السبت 2023/05/27

آخر تحديث: 13:37 (بيروت)

"بلا كرافات" مع كريم مروة: خيانات الذاكرة الانتقائية

السبت 2023/05/27
increase حجم الخط decrease
أطلق الإعلامي جوزيف عيساوي قناته الخاصة في "يوتيوب" تحت عنوان "بلا كرافات"، وهو اسم برنامجه الأول في التسعينيات من إخراج ديمتري خضر. ومعه انتقل العيساوي من المكتوب إلى المرئي، باحثاً عن لغة خاصة في الإعداد والحوار وتسليط الضوء عن المسكوت عنه في ثقافتنا المحلية والعربية لاحقاً مع برامجه الفضائية.

في التعريف بقناته الخاصة، يتابع العيساوي ما بدأه بكشف المهمل، كما يذكر، بحثاً عن "ناس من دهب" وهو البرنامج الذي بث عبر شاشة "تلفزيون لبنان" في التسعينيات أيضاً، وأوقف ومُنع بعد عرض مواضيع اعتبرت من المحرّمات آنذاك.

في حلقته التجريبية الأولى، لقاء مع السياسي والكاتب كريم مروة ضمن سلسة "يا عمري" في القناة نفسها، للحديث عن صفحات من حياته، لا سيما مساهمته في الجانب الثقافي منها، وردّ فيها على أسئلة العيساوي بشكل عفوي وشخصي جداً، خصوصاً ما سمّي بالأغنية السياسية ودوره ودور حزبه والأحزاب الأخرى في دعمها. 

أغنيتي الجميلة
كريم مروة، الرجل التسعيني المتأرجح بين الشخصي والعام، وبين الذاكرة الفردية وتقاطعها أو تمايزها عن الذاكرة الجماعية، وتحديداً الثقافية منها وما تعني وتحفر في ذاكرة الناس وتوثيق مراحل وسنوات من عمرها في فترة الحرب الأهلية والتي لا نزال نعيش تردداتها على مختلف الصعد. كلامه أخذني إلى فيلم "أغنيتي الجميلة"، من إخراج زويا عوكي، وفيه جمعت الخاص بالعام وتحدّثت عن مراحل طفولتها وتأثرها بالأغنية التي كانت تسمعها في المنزل ولاحقاً شاركت فيها مغنيةً ومهندسة صوت.

في الفيلم، شهادات من زياد الرحباني ومارسيل خليفة وأحمد قعبور وخالد الهبر والكاتب عبيدو باشا، إضافة إلى شهادة من كريم مروة يذكر فيها "ان الاغنية السياسية انطلقت العام 1974 حين قرر وحزبه إقامة الاحتفالات واستقبال المغنين الخ...)". في الواقع، الأغنية الجديدة الذي كان تحث جيلاً من الفنانين، لم تكن إلا بتأثير ما يدور من تجارب، لا سيما منها الفرنسية في الستينيات، وكانت تبحث عن مشاريع موسيقية بديلة ولم تأت بقرار حزبي أو مناسبة تاريخية. بول مطر الذي بدأ الغناء بداية السبعينيات. مارسيل خليفة وأغانيه الأولى في بلدته عمشيت بعد تخرجه من الكونسرفاتوار الوطني. زياد الرحباني الذي انضم إلى عصام الحاج علي وتوفيق فروخ في تلحين قصيدة بدر الشاكر السياب. الكورس الشعبي وغازي مكداشي، خالد الهبر... هذه التجارب تقاطعت مع مشاريع وطنية وحزبية وأحلام تغييرية، من دون أن تكون منضوية تحتها أو حتى منتسبة إليها، وربما ساهمت جماهيرية الأحزاب في انتشارها...

قدمت هذه الأغنية ما قدمته على المستوى الثقافي والانمائي والدعم المالي من ريع حفلات، كما ساهمت في بناء مشاريع إنمائية وصحية (مثل جولات مارسيل خليفة في الولايات المتحدة الأميركية التي موّلت مستشفى النجدة الشعبية في النبطية). اين هي الأغاني اليوم، والأعمال المطورة للكلمة الشعرية واللحن والتدوين المنهجي الأكاديمي؟ ما زالت مستمرة، وبعد عقود من الزمن، في الموسيقى المحلية والعربية وأغاني الأطفال، ولم تتوقف أو تتعثر مع فشل الحياة الحزبية في لبنان بيسارها ويمينها.


"سكروا عالموضوع"
بالعودة إلى اختصار المرحلة التاريخية بالشخص أو الشخصاني من نوع:
"اتصل به ولا يردّ ويتبغدد"
"اتصلت بي فيروز وأعطيتها منحة جامعية لابنتها"
"جاءني زياد الرحباني ليطلب مالاً لدعم مشروع إقامة مسرح في بيروت وزعل لأننا طفرانين"
"جمعت زياد الرحباني بالشيخ إمام ولم يتفقا على مشروع مشترك"...

لا يسع المرء، فيما يسمع تلك العبارات خلال اللقاء مع مروة، إلا أن يفكر في استحالة توثيق الذاكرة الجماعية بالأنا الفردية، إلا بتواضعها وتسامحها مع كل ما أحيط أو يحاط بها، وحتى مع أعدائها أو مَن كانوا أعداءها.


(الشيخ إمام عيسى يغني في منزل فيروز بحضور زياد الرحباني وكريم مروة)

في عملها البحثي–الأدائي، "إذا أردت السلام"، الذي قدمته مؤخراً في بيروت بالتعاون مع الأقارب وشهادات الأهل، تعود لارا مروة إلى يوم اغتيال جدّها المفكر حسين مروة، وتروي سنوات طفولتها التي عاشتها في منزله بعد اغتياله، لتكتشف اثناء تصوير البحث أن رصاصة الاغتيال ما زالت عالقة في الجدار خلف السرير. في عملها الذي سعى إلى معرفة حقيقة تبلسم ذاكرة العائلة وتوصلها لعدالة الحقيقة، ولو بعد حين، لقاء مع أحد النافذين في الحزب الشيوعي تحدث فيه عن ضغوط تعرضوا لها حتى تتوقف حملات الاغتيالات التي استهدفت قادة الحزب في تلك الحقبة، وانتهت إلى فرض أمر واقع على مدينة بيروت. وينتهي العرض بإقفال الشاشة على جملة "سكروا عالموضوع".

في حديثه الأخير إلى الإعلامي جوزيف عيساوي يبدو أن كريم مروة نسي تسكير الموضوع، وتحدّث عن تلك الحقبة السياسية، مطلقاً البطولات في إحدى معارك بيروت قائلاً: "يومها لم يسقط لنا ولا شهيد". يبدو أن الذاكرة الانتقائية للكاتب، خانته، وما أصعب تلك المرحلة من أعمارنا التي نخاف منها على أنفسنا أو على من نحب. ففي ذلك اليوم المشؤوم، سقط رفيقه ونسيبه المفكر حسين مروة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها