الإثنين 2023/06/05

آخر تحديث: 13:29 (بيروت)

يولاند نوفل في معرضها الاستعادي...نوستالجيا الصفاء والفرح

الإثنين 2023/06/05
increase حجم الخط decrease
في نهاية شهر كانون الثاني المنصرم، نعى رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسّام بدران، وعميد كلية التربية البروفسور خليل الجمّال، الباحثة والفنانة التشكيلية يولاند إميل نوفل، قائلَين في بيان: "لقد خسرنا برحيلها شخصية أكاديمية وفنية من الطراز الرفيع.. فقد تركت الراحلة بصمات مميزة في قسم علم النفس، وفي مجالي الطب النفسي العيادي والفن التشكيلي".
 
والمعرض المقام في غاليري ChaosArt (شارع سرسق - بيروت)، تحت عنوان "من عالم آخر"، هو ذو طابع استعادي تقرر تنظيمه كتحية للفنانة الراحلة بعد أشهر من غيابها، ويضم أعمالاً تغطي جزءاً وافراً من نتاجها، الذي تمحور في معظمه، أو ربما كلّه، حول ما يُسمّى الفن الفطري(naïf). هذا النهج كانت سارت عليه الفنانة، استناداً إلى الإتجاه الفني الذي ظهر منذ مئة عام، والذي عُرف أنصاره بنتاجهم الفنّي المشبع بالتفاصيل، وباستخدامهم ألواناً زاهية ومشبعة وحتى صافية، بدلاً من المزيج المعقّد، إضافة إلى إهمال المنظور، أو الأخذ به جزئياً، مما يخلق الوهم بأن الأشياء معلّقة في الفضاء، أو سابحة ضمن مساحة اللوحة. 


تعكس أعمال يولاند نوفل وجهاً من وجوه شخصيتها الحقيقية، التي قامت على البساطة، والابتعاد من التعقيد، والحساسية الواضحة، وهي التي عملت في مجال الطب النفسي العيادي، وكانت بذلت الكثير من الجهود على المستوى التربوي، من خلال امتلاكها خبرة وافية في علوم التربية وبرامجها، وكانت من أبرز مؤسسي "الجمعية اللبنانية للتربية الفنية".

على هذا الأساس، يمكن القول إن الكثير من أعمال الفنانة تطغى عليه النزعة البيداغوجية التوجيهية، ولو على نحو نسبي. لكن الفن الفطري، وكما نرى بعض تجلياته في أعمال نوفل، يُعتبر حركة غير أكاديمية وليس له تعريفه الخاص، كما هو شأن التيارات الفنية الأخرى، علماً أن كثراً ممن ساروا في هذا التيار لم يتابعوا دراسات في مجال التشكيل، أو تخصصات أكاديمية، بل علّموا أنفسهم بأنفسهم. إلى ذلك، فإن الفن الفطري يتميز، غالباً، بالتمثيل المجازي للموضوعات الشعبية: المناظر الطبيعية الريفية، والأزياء الشعبية، والحيوانات الأليفة أو البرية.

ومن وجهة نظر محض فنية، يتميز هذا الفن بعدم الاحترام - الطوعي أحياناً - للقواعد الثلاث للمنظور الغربي على النحو المحدد منذ عصر النهضة من قبل ليوناردو دافنشي وسواه، والتي تتلخص في تقليل حجم الأشياء بما يتناسب مع المسافة وبهتان الألوان مع المسافة، وانخفاض حدة التفاصيل مع المسافة أيضاً. أمّا من الناحية التاريخية، فإن المعرض الأول لهذا النوع من الفن كان نظّمه ويلهلم أود في باريس، العام 1928، وشارك فيه خمسة فنانين هم: هنري روسّو، لويس فيفين، سيرافين دي سينليس، أندريه بوشان وكميل بومبوا.

وكما نلاحظ من خلال معاينة أعمال الفنانة، فإن مسألة الرسم التحضيري، أو الأكاديمي، لا يكتسب أهمية أساسية، لكن نوفل لم تجد صعوبة أو عائقاً في إيصال الفكرة من خلال الأشكال المبسّطة، التي لا نجد صعوبة في التعرّف على مضامينها ومدلولاتها، وهي العاكسة لعناصر الطبيعة، بأشجارها ونباتاتها، والشخصيات الإنسانية، والحيوانات. إضافة إلى جُملة من الرموز والإشارات التي تحضر في العمل ونتلمس من خلالها مواصفات الأمكنة، والمناسبات على أنواعها، ويترافق ذلك كلّه مع المكانة التي تفردها لعالم الأحلام والفانتازيا.



وهذا العالم، الذي تتوخى نوفل تقديمه لنا، لا يخلو من نوستالجيا عميقة، تتمثل أحياناً في اللجوء إلى عناصر تراثية، كما في العمارات التقليدية على سبيل المثال، والشعور بالحنين إلى ماضٍ صار ذكرياته تغمرنا جميعاً في هذا الوقت، إثر اصطدامنا بآفات الزمن الحاضر ومشكلاته. 
أما من الناحية التقنية، وإذ تعمد نوفل إلى بناء لوحة ذات منظور مسطّح، تحاول أن تتجنب إضفاء شوائب زائدة على العمل، متوخية الصفاء والفرح اللذين يشي بهما تنميق لوني لا يخلو من تعاكُس مقصود ومشاكسة واضحة، وكأنه يستحضر أحلاماً طفولية تتجاوز المعايير والمقاييس التي يقوم عليها الفن الصارم. نتيجة لذلك يصبح الزخم النفسي والمساحات البصرية الملوّنة عوامل أساسية، ترمي الفنانة من خلالها إلى خلق عوالم بعضها أقرب إلى الواقع، وبعضها الآخر طفولي ومتخيّل، وهو عالم لا بؤس فيه ولا فقر، وخال من التعقيدات النفسية، ومن التجارب البشرية الحادة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها