الأربعاء 2023/06/07

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

"إن شاء الله ولد" لأمجد الرشيد..بالخلاص يا نساء الأردن!

الأربعاء 2023/06/07
increase حجم الخط decrease
استضاف الأردن إنتاجات هوليوود على مدى عقود. سافرت الأطقم الفنية والتقنية لأفلام "لورنس العرب" و"كثيب"، من بين أعمال أخرى، إلى المملكة الهاشمية. إلا أن صناعة السينما الأردنية نفسها اضطرت إلى الانتظار حتى العام 2023 لتظهر للمرة الأولى في مهرجان "كانّ" السينمائي.

والفيلم الذي وقع عليه الاختيار، "إن شاء الله ولد" باكورة المخرج أمجد الرشيد، والمبرمَج في القسم الموازي من "أسبوع النقاد"؛ يقترح قصّة تليق تماماً وتتحاور مع روح العصر الحالي. في مهرجانٍ تضمّ مسابقته الرسمية رقماً قياسياً من حيث عدد المشاركات النسائية الإخراجية (سبعة أفلام)، يبدو منطقياً اختيار فيلمٍ يتمحور حول قصة أرملة شابّة تحارب نظاماً رجعياً وأبوياً للحصول على حقٍّ من حقوقها الأساسية.

المرأة المعنية هي نوال (منى حوا) وتقضي أيامها في رعاية ابنتها نورا (سيلينا ربابعة) وإدارة المنزل الذي تعيش فيه مع زوجها، وهذا الأخير ينام ذات ليلة ولا يستيقظ مرة أخرى. وكأن ذلك لم يكن كافياً، تبدأ عائلته معركة قانونية للحصول على نصيب من ميراثه، لأن المتوفّى لم يعقّب ابناً يرثه (وفقًا للقانون الأردني، إذا لم يكن للمرأة ابن وتوفّي زوجها، يحقّ لأسرة هذا الأخير الحصول على نصيب من الميراث). وهذه ليست سوى الضربة الأولى من سلسلة من القوانين والأعراف المواتية لصالح الرجال.

السيناريو، الذي كتبه الرشيد بالمشاركة مع دلفين أغوت ورولا ناصر، لا يعطي وقتًا للزوجة المكلومة للحداد والحزن، فهي لا تكتفي بمعرفة أشياء عن زوجها لم تكن تعرفها قبلاً، بل تُجرّ إلى المحكمة من قبل صهرها رفقي (هيثم عُمري). تجد نوال نفسها بمواجهة أقارب/غرباء طامعين في مقاسمتها منزلها المتواضع، هي التي تعمل كمقدّمة رعاية في الجانب الآخر من المدينة، ومن ثمّ يتحوّل الفيلم إلى بناء سردية تشويقية لأحداثه. كيف؟ عبر تظاهر نوال بالحمل، ما يعطيها 9 أشهر تناور فيها لحلّ مشاكلها المتعددة (ومن هنا يأتي عنوان الفيلم).


يقول الرشيد إنه استمد قصّة فيلمه من قريبة مرّت بتجربة مشابهة، كما تحدّث إلى العديد من النساء الأردنيات، فوجد قاسماً مشتركاً يربط بين مخاوفهن. "كلّهن شعرن أنهن الحلقة الأضعف وأن القانون، في النهاية، لا يدعمهن ولا يقف إلى جوارهن"، يقول المخرج الذي أراد إنجاز هذا الفيلم "لحثّ الناس على إعادة التفكير في ما تمّ تطبيعه لسنوات عديدة".

كما الحال في الفيلم الإيراني "انفصال" (2011، أصغر فارهادي) أو الهندي "محكمة" (2014، شيتانيا تامهان)، يُصرف جزء معتبر من الفيلم الأردني أمام الموظّفين والمحامين الذين يطرحون أسئلة وحُججاً تميل إلى أخذ صفّ أقارب الزوج المتوفّى. خارج هذه المساحات المغلقة والجافة، يسجّل الرشيد محاولات نوال للمضي قدماً، ليس عاطفياً فحسب، إنما اقتصادياً أيضًا، من أجل بناء مستقبل. أجواءٌ وحكاية ستذكّر المتفرّجين العرب حتماً بما شاهدوه في رمضان الماضي في المسلسل المصري "تحت الوصاية"، ورحلة بطلته لافتكاك حق الولاية على ميراث زوجها المتوفّى.

ما يبدأ كقصّة امرأة شابة مغلوبة على أمرها، يتخلّلها تصميم على القتال من أجل ابنتها ومن أجل نفسها، يفضي في نهايته إلى لحظة تحرير وانعتاق (تكاد تكون صوفية) تجلب رياح الأمل في ختام ساعتين من الألم الدرامي. دقيقة بعد دقيقة، يحافظ السيناريو على بساطته وعاطفيته (وبعض المباشرة أحياناً)، لكنه فعّال في إشراك المتفرّج الذي يجد نفسه متورّطاً في مأساة تختصر كثيرة غيرها بطلاتها نساء يجدن أنفسهن تحت مطارق عديدة.

بعيداً من كونه أحد تلك الأفلام الحاملة أجندة واضحة تتمحور حولها بقية الحبكة والقصّة، إلا أن "إن شاء الله ولد" يظلّ فيلماً جيداً. والسبب في ذلك تمسّكه الذي يُحسب له بألا يستسهل في صياغة خطابه أو ينزل إلى فخاخ الانتهازية المفرطة، بل يبقى في مسارٍ محسوب من الانضباط الدرامي، متجنباً الرموز السهلة والانزلاق إلى الإدلاء ببيانٍ زاعق. بهذا المعنى يستوي الفيلم في الأخير سجلاً دقيقاً و"نسوياً"، إذا أردنا، لمعركة صامتة تكاد لا تُرى ويتشابه فيها الضحايا دائماً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها