الأحد 2023/05/07

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

شبح الأميرة ديانا الذي لا يغيب

الأحد 2023/05/07
increase حجم الخط decrease
لا أدري ما الذي دفعني في مرحلة من المراحل، لأكون متابعاً ساذجاً لأخبار ديانا (سبنسر)، أميرة ويلز وقصصها وغرامياتها ومطاردتها من الصحافيين المرتزقة والمصورين المتلصصين على حياتها، مناصراً لها في السراء والضراء، وكارها زوجها الأمير تشارلز وعائلته، والدته الملكة اليزابيت الثانية تحديداً وحاشية القصر الملكي... 
 
ديانا أو "أميرة الشعب" كما لقبت، و"أكثر سيدة يلتقط لها صور فوتوغرافية في العالم"، التي تزوجت تشارلز في تموز 1981. غير أن ارتباطهما لم يدُم طويلاً، وتابعت الصحافة البريطانية أخبار الفضائح التي تخللت زواجهما الذي انتهى بالطلاق عام 1996... وبازاء هذا المسلسل الميديائي الدراماتيكي، من دون مقدمات كنا نضع أنا وغيري من الشبان، تشارلز في خانة الشرّ والجشع و"الامبريالي" سليل بريطانيا الاستعمارية، أما ديانا الحسناء فتأتي محاطة بهالة "الملكوت"، كأنها وحدها نصيرة الفقراء والمعوزين وداعمة الجمعيات الخيرية وشافية المرضى واكسيرة القلوب، ربما هي "غيفارا" من نوع آخر...

(الطلاق)
وغداة مقتلها أو مصرعها (أو اغتيالها كما كنا نتوهم أو نحلّل) في حادث مروع مع صديقها أو عشيقها المصري الاصل، دودي الفايد في نفق جسر ألما في 30 آب 1997، تابعت كل ما أحيط بقصتها من سيناريوهات وأفكار وتخيّلات نسجتها الصحف والأقلام والأفلام الوثائقية و"المؤامرات" والخزعبلات...

لم أتردّد في اقتناء مجلات أجنبية تتضمّن صورها الكثيرة، في كل مرحلة من مراحل حياتها، وأنظر بحزن إلى رحيلها، ويحاول بعض الشبان سرقة المجلات مني، على الرغم من انتماءاتهم الايديولوجية النقيضة لثقافة ديانا وظاهرتها... ربما في اللاوعي، كانت ديانا المعشوقة المستحيلة وفتاة الأحلام المنشودة...

في الواقع لم تكن ديانا أكثر من رواية شبيهة بقصص الأدباء أو حكاية من حكايات القرن العشرين، اخترقت قصر باكغنهام الملكي، وساهمت وسائل الميديا وكاميرات الباباراتزي في صناعتها وأسطرتها وأيقنتها، وشاركت وسائل الميديا نفسها في مقتلها، أو التسبب بموتها، عن قصد أو عن غير قصد، وما يسمى "القدر" أخذ أسطورتها التراجيدية المأسوية في هذا الاتجاه، ليزيد من حضورها، ويزيد الألغاز حولها... هي التي كانت في عين الملكة البريطانية مستهترة، ولا تعرف البروتوكولات، ولا تعرف قيمة القصر الذي دخلته وحصلت على لقب أميرة فيه.

أما الشعب أو جمهور الميديا(وهو جمهور عريض قبل زمن الفسبكة والتوترة)، ولسذاجة ما، كان يرى أن ديانا "أميرة القلوب" تمثله داخل القصر الملكي أو تعبّر عنه في مسلسل العائلة المالكة. عدا ذلك، تخطّت قضية ديانا المشكلة البروتوكولية العادية إلى العلاقة الزوجية، هناك الكثير من الأقاويل والتفاصيل عن خيانات متبادلة هي وتشارلز... مع التأكيد على أن جمال ديانا وأناقتها بالنسبة إلينا، كانا جزءاً اساسياً من طغيان حضورها... جعلاها معفية من آثامها وارتكاباتها. وفي هذا السياق، يقول الكاتب الايطالي أمبرتو إيكو "إن عبارة "جميل" ــ ومعها "رشيق" و"وسيم"، أو "مهيب"، "رائع"، "فاتن"، وتعبيرات أخرى مشابهة ــ كلها نعوت نستخدمها في الغالب إشارة إلى ما يروق لنا. وبهذا المعنى، يبدو الشيء الجميل مساوياً للشيء الجيد، والحق أن ثمة ارتباطاً وثيقاً قد تشكّل خلال العديد من الأحقاب التاريخية بين الجميل والجيد".


 
(ميغان وهاري)
الغرض من هذا التقديم أنه مع تتويج الامير تشارلز ملكاً... وبعد مرور أكثر من ربع قرن على وفاة ديانا، يبدو أن كثيرين ما زالوا ينظرون إليها، النظرة نفسها التي كنت أنظرها مع أخرين في مطلع شبابي... فكثر نشروا صورها وكتبوا "الملكة الحقيقية"... وكثر سخروا من صورة كاميلا العجوز، فقط لأنها لا تملك مواصفات ديانا الجمالية.

صورة ديانا الجميلة التي كانت سلطة علينا وماتت في عز شبابها لا تزال في الوجدان... بينما صورة كاميلا التي لا تمتلك حكاية ولا اسطورة، غير مرحب بها، أو لا تتلاءم من سلطة الميديا وفاشيتها وجمهورها...

وما تغير في هذه الأيام، أنّ صحافة الباباراتزي سقطتْ أو اضمحلتْ أو تحولتْ، في زمن طوفان الهواتف الذكية وكاميرات المراقبة لكن الحكايات لا تنتهي، فلا تزال الاقلام مشغولة برسائل ديانا من هنا أو أقوال طبيبها من هناك، أو اعترفات شاهد عيان من هنالك. مع التأكيد على أنّ الأمير هاري وزوجته الممثلة ميغان ماركل، يعيشان فصلاً آخر من فصول الأميرة الراحلة، فهما متمرّدان على التقاليد البروتوكولية الملكية و"منشقان" عنها، إذ شاركا في حلقة تلفزيونية مقابل ملايين الدولارات، ومن وقت إلى آخر، يصنعان حكاية لا تختلف كثيراً عن عالم الباباراتزي، فحين يصدر هاري كتاباً يبيع أكثر من مليون نسخة في أيام قليلة...
 أما الأمير وليم فيعيش في ثبات القصر الملكي الذي يضجّ بالخيانات المسليّة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها