الأحد 2023/05/14

آخر تحديث: 07:32 (بيروت)

خوسيه كازانوفا: عن أوكرانيا والأرثوذكسيّة والنموذج التعدّديّ

الأحد 2023/05/14
خوسيه كازانوفا: عن أوكرانيا والأرثوذكسيّة والنموذج التعدّديّ
المشروع التعدّديّ ينبثق من تمزّقات التاريخ
increase حجم الخط decrease
شخَص الأستاذ الجامعيّ الإسبانيّ إلى الحضور وقال إنّ أوكرانيا اليوم هي القلب النابض للقيم الأوروبيّة، فمصير أوروبّا الحاضرة يتقرّر فيها، لا مصير أوروبّا فحسب، بل مصير الكنيسة الأرثوذكسيّة أيضاً. فهذه الحرب التي يتقاتل فيها شعبان ذوا انتماء دينيّ وثقافيّ أرثوذكسيّ ستحدّد ما إذا كانت الكنيسة الأرثوذكسيّة في المستقبل ستلتصق بقيم الحرّيّة والتنوّع وحقوق الإنسان أم لا. 
أوكرانيا، قال، ربّما تكون المجتمع الأكثر تنوّعاً في أوروبّا: أكثر من ستّ كنائس تعترف الدولة بطابعها التقليديّ، فضلاً عن اليهود والمسلمين. تلتقي هذه الجماعات الدينيّة جميعاً في مجلس للحوار والتعاون تعترف فيها بأنّها مختلفة، لكنّها متساويّة في الحقوق والواجبات. بخلاف روسيا، هذه التعدّديّة الدينيّة تلقائيّة، أي إنّها تنبع من داخل الذات، ولا تنظّمها الدولة، ويضاف إلى التنوّع الدينيّ تنوّع إثنيّ. فالمسلمون ليسوا سلاف، بل ينتمون إلى التتار. وثمّة تنوّع لغويّ تعبّر عنه الأرمنيّة والأوكرانيّة، فضلاً عن الروسيّة طبعاً التي يتكلّمها الجميع، ولم يكن أحد يشعر بانقباض حيالها قبل نشوب الحرب. وأوكرانيا هي الدولة المدنيّة الوحيدة في العالم التي رئيس جمهوريّتها ورئيس وزرائها كلاهما يهوديّ حاليّاً.

هذا المشروع التعدّديّ ينبثق من تمزّقات التاريخ، إذ لم تتمتّع أوكرانيا باستقلالها إلّا على مدى بضع من السنوات. سحقتها الحرب العالميّة الأولى والثورة البلشفيّة. وخيضت على أرضها أشرس معارك الحرب العالميّة الثانية. والذين تشبّثوا بعدها بالحرّيّة، اقتادهم الوحش السوفياتيّ إلى الغولاغ ومعتقلات الجليد الخرساء. وحين يتذكّر أحفاد النازيّين ما اقترفه أجدادهم من جرائم في شرق القارّة القديمة، يتذكّرون المذبحة اليهوديّة، ويتذكّرون ليننغراد، وينسون كييف والمدى الأوكرانيّ برمّته. 


من مخاض التاريخ هذا تتفتّق التجربة الأوكرانيّة، التي تدافع اليوم عن حقّها في التنوّع والحرّيّة والديمقراطيّة والازدهار والانتماء إلى تجربة حضاريّة تعلي من شأن الإنسان الفرد على الرغم ممّا يعتريها، هنا وثمّة، من اعتوارات في التطبيق. هذا يجب أن يدركه الأرثوذكس جيّداً. فالحرب الأوكرانيّة ليست حرباً عاديّة، إذ هي بمنزلة صراع بين نموذجين من الأرثوذكسيّة: واحد يلتصق بالأنظمة السياسيّة الشموليّة ويتحالف معها باسم إيديولوجيا قوميّة يلفظها التاريخ، وآخر يؤمن بالفصل بين الدين والدولة، وينهد إلى مزيد من الديمقراطيّة، ويتمسّك بحقوق الإنسان...


شخَص الحاضرون إلى الأستاذ الجامعيّ، عالم الاجتماع الإسبانيّ المتزوّج من أوكرانيّة، فإذا عيناه تغرورقان بما يشبه الدموع. كان هذا يوم الخميس الماضي في مؤتمر احتضنته مدينة فولوس اليونانيّة عن العلاقة بين الفرد والجماعة في خطاب الكنيسة الأرثوذكسيّة. وكان اسم الأستاذ الجامعيّ الأشيب الشعر خوسيه كازانوفا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها