الأربعاء 2023/05/31

آخر تحديث: 11:40 (بيروت)

في عيدها العاشر..."ذاكرة إبداعية للثورة السورية":موقع جديد ورؤية أوسع

الأربعاء 2023/05/31
في عيدها العاشر..."ذاكرة إبداعية للثورة السورية":موقع جديد ورؤية أوسع
سنا يازجي لـ"المدن": بعد عشر سنوات من هذا العمل المركّز..نعتبر أنفسنا منتجي معرفة، وحامِين لحق المعرفة"
increase حجم الخط decrease
يحتفل مشروع "ذاكرة إبداعية للثورة السورية" بمناسبة عشر سنوات على ولادته، وذلك بتجديد موقعه الإلكتروني شكلاً ومضموناً، وتوسيع رؤيته ومهمته اللتين راكم فيهما فريق العمل خبرات وتجارب وخُلاصات. الأرشيف كبير ومستمر في النمو. سوريون من مختلف المشارب والانتماءات، عبّروا وسردوا قصصهم الغنية وآمالهم ومخاوفهم ومعاناتهم، بأدوات مختلف ميادين التعبير البصري. ومعهم تعددت الإجابات على أسئلة سابقة، وولدت أسئلة جديدة، تماماً كما يفترض بالفنون أن تفعل.

وجاء في بيان أصدرته "ذاكرة إبداعية" يوم عيدها العاشر، أن في أرشيفها "ما يقارب الـ13 ألف مادة (ما مجموعه 37,800 وثيقة في ثلاث لغات)، ضمن 24 صنفاً، وأكثر من 3,200 صاحب عمل يتوزعون بين فنانين، كتّاب، مبادرات جماعية أو فردية، ناشطات وناشطين... منهم مجهولون أو تحت أسماء مستعارة". وبحسب البيان: "ولد مشروع ذاكرة إبداعيّة، في لبنان، وزار في عشر سنين مدناً عديدة، في أوروبا وأميركا والمكسيك وتركيا ودولاً عربية، وصولاً إلى كوريا الجنوبية. تعاون مع فنانات وفنانين، مبدعات ومبدعين، ومؤسسات ثقافية وإعلامية، وشارك بمعارض في معظم مهرجانات فرنسا الثقافية والفنية، حيث تم في إحداها تنظيم زيارات مدرسية للمعرض على مدار شهر"، لافتاً إلى أنه "يستفيد من ذاكرة إبداعيّة، الكثير من الباحثين والصحفيين والفنانين والمؤرخين والنقاد والطلاب والمشتغلين على قضايا الذاكرة والأرشيف، والذي يمكن تصفحه بلغات ثلاث، العربية والإنكليزية والفرنسية، ومن خلال مشاريع جديدة تضاف كل مدة، مثل: الخريطة، وحيطان إدلب، والتسلسل الزمني، ودليل أصحاب الأعمال، وكتاب قصة مكان، وصولاً إلى أحدثها: معتقلون ومغيبون، كلّها مستقاة من الأرشيف الذي يتم بناؤه والإضافة عليه بصورة دائمة".

وفي مقابلة مطوّلة أجرتها "المدن" سابقاً مع المصممة الغرافيكية السورية، سنا يازجي، التي انطلقت بـ"ذاكرة إبداعية" قبل عقد من الزمن، قالت يازجي: "صحيح أن المشهد ملبّد، لكني أعتقد أننا، وكغيرنا من مئات المبادرات والمشاريع والإنتاجات السورية الصلبة والدؤوبة، في مجالات عديدة، استطعنا، كالنجوم خلف الغيوم – وبالإذن من ميخائيل نعيمة – خرق الرواية السائدة والحفاظ على مستوى من الحضور، قطَعَ الطريق على أحادية السردية وهيمنتها على أكثر من مستوى". والمناسبة اليوم تغري باستكمال الحوار بأسئلة جديدة، تأملات في ما أُنجز، واستشراف لما هو آت:

- بمناسبة مرور عشر سنوات على انطلاقة مشروع "ذاكرة إبداعية للثورة السورية"، يبدو فريق العمل منهمكاً بضخ دم جديد في أوردته: موقع إلكتروني جديد، وربما توسّع عملي وتطبيقي في الرؤية، بما يخدم أهدافاً جديدة أو قديمة متوسعة... أخبرينا أولاً عن الموقع الالكتروني، ما الجديد المتوقّع فيه؟ وكيف سيصبّ في أخذ المشروع الأصلي إلى آفاق أكثر إثارة للاهتمام، وجدوى؟

* أود أن ألفت النظر الى أننا، ومنذ ما يقارب الخمس سنوات، غيرنا "قليلاً" في إسمنا، وهذا "القليل" يحمل "الكثير" من المعنى ويغير كليّاً في المفهوم. "ال" التعريف التي لازمتنا لسنوات، "الذاكرة الإبداعية"، أصبحت همّاً وهاجساً ومسؤولية. وهذا التغيير لم يأت من فكرة تخطر في البال، إنما من عمل مضنٍ وتفكير مليّ على مدار السنوات، تفكير مستمر وواجب، ومعرفة نكتسبها ونراكمها يومياً، ماذا وكيف نعمل؟ من أجل من؟ ولماذا؟ لذلك أصبح اسمنا "ذاكرة إبداعية"، دفعاً لادّعاء تملّك "الذاكرة"، أيّ ذاكرةٍ كانتْ. كما أنها ذاكرةٌ بالمفرد، دفعاً باتجاه العمل والمساهمة في بناء تعدديةِ ذواكرَ/ذاكراتٍ وسردياتٍ، حرة ومستقلة. هنا نقف اليوم.

تجديد وتطوير موقعنا الإلكتروني، الحامل الأساس للمشروع، يتضمن تطويراً تقنياً وتصميماً فنيّاً عصريّاً يحاور حاجات وضرورات التجول الافتراضي لأرشيف افتراضي كثيف ومنوّع. تطويره هذا سيسمح باحتضان أوسع للإنتاج الإبداعي، كما أننا نطمح إلى فتح نافذة على ذاكرة الماضي، ليكتمل فهم ما نحن عليه. أطلقناه بمناسبة العيد العاشر لـ"ذاكرة إبداعية"، في 30 أيار 2023. وهنا الاحتفاء هو بالعمل والمعنى والمعرفة.

نشدد على "المعنى" للإجابة عن الجدوى، لأننا إن لم نلتقط معنى ما نقوم به، عندها تكون خسارتنا محتمة. هذه الذاكرة إثبات للوجود ودفاع عن النفس. ذاكرة ضد الإنكار وليست ضد النسيان، لأن النسيان حق من حقوق الإنسان. إنما التصدي للإنكار فهو المعركة. "الذاكرة، أرض معركة" هكذا وصفها الباحث والناشر لقمان سليم، الذي، وفي أحد لقاءاته، توجه إلينا كسوريين بالقول: لا تقبلوا بعفى الله عما سبق! لا تكرروا ما فعله اللبنانيون، إن العفو لا يمحو الذاكرة".


(أماني العلي، رسامة الكاريكاتير الوحيدة في إدلب)
 
- هل ما زالت هناك ثورة في رأيك؟ أم باتت تسميات مثل الحرب والصراع والنزاع...أكثر تعبيراً؟ وكيف تؤثر التسميات في عملكم؟

* "ذاكرة إبداعية" لا تخفي هويتها، إنها ذاكرة الثورة وكل ما تلاها. الثورة كحدث وفعل مؤسِّس، وما تبعها من تحولات. الثورة ليست فكرة! الحرب والصراع والتطرف.. كلها نتائج يجب أن نضعها في سياقاتها حتى نفهم جيداً، نحن قبل غيرنا. وعليه مثلاً، بَنينا في مشروعنا الخامس، "التسلسل الزمني"، من 395 حدثاً مفتاحياً، ما يمكّننا من تتبع مسار الثورة وما وصلت اليه خلال سنوات طويلة. هذا المشروع آتى كرَدٍّ على اختزال سوريا والسوريين في معادلة نظام أو إرهاب. أتى ليشرح، من دون غض النظر عن كل ما حدث، بما فيه ما هو متناقض. أتى ليقطع الطريق على جُملة "لم نكن نعلم".

اليوم لسنا في ثورة، خسرنا معركة تغيير النظام عن طريق الثورة في 2011. لكن تحرُّر الكلام قد حصل، انفتاح المجال العام قد حدَث، انقلاب الإنسان والمكان رأساً على عقب قد حصل، انتشار ثقافة الاحتجاج العلني في جميع أنحاء سوريا ضد النظام وضد كل سلطات الأمر الواقع قد حصل، التفكير والانخراط في السياسة والعمل السياسي على نطاق واسع، رغم فشل التمثيل السياسي المعارض حتى اللحظة، قد حصل، وهذا كله ليس تفصيلاً. نرى مثلاً، ومنذ 2019 في محافظة السويداء، عودة التظاهرات في كرّ وفرّ، والمواجهات، والعودة للمطالبة بإسقاط هذا النظام. هذا ليس عابراً، بل ظاهرة تستحق التأمل والاعتبار. وفي الوقت نفسه، فإن ذاكرة ما يحدث في السويداء اليوم، ليست نفسها ذاكرة 2011، إنما هي استمرار لها وبناء عليها وعلى ما حدث من بعدها... وحتى من قبلها. نحن اليوم في عمل مستمر وواعٍ، في نضال سياسي، بما فيه الثقافي والاجتماعي والفني، من أجل التغيير، نضال كان وما زال.

- هل من تغييرات/تطويرات سيأخذها على عاتقه فريق العمل في مقاربة الأرشيف الإبداعي السوري، سواء منذ انطلاقة الثورة العام 2011، أو حتى ما قبل ذلك؟ ولماذا؟

* نعم، وكما ألمحت سالفاً، نأمل بأن نستوعب كمية أكبر من الإنتاج الإبداعي وأن نفتح باب استقبال الإنتاج من قبل منتجيه. حتى اللحظة، الغالبية العظمى مما أرشفناه ونؤرشفه، جُمع من قبل فريق العمل. ولقد تمت بالفعل إضافة نافذة جديدة، وهي نافذة "مجموعات collections-" بحيث يتم التعامل معها ونشرها بطريقة مختلفة ومتفق عليها مسبقاً مع أصحاب الاعمال. باكورة هذه المجموعات، هي ما اشتغل واستطاع جمعه الباحث إيلاف بدر الدين من أغاني الثورة جمعيهان والعائدة إلى مرحلة 2011-2012 في كتاب سيصدر قريباً باللغة الانكليزية بعنوان: Translating the Language of the Syrian Revolution (2011/12).

نريد أيضاً النظر إلى الخلف، لاستعادة الماضي، لفهم الحاضر وفتح المخيلة نحو تصوّر المستقبل. يعني تقنياً أن نفتح على التاريخ قبل 2011، لكن بشكل مدروس ومحدد، لأننا لا يمكن أن نؤرشف كل شيء، هذا وَهمٌ كما تعلّمنا من عملنا. لا بد أن نحدد مسبقاً أي حدث/ذاكرة نريد ليكون العمل مُجدياً. مثلاً أعطانا الفنان بشار العيسى مجموعة مهمة من أعماله عن مذبحة حماه(1982) وسجن تدمر(1980)، هذه أيضاً خطوة كبيرة.


(تدمر 1980 - للفنان بشار العيسى)

- لا بد أن مسيرة عشر سنوات، أضافت إليكم الكثير، من ناحية الخبرة التقنية والإدارية في مجال أرشفة صنوف مختلفة من الإبداع، وكذلك من ناحية العلاقة مع المحتوى الإبداعي نفسه وفنانيه... كيف تصفين ما اكتسبتموه كفريق عمل خلال هذه الفترة؟

* معرفة هائلة، وهنا أؤكد، على الأقل بالنسبة لي ولنا كفريق عمل، على أنه لو تقم الثورة لما كنا انغمسنا في غمار تجارب لم نكن يوماً نتصور خوضها. اكتشفنا أنفسنا، واكتشفنا بعضنا البعض. اكتشفنا ما نختزن من طاقات ومن أمراض! أسئلة كثيرة ظهرت لنا من عملنا، ليس أولها: كم مِن ذاكرة لنا؟ ولا آخرها سؤال الهوية الوطنية، وهل حقاً كانت لنا هوية وطنية؟

المعرفة والفهم مفتاح كل شيء. عندما نعرف ونفهم من دون قهر، نكون قادرين على إنتاج المعرفة، ويصبح كل منا مساهماً ومشاركاً ومسؤولاً. وعليه أقول أن اليأس والإحباط، في بعض الحالات، رفاهية ومسوغ لمن لا يريد أن يفعل شيئاً وهو قادر.. تماماً كما الاستتباب لدور الضحية. لاحظي الفرق الكبير بين مفردتَي "ضحايا" و"ناجون"، وما يستتبع ذلك من فعل أو من عدمه. اختار سوريون كثر مفردة "ناجون". ونرى اليوم الدور الكبير الذي يؤديه الناجون من مقتلة النظام، خارج سوريا تحديداً، من دون أن أُبخس بشيء من جهود من يقاومون بحق وبصمت داخل سوريا. نحن نفكر بنا جميعاً.

الأرشيف عمل شاق، وبعد عشر سنوات من هذا العمل المركّز، والتأهيل من قبل خبراء ومشاركات مهمة، نعتبر أنفسنا منتجي معرفة، وحامِين لحق المعرفة. ما زال ينقصنا الكثير من النقد البنّاء، في المجالات كافة، الفن والثقافة وغيرها. ما زلنا، إلى حد ما، وعند السؤال النقدي، نقع في ثقافة "كتّر خيره". هذه عثرة أمام التطور والنضوج.


("آخر الليل نهار" لعبد الحميد سليمان)

- خلال تجربة عشر سنوات، أي التحديات كان الأصعب؟ وأي إنجاز هو الأعز على قلوب فريق العمل؟

* التحدي الأصعب هو من عنوانَين عريضَين: التحدي النفسي. هناك معاناة كبيرة جداً في الاشتغال على الذاكرة، التذكّر قرار صعب ومرهق. النسيان هبة، أليس كذلك؟ لم يكن بإمكاننا الاستمرار في عملنا هذا، لو لم نخضع لمتابعة نفسية متخصصة على مدى سنوات. صرنا بعدها نعرف كيف نحمي أنفسنا بقدر معقول. لكن المعاناة يومية. أذكر أني قلت للمحللة النفسية مرة: "ما عاد فيني، بدي وقف، بدي نام"، فقالت: "لا كفّي، أنا رح ساعدك تكفّي، لأن ما تقومون به ليس مِلكاً لكم، إنه مِلك السوريين".

أما التحدي الثاني، فهو تحديد ما نريد أن نقوم به بالضبط، المعيار: ماذا وكيف ولماذا نختار؟ احترام الملكية الفكرية، شروط وقوانين الأرشفة الإفتراضية. هذه كلها تطورت مع الوقت وتوضّحت وتبلورت. ولولاها لوقعنا في فخ الارتجال والعمل بالنوايا الحسنة والإبحار من دون وجهة محددة. نعرف ما نفعل، وهذا إنجاز فخورون به. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها