الخميس 2023/06/08

آخر تحديث: 13:28 (بيروت)

مهرجان"ربيع بيروت"... بلاد ما بين القتل والطاعة

الخميس 2023/06/08
increase حجم الخط decrease
عرضان مسرحيان قدما هذا الأسبوع، ضمن مهرجان "ربيع بيروت" في دورته الـ15. الأول بعنوان "آخر 15 ثانية" للمخرج اللبناني الراحل مجدي بو مطر، والذي عُرض كتحية له في مسرح "دوار الشمس". والثاني "أرنب أحمر، أرنب أبيض" للكاتب الإيراني نسيم سليمانبور، وأداء فؤاد يمين، في مسرح مونو.
في حزيران من العام الماضي، رحل المخرج والممثل مجدي بو مطر بطريقة مفاجئة عن 47 عاماً. تكريماً له ولمسيرته، خصص "ربيع بيروت" هذا العام عرضين لمسرحيته "آخر 15 ثانية" بمشاركة الممثل اللبناني بديع أبو شقرا الذي سبق وتعاون معه في كندا في أعمال سابقة، بالإضافة الى الممثلة السورية ندى حمصي بحضورها اللافت، وندى أبو صالح، وتريفور كوب، وبو مارغريت.

بو مطر الذي هاجر إلى كندا العام 2003 وعمل مديراً فنياً لمهرجان "امباكت" ولفرقة "أم تي سبايس"، استوحى عرضه من الموت المأسوي للمخرج السوري الأميركي مصطفى العقاد وابنته ريما خلال سلسلة من الهجمات الإرهابية المنسقة التي استهدفت ثلاثة فنادق بارزة في العاصمة الأردنية عمّان العام 2005، وأودت بحياة عشرات الأشخاص.

يبدأ العرض باستعادة حياة المخرج الشاب مصطفى العقاد (قام بدوره بديع أبو شقرا) وحلمه بالسفر لدراسة الإخراج في الولايات المتحدة، وهو اشتُهر في ما بعد بفيلمين مرتبطين بالإسلام والعالم العربي، "الرسالة" و"أسد الصحراء"، في مقابل أحداث متخيلة لطفولة المُفجّر الانتحاري رواد عابد (تريفور كوب).

رواد عابد، الانتحاري العراقي الأقل حظاً، حياته كلها حرب وموت، تبدأ من لحظة ولادته عندما قتل والده. وسجنه مرتين: الأولى لشتم نظام صدام حسين في مقهى، وبتهمة التظاهر ضد الاحتلال الأميركي في المرة الثانية.


في مرحلة ما بعد سجنه للمرة الثانية، تغير رواد. هذه القصة لم يروها هو، بل روتها عائلته. يدرك الجمهور التحول غير المرئي للشاب الذي حاول في عمر الثماني سنوات تخفيف الخوف من الضربات الجوية على عائلته.. فلما كبر، لماذا تحوّل إلى قاتل متطرف، بينما لم يتحول الآخرون؟

في مفارقات درامية وضاحكة، نسج بو مطر عرضه، وحاكى بها القاتل والمقتول والتاريخ والهوية بينهما، طارحاً الأسئلة الإنسانية بين حلمَي شابّين عربيَين، الأول يحمل الرسالة الفنية ويحاول نشر ملامح هويته في شاشات العالم، وحلم الشاب الآخر الذي وجد في التفجير الوسيلة الوحيدة لإعلان معتقداته أو الدفاع عنها. مفارقات بين شابَّين وحياتَين وما بينهما من تضاد بين الحياة والموت، بين مشهدي العرس الأبيض والموت الأسود، استخدم فيهما بو مطر الصوتيات والأداء الجسدي والحركي والتقطيع السينمائي في صور شاعرية مكثفة تنتهي زمنياً بالثواني الـ15 الأخيرة من المقتلة، ليتساءل: ماذا فكّر مصطفى العقاد؟ وماذا فكّر الانتحاري؟ وكيف مر شريط ذاكرتهما للمرة الأخيرة؟


تمارين الطاعة
أما في عرض "أرنب أحمر، أرنب أبيض"، فثمة ما يشبه اللعب الذي يدعونا إليه الكاتب المسرحي الإيراني، للدخول ومشاركة الممثل فؤاد يمين في اكتشاف نص موجود في ظرف مختوم.

لعبة مرحة سرعان ما ننزلق معها للتعرف على الكاتب نسيم سليمانبور، وتفاصيل ملامحه ولون عينيه، ويتساءل بدوره: أين يوجد هذا النص، في أي مدينة؟ وكيف هو شكل الممثل الذي يؤديه، وما تاريخ يوم هذا العرض؟ ويوضح أنه كتب هذا النص منذ أكثر من عشر سنوات في مدينة شيراز. وفيما يكمل الممثل قراءة نص الكاتب، ممارساً سلطته الوحيدة عليه وعلينا كمتفرجين، تارة يستدعي إلى خشبة المسرح أشخاصاً من صفوف الجمهور، بحسب أرقام بطاقاتهم، ليلعبوا لعبة الأرنب الذي يريد دخول السيرك ويخفي أذنيه، وطوراً يسكب "سُمّاً" بين كوبين من الماء على المسرح في حين يطلب منه الجمهور أن يغمض عينيه. هذه الغرابة الضاحكة سيدخلنا بواسطتها الكاتب إلى عالمه الأشبه بالسيرك وبتجارب الأرانب على الطاعة، وبسجنه داخل بلده كونه رفض الخدمة العسكرية الإلزامية، ولأنه، بسبب هذه الرفضن لا يستطيع أن يحصل على جواز سفر. وانطلاقاً من هذا الواقع، قرر أن يرسل نصه إلى مدن العالم لتزور كلماته الأمكنة والبلدان عوضاً عنه، فيما هو لا يعرف ما ينتظره في المستقبل.

التطويع الاجتماعي هو مفهوم آخر يتم تمثيله بشكل رمزي في المسرحية، من خلال خمسة أعضاء من الجمهور، تطوعوا للعمل كأرنب أحمر واحد وأربعة أرانب بِيض، في قفص هيّأه لهم الكاتب المسرحي (رمز السلطة). تسعى الأرانب جاهدة للوصول إلى جزَرة في أعلى السلم، يُسابق الأرنب الأحمر على الجزرة في كل مرة، بينما يغمر الماء المثلج الأرانبَ البِيض الي تهاجم الأرنب الأحمر لأنها تنزعج من البلل، لكن الأخير يستمر في سعيد إلى الجزَرة. ثم تتم إزالة الماء والجزر من القفص، وتحلّ أرانب جديدة محل القديمة، لكن على الرغم من التغييرات، تستمر الأرانب في السلوك نفسه. يسعى الأرنب الأحمر إلى الجزرة الوهمية، فيما الأرانب البِيض تهاجمه. تشير القصة إلى أن المجتمع يتم تدريبه على مواجهة أولئك الذين يظهرون الفردية.



برع فؤلد يمين في تقديم السرد–اللعبة، عبر التفاعل والارتجال ودرامية النص وكوميدياه السوداء، حتى القهر والألم مع ابتسامات ترتسم في الوجوه، وأفعال تتطور بجرأتها فوق الخشبة، مثل سكب السم وتقليد الأرنب والنعامة وسط سيرك مرح. هكذا، تمر عناوين وموضوعات تميل تدريجياً نحو الأعمق والأكثر قتامة، تنقل موضوعات عالمية عن السلطة والقمع وعدم اليقين والضمير الاجتماعي والعزلة والانتحار والموت. يستخدم نسيم سليمانبور صورًا حيوانية مثل الأرنب والنعامة والغراب والدب والفهد، كرموز لشخصيات حقيقية في المجتمع، يمكن مقارنتها بالسيرك، أو تسهل مقارنتها في وصف حالنا بين قرار الانتحار الذي يقترحه الكاتب على الممثل، لينتقل النص الى مؤدٍّ آخر، والانتحار متعدد الأنواع بحسب سليمانبور، ومنها قرار البقاء على قيد الحياة حتى تلاشي أعضاء الجسد وهي تلعب لعبة طاعة اللون الواحد إلى ما لا نهاية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها