وداعاً تينا تيرنر.. التي هزمت المأساة بالروك أند رول

يستحيل تناول واستقراء سيرة تينا من دون التوقف عند آيك تيرنر، مدير أعمالها وصاحب "الفضل" في صعود نجمها وشريكها في زيجة صارت كابوساً طويلاً ونموذجاً صارخاً للعنف الأسري حتى ضمن مجتمع المشاهير والنجومية. كان آيك (1931 – 2007) من روّاد الروك آند رول وعازف غيتار وقائد فرقة موسيقية ومنتج أسطوانات وصانع مواهب جديد وصاحب قدرة على اكتشافها. وبُعيد اكتشافه تينا، قدمها للجمهور في العام 1960 في أغنية A Fool in Love التي احتلت المركز الثاني في لائحة R&B (ريذم آند بلوز) وكان هذا في حد ذاته سبقاً تاريخياً لأي مغن مبتدئ. والشراكة الفنية بينهما قدمت للعالم كنزاً من أكثر من 80 أغنية تعتبر الأعظم بين أفضل أغاني الموسيقى الغربية.

يكتب بعض المهتمين بسيرة المغنية الراحلة: "مع أن ثنائي تينا وآيك صار من أنجح الشراكات في التاريخ الموسيقي الأميركي، فليس تجنياً القول إن زواجهما في 1962 لم يكن ثمرة حب متبادل إنما كان - من جهته - إشباعاً لرغبته الجسدية، ورباطاً - من جهتها - أملته الضرورة المهنية الفنية". فانحرف مسار الزواج ظاهرياً إلى علاقة بائسة بلغت حد اعتدائه عليها جسدياً بشكل شبه منتظم، حتى طلاقها منه في العام 1978.

لقد أتت علاقة تينا المبكرة مع آيك، مخيبة، خصوصاً أنها كانت قد دخلت سابقاً في علاقة متسرّعة، وأنجبت ابناً اسمته كريغ. تقول تينا إن علاقتها بآيك اصبحت جدية بعدما دخلت الى غرفته في احد الفنادق هربًا من موسيقي آخر. اكتسبت تينا اسمها الفني وعائلة تيرنر من خلال آيك، وبعدها ولد ابنهما روني في العام 1960 وانتقل الثنائي إلى لوس أنجليس العام 1962 وتزوجا في العام نفسه في تيخوانا. وبحسب ما قالته تينا، فقد تعرضت للعنف الجسدي عندما قالت لآيك إنها لا تريد تغيير اسمها. كان يشجعها على الأداء بملابس ضيقة قصيرة تكشف جمال جسدها وساقيها، ثم يُجنّ بالغيرة عندما يرى عيون الجمهور. وبلغت صعوبة العيش معه حد أنها حاولت الانتحار في 1968 كما كشفت. وخلال زواجهما تم تشخيص آيك بأنه يعاني الاضطراب ثنائي القطب.

وفي 1 تموز 1976، بعد جدال كبير مع آيك في طريقهما إلى دالاس، هربت تينا ومعها 36 سنتاً والبطاقة الائتمانية فقط. بعد بضعة أسابيع، تقدمت بطلب للطلاق على أساس وجود خلافات غير قابلة للحل، وبعد أكثر من عام في المحكمة تم الانتهاء من الطلاق، في 29 آذار 1978. في العالم 1981 تتحدث تينا وتبوح بكل ما لديها في مقابلة مع مجلة "بيبول" عن الإساءة المستمرة التي عانتها لفترة طويلة خلال علاقتها مع زوجها السابق. وفي وثائقي "تينا" أخرجه الحائزان على جوائز أوسكار دان ليندسي وتي جيه مارتن، تقول ترنر لحظة بوحها: "كان ذلك محطماً للأعصاب... اتصلت بطبيبتي النفسية وقلت لها ما الذي يمكن أن يحدث؟ كنت قلقةً حقاً من البوح بالقصة لأنها معبّرة، بالفعل معبّرة... لكن طبيبتي قالت: لا يا تينا... سيكون مفعولها معاكساً... إنها ستفضح كل المستور". وروت في مذكراتها: "كان يلكمني على أنفي مراراً وتكراراً إلى حد كنت أشعر بطعم الدم ينزل في حلقي عندما أغني".

وفي مقابلة إذاعية العام 1996، زعم آيك أنه لم يكن متزوجًا رسميًا من تينا وأن اسم ميلادها هو مارثا نيل بولوك، وليس آنا ماي بولوك. في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2007، توفي آيك بجرعة زائدة من الكوكايين، إضافة إلى أنه كان يعاني انتفاخ الرئة وأمراض القلب والأوعية الدموية.

باخ
تخلصت تينا من مرحلة العنف الأسري، لكنها لم تنجُ من الدراما الحياتية. فخلال تسجيلها أغنيات في لندن في العام 1986 ثم جولة Private Dancer، قابلت تينا تيرنر المدير التنفيذي للموسيقى الألمانية إروين باخ، الذي يصغرها بـ16 عاماً. بدأ تيرنر وباخ بالمواعدة في العام التالي وبقيا معاً منذ ذلك الحين، وفي تموز العام 2013، بعد علاقة استمرت 27 عاماً، تزوج الثنائي. بعد ثلاثة أسابيع من زواجها من باخ اصيبت بسكتة دماغية وكان عليها أن تتعلم المشي مجددًا. في العام 2016، تم تشخيصها بأنها مصابة بسرطان الأمعاء، ما أدى إلى تلف كليتيها وفشل كلوي في نهاية المطاف، فبدأت في غسيل الكلى. أرادت تينا تيرنر أن تنتحر لكن باخ عرض عليها أن يتبرع لها بكليته، وتمت عملية الزرع في 7 نيسان 2017.

لم تقتصر شهرة، تينا صاحبة الشعر المستعار الذي لازمها طوال مسيرتها الفنية، على كونها مغنية وراقصة، إذ أثبتت أن موهبتها تمتد إلى التمثيل أيضاً. وقد سارت في هذا التوجه عندما ظهرت في فيلم Mad Max Beyond Thunderdome الأسترالي (1985) أمام ميل غيبسون. وأصاب هذا الفيلم نجاحاً كبيراً عاد على تينا بجائزة NAACP Image لأفضل ممثلة في دور رئيسي. ولم يتوقف إسهامها على ذلك بل تعداه إلى تسجيلها أغنيتين له صارتا بين الأكثر مبيعاً. إحداهما We Don't Need Another Hero. 

البوذية

تقول تينا إنها تعتبر نفسها "بوذية مُعمّدة"، في إشارة منها إلى تربيتها في الكنيسة واعتناقها لاحقاً البوذية. وطوال طفولتها والبلوغ المبكر، كانت تينا تتبع تعاليم الكنيسة المعمدانية، لكن في مقابلة العام 2016 قالت إنها تعتبر نفسها بوذية وبدأت ممارستها في العام 1973، بعدما تعرفت على هذا الدين من صديق يدعى فاليري بيشوب. وكانت تعتبر أن البوذية أعطتها إحساساً بالقوة، وهذا دفعها إلى التمرد على زوجها بعد سنوات من الخضوع والعنف الأسري القاسي.



محطات في حياة تينا تيرنر:

- 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1939: وُلدت تينا تيرنر أو الاسم الفني لآنا ماي بولوك في ولاية تينيسي، لأبوين فقيرين انفصلا وتركا رعايتها هي وشقيقتها آيلين لجدتهما. بعد وفاة هذه الأخيرة وتينا في سن الـ15 انتقلت إلى سانت لويس (ثاني أكبر مدن ميسوري) لتعيش مع والدتها. هناك، دخلت دنيا الفن من بابها الواسع بعد لقائها آيك تيرنر الذي ضمها إلى فرقته فصارت في وقت قصير نجمتها الساطعة. وقد نما لديها حب مبكر للغناء في جوقة كنيستها.

-  1960 غيّر آيك اسمها إلى تينا تيرنر، وشكّلا معاً الثنائي الموسيقي "آيك أند تينا تيرنر روفو". وقد نجحت 25 أغنية للثنائي في تحقيق مبيعات قياسية في سباق الأغنيات خلال السنوات الـ15 التي تلت تشكيل الثنائي.

- 1984: أصدرت تينا تيرنر أول ألبوم منفرد لها بعنوان "برايفت دانسر"، تضمن خصوصاً "واتس لاف غات تو دو ويذيت"، أنجح أغنية منفردة لتيرنر التي نالت عنها اثنتين من جوائز "غرامي" الثماني في مسيرتها.

- 1986: دخلت سيرتها الذاتية "آي، تينا" لائحة الكتب الأكثر مبيعاً، وقد كشفت خلالها المغنية عن تفاصيل مثيرة بشأن تعرّضها للعنف الأسري أثناء زواجها من آيك تيرنر.

- 1993-  طرح فيلم "واتس لاف غات تو دو ويذيت" المستند إلى قصة حياة المغنية، مع أنجيلا باسيت في دور تينا تيرنر.

- في 2008 خرجت من تقاعدها الذي آلت اليه في 2001 لتقيم جولة موسيقية باسم: "تينا: العيد الخمسون"، إشارة إلى 50 عاماً منذ بدئها حياتها الفنية التي شهدت ثماني جولات موسيقية سابقة. كانت هذه الجولة الأخيرة الأنجح تجارياً بالقياس إلى أي مغن آخر من سابقيها أو معاصريها.

- في 2013 تخلّت عن جنسيتها الأميركية لتنال السويسرية بدلاً منها، بعد انتقالها إلى بيت مطل على بحيرة زيورخ وعاشت فيه حتى آخر أيام حياتها.

- 2018: وفاة نجلها الأكبر كريغ نتيجة انتحار على ما يبدو بعمر 59 عاماً.

- 2022: وفاة ابنها روني من مضاعفات سرطان القولون عن 62 عامًا. ولدى تينا ابنان آخران.