الثلاثاء 2023/05/02

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

مربط الفرس... حصان محمد رمضان ولجامه

الثلاثاء 2023/05/02
increase حجم الخط decrease
تأمل معي هذه الكلمات القليلة التي قالها الممثل محمد رمضان في إحدى أغنياته إذا كنت تريد أن تعرف أو تفهم كيف وصل هذا الممثل إلى ما وصل إليه في زمن قياسي: "النجاح حصان وأنا ماسك لِجامه".
 
هذا هو مربط الفرس في ظاهرة محمد رمضان، ذلك الشاب الذي بدا لنا في بادئ الأمر ضعيفاً هزيلاً يتحسس خطاه بصعوبة، فإذا به بعد سنوات قليلة يصبح "نمبر وان" كعنوان أغنيته، شئنا أم أبينا، قبلنا أم رفضنا، ارتحنا لذلك أم علق في حلقنا نجاحه. لقد بات محمد رمضان واقعاً ملموساً علينا تأمله بدلاً من الهجوم عليه، أو انتقاده، فالنجاح (الجماهيري دن النقدي) الذي حققه مسلسله الرمضاني الأخير "جعفر العمدة" على مستوى الشارع العربي يدعو للدهشة رغم ما يمكن رصده من مسالب فنية على هذا العمل، بل ومآخذ أخلاقية على شخصيته الرئيسة التي أداها محمد رمضان. فإذا بذلك النجاح يتأكد من اليوم الأول لعرض أحدث أفلامه "هارلي" في موسم عيد الفطر الحالي استمراراً لنجاح حفلاته الغنائية التي يحتشد لها الآلاف، كل مرة، من مختلف الطبقات الاجتماعية، وكأن الرجل قد أصبح نجم شبّاك وفق التعبير الهوليوودي، والذي يأتيه جمهوره مهما كان مستوى ما يقدمه من نتاج فني ومحتواه أيضاً، بل وكذلك شكل المصنف غناء أو تمثيلاً. في شاشة التلفزيون أو شريط السينما، المهم أن يلمح ذلك الجمهور العاشق اسم محمد رمضان كي يحتشد لمتابعته. ألا يستحق ذلك نظرة هادئة؟

نعم، كل أغنيات محمد رمضان فيها الكثير من التعالي والغرور والغطرسة والاستعلاء واستعراض القوة. نعم، ظهوره عارياً على خشبة المسرح يدعو للاشمئزاز ولا يمت للفن والإبداع بصِلة. نعم، هو في مجمله لا يغني بالمعنى الحقيقي، وإنما هو أقرب إلى الأداء المنغم "ريسيتاتيف" أو أشبه بموسيقى الراب. نعم، هو لا يثير تعاطف الكثير من المثقفين الذين توسموا فيه شيئاً غير الذي حدث بعد ذلك. نعم، هو متهم دائماً بالتحريض على العنف والبلطجة وإثارة النزعة الفردية في كل أفلامه وأعماله التلفزيونية. نعم، هو كل هذا وأكثر، لكنه أيضاً صاحب الجماهيرية الكاسحة على اختلاف مستوياتها الاجتماعية، ولا أقول الثقافيةز وهو كذلك الأول بمقياس الإيرادات بين أبناء جيله، والأول في نسب المشاهدة في ما يخص أعماله التلفزيونية، والأعلى في "التريند" في الفضاء الألكتروني الواسع، ومن ثم هو الأغلى أجراً بين أقرانه. فهل هو بعد ذلك كله، فاشل أم ناجح؟ متهم أم بطل؟ عنصر هدم أم صاحب إنجاز؟ يستحق الهجوم أم جدير بالإشادة؟ 

دعوني أجيب بنفسي حتى أريح وأستريح: نعم هو جدير بالإشادة ويستحق ما وصل إليه من نجاح إذا كان كل ما سبق هو مقياسنا للنجاح في هذا الزمان، لأنه أدار موهبته وقدراته بذكاء واضح لم يتوافر لغيره على هذا النحو في زمننا، إلا لدى عمرو دياب.

أعرف محمد رمضان جيداً منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً، من اللحظة التي قدمه لي فيها أحد الزملاء ذات مساء مستبقاً اسمه بـ"الوجه الجديد". وأعرف أيضاً أن بداخله طاقات تمثيلية كبيرة. كان أحمد زكي قد رحل لتوه عن دنيانا تاركاً عرش التمثيل فارغاً، ونحن لا نطيق رؤية العروش خاوية ونبحث دائماً عمن يملأهاز كان رمضان بملامحه المصرية الصميمة ونقاء سريرته وصدقه في الأداء وذكائه الواضح يبشر بالكثير، وبأنه الامتداد الطبيعي للراحل الأسمر أحمد زكي. ورغم أنه لم يكن متحمساً لذلك الربط العفوي، إلا انه ترك الكرة تكبر، والكلام يزداد، مستفيداً من ذلك كله بقدر ما يستطيع، وبعدما استنفدت الفكرة أغراضها وتوالت الأدوار المهمة للنجم الشاب، بدأ يبحث لنفسه عن نقاط تماسه مع الناس أو عما يحب أن يراه الجمهور في نجمه الصاعد. ولم يكن الأمر صعباً على فطنة محمد رمضان، لقد أدرك أن الجمهور يتعلّق كثيراً بالأبطال الخارقين أصحاب القوة والغلبة، ويضعهم في المرتبة العليا في سلّم النجومية حتى لو كانوا منحرفين أحياناً، على طريقة فريد شوقي ورشدي أباظة وعادل إمام، فراح يقدم سلسلة أفلامه ومسلسلاته التي كرست ذلك الاتجاه حتى بات قرينا به مؤكداً من خلاله نجاحه اللافت.

لكن هل هذا يكفي للحفاظ على تلك النجومية؟ لقد أيقن رمضان بذكائه المعهود أن موهبة التمثيل وحدها لا تكفي للحفاظ على النجاح واستمراره، وأننا في زمن النجومية القصيرة سريعة الذوبان، وأنك لن تستطيع بالتمثيل فقط أن تكون "نمبر وان" طيلة الوقت. ويبدو أن تجربة أسماء مثل محمد سعد ومحمد هنيدي وحتى أحمد حلمي في تأرجح نجوميتهم وتذبذبها، كانت ماثلة أمام ناظريه، لذلك شق لنفسه طريقاً للغناء ليس فقط في أفلامه، وإنما أيضاً في الحفلات العامة ذات الإعداد الفخم والأعداد الضخمة، وبكلمات أغنيات لافتة تتحدّث عن قوته وتميزه واختلافه عن الآخرين بل وغروره المبالغ فيه والمثير للجدل والامتعاض. ولا مانع كذلك من كثير من اللغط حول ثروته وسيارته وطائرته وخلافاته وتطبيعه. المهم أن يظل محمد رمضان حديث الناس لأطول وقت ممكن ومثار اهتمامهم، بل وانتقادهم مع ميل إلى شح في الظهور الإعلامي على طريقة "أستاذه" عمرو دياب، بعكس ما كان عليه في سنواته الأولى وقتما كانت له منسقة إعلامية تضخ أخباره ربما بصورة يومية ومستفزة.

لقد عرف الرجل كيف يدير قدراته، وكيف يقدم لجمهوره ما يريده، وإن وصل الأمر إلى دغدغة مشاعره ورغباته، والتنفيس عن انفعالاته في زمن وصل فيه الكبت بمفهومه الواسع إلى أقصى مداه. وفي ظني، لو استمر في إدارة موهبته وقدراته على هذا النحو من الوعي والذكاء، فسيبقى بالفعل "نمبر وان" لسنوات وسنوات، هو الذي قال في أغنية "القمر": "النجاح حصان وأنا ماسك لجامه".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها