الخميس 2023/05/18

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

"جان دو باري".. افتتاح باهت لمهرجان كبير

الخميس 2023/05/18
increase حجم الخط decrease
افتتح مهرجان "كان" السينمائي دورته الـ76 بعرض فيلم "جان دو باري" للمخرجة مايوين، من بطولة جوني ديب وبيار ريشار إلى جانب مايوين نفسها. يروي الفيلم قصة مومس نجحت في أن تصبح العشيقة المفضّلة للويس الخامس عشر، آخر ملوك فرنسا قبل سقوط النظام الملكي خلال الثورة الفرنسية.

لا أحد يتوقع الكثير من الأفلام الافتتاحية للمهرجانات السينمائية الدولية، خصوصاً حين يأتي فيلم الافتتاح من خارج المسابقة الرسمية. إنها طريقة تحتفي بعض المهرجانات بالإنتاجات المحلية من دون الانشغال كثيراً بالجودة. ومع ذلك، يميل المرء إلى توقع المزيد من مهرجان بحجم "كانّ"، ويرجع ذلك في الغالب إلى قدرة المهرجان على اختيار ما يريده، بطريقة أو أخرى، في عالم السينما الدولية. لكن "جان دو باري" لا يهرب من قيد الأعراف الشائعة عن الأفلام الافتتاحية للمهرجانات. فيلم مبهرج بقدر ما هو متواضع ولطيف، ولا مكان له هنا إلا لأن "العديد من الشركات المهتمة بالمشاركة" تمكّنت من وضعه. ولأن بطله جوني ديب، المحبوب والإشكالي.

الممثل الأميركي المثير للجدل ليس بطل الفيلم في الحقيقة، لكنه الشخص الذي يتوقّع الجميع رؤيته. في الواقع، ربما يكون ديب هو الشخص الذي يعطي أقصى درجات المهابة لعرض الأزياء الفاخر هذا في فرساي في زمن لويس الخامس عشر. البطل الحقيقي للقصة هي مايوين، في سابع أفلامها. تلعب المخرجة-الممثلة دور الشخصية التي تعطي الفيلم عنوانه، "مدام دو باري"، الفتاة التي أصبحت مومساً في أوساط الطبقة الراقية، وانتهى بها الأمر بغزو فراش الملك (جوني ديب) على الرغم من كراهية ومعارضة أقارب الأخير وغيرهم من ساكني القصر الفرنسي الشهير.


يعمل الفيلم كسيرة ذاتية ويحاول إجراء إسقاط اجتماعي وجندري، باختياره لبطولته امرأة محدودة الموارد أكّدت نفسها بمواجهة الطبقة الأرستقراطية الفرنسية التي حكمت عليها بسبب سلوكها وأخلاقها سيئة السمعة في مغازلة السلطة. كانت "جان" امرأة متواضعة من أسرة فقيرة، تنقّلت بين مهن بسيطة حتى استطاعت الدخول تحت جناح ورعاية الملك، وذلك بفضل طريقتها "المشينة" في تقديم نفسها (لم تملك تلك الأخلاق الأرستقراطية الرفيعة المناسبة) ولعدم ارتدائها الملابس كما كان من يُفترض بها.

لم تكن متمردة أو ثورية، بل بعيدة كل البعد من ذلك: كانت جزءاً من النظام الفعلي، لكنها تمكّنت فقط من كسر بعض الحواجز الداخلية. وما دفعها للفوز بقلب الملك جعلها عدواً لجميع سكان القصر تقريباً. "جان دو باري" فيلم يضع جزءاً كبيراً من قوته في إعادة بناء الفترة والأزياء والمكياج (تجاوزت موازنته الـ20 مليون يورو)، لكن هذا المجهود لا يُترجم إلى أي ملامح تمايزه عن غيره من الأفلام المشابهة. بالنسبة لفيلمٍ يدافع عن امرأة تجرّأت على الاختلاف والسير ضد التيار، لا يجرؤ الفيلم على فعل أي شيء، باستثناء اتباع المسارات المعروفة.

بعض الطيش والخِفّة اللائقين بكوميديا ​للمراهقين (في بعض الأحيان يبدو الأمر وكأنه فيلم لإحدى أميرات ديزني عن "تلك الفتاة المختلفة التي اقتحمت قصر الملك") يضفيان على الفيلم سحراً معيّناً، لكنه لا يدوم طويلاً. في اللحظة التي يصبح فيها الفيلم جادّاً، يفعل هذا كما يفعله غيره من الأفلام في هذه الحالات: يصير خطابياً وعاطفياً ومتوقعاً. باختصار، "جان دو باري" ليس "ماري أنطوانيت" لصوفيا كوبولا بأي معيار (رغم أن الشخصية تظهر خلاله)، لكنه بالأحرى حكاية سندريلا قبل وقتٍ قصير من وصول الثوّار مع المقصلة (بالطبع سِيقت جان إلى الإعدام، مثل غيرها من سكّان البلاط). أو ربما هو نسخة فرنسية من "بريدجيرتون" بأحداث تدور في فرساي.

أما جوني ديب، نجم الفيلم وعلّة الاهتمام به ومثير الاحتجاجات، يبقى ممثلاً جيداً، بغض النظر عن مدى انحراف وزحمة حياته الشخصية، ما زال بإمكانه إيجاد مساحات للتباهي والظهور. ربما يتعلّق الأمر بمتفرّج واكب مسيرته ورآه يكبر بمرور السنين فزاد ولعه به، لكن الحقيقة أنه على الرغم من العمليات التجميلية والاتهامات التي تلاحقه، ففي كلّ مرة يجسّد فيها ديب شخصية مبهرجة وشاذّة (كما في هذه الحالة)، ينجح في العثور على ما يشبه القلب النابض تحت طبقات المكياج. يساعده بعض الممثلين الداعمين الرائعين (مثل بيار ريشار وبنجامين لافيرني وناومي لفوفسكي)، لكنهم غير كافِين لجعل "جان دو باري" فيلماً جيداً. بالكاد تمكّنوا من تجنّب سقوط أكبر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها