كريستيل خضر، فوزي ذبيان، ريما رنتيسي، أمل طالب، هاشم عدنان، فيفيان عقيقي، سارة قدورة، سارة مراد، سحر مندور.
فريق التحرير: رامي راجح، جنى طرابلسي، هاشم عدنان، سينيتا كريشاتي ولينا المنذر
افتتاحية: عمر الغزي
مقدمة: سينيتا كريشاتي
بحث بصري: آلاء منصور
ترجمة من اللغة الانكليزية: فيفيان عقيقي
ترجمة من اللغة العربية: جمانة سيقلي
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها