الجمعة 2023/05/12

آخر تحديث: 13:56 (بيروت)

"تفسير الأحلام" لابن سيرين... والأخطاء الشائعة

الجمعة 2023/05/12
"تفسير الأحلام" لابن سيرين... والأخطاء الشائعة
منمنمات اسلامية
increase حجم الخط decrease
صدر حديثًا عن مركز أبوظبي للغة العربيّة، التحقيق العلميّ الأول لكتاب "البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا" بنسبته الصحيحة إلى الواعظ المتصوّف النيسابوريّ الشافعي أبي سعد الخركوشيّ (ت 407/1016). وقد أنجز تحقيقه ودراسته كلٌّ من الدكتور بلال الأرفه لي، والدكتورة لينا الجمّال، وسبق أن نُشر الكتاب مرارًا بطبعات شعبيّة كثيرة الثغرات والأخطاء والمسالب، منسوبًا خطأً إلى ابن سيرين (ت 110/728). 

صدر الكتاب بدايةً العام 1867 عن مطبعة بولاق المصرية بعنوان "تفسير الأحلام" لابن سيرين في هامش كتاب آخر، ومنذ ذلك الحين، تعيد عشرات دور النشر في العالم العربيّ إصدار الكتاب في كلّ عام. وتجاوزَ خطأ نسبة الكتاب الجمهورَ العامّ إلى "عدد من الباحثين – العرب والمستشرقين – الذين استندوا إلى الكتاب في دراساتهم ونسبوه إلى ابن سيرين على أنّه من تدوين أحد تلامذته". الواقع أنّ ابن سيرين البصري، التابعي الكبير والإمام القدير في التفسير، والحديث، والفقه – وهو مُعَبِّر المنامات الأشهر في الحضارة الإسلاميّة – لم يؤلّف قطّ كتابًا في التعبير، ولم يُجمع إرثه في كتاب من بعده. يقول المحققان: "إنّ قراءةً واعية لمتن الكتاب تُظهر مباشرةً نسبته الصحيحة إلى أبي سعد الخركوشيّ، فمقدّمته تعود صراحةً إليه، وعددٌ كبيرٌ من الأبواب يبدأ بقول الناسخ: قال الأستاذ أبو سعد الواعظ رحمه الله. وهي من عادة النساخ في نسخ الكتب كما في مصنفات البيهقي والخطيب وغيرهما".

لا ندري إن كان القارئ بعد تحقيق الكتاب وتصحيحه، سينسبه إلى صاحبه الأصلي الخركوشيّ... نرجح أن يبقى اسم ابن سيرين طاغياً لأن لفظه أسهل، وبرغم أن الكثير من الدراسات أشارت إلى الخطأ في نسب الكتاب، فهي تذكر اسم الخركوشي وملحقاً به اسم ابن سيرين، كأن فعل ذلك لطمأنة القارئ على نص بعينه، فالقارئ الذي اعتاد على الخطأ الشائع في نسب الكتاب إلى ابن سيرين لا يطمئنه وضع اسم الخركوشي عليه فقط...

والحال أنّ هذه العجالة ليست قراءة في التحقيق إلذي انجزه، الدكتور بلال الأرفه لي، والدكتورة لينا الجمّال، بل تسعى إلى القول إن التحقيق الآن يعيدنا إلى الكثير من الأمور والقضايا التي تتعلّق بالانتحال والتزوير والأخطاء في الثقافة العربية والتراثية على وجه التحديد. وفي كل علم أخطاءٌ شائعةٌ، ومن أشهر الأخطاء الشائعة في الثقافة هو "نسبة الكتاب لغير صاحبه"، ومن أشهر الكتب التي أثبت المحققون أنها منسوبة خطأ لغير أصحابها "إعراب القرآن" للزجاج، و"درر الحكم" للثعالبي، وثمة كتب لابن المقفع والغزالي وبعض رجال الفقه... والقضية متشعبة وأشبه بالحكاية الشعبية التي يعيد كل شعب نقلها على هواه بل أشبه بمتاهة.

لنتذكر أن الشاعر الفارسي عمر الخيام كتب عدداً محدوداً من الرباعيات، لكن الرباعيات المتوافرة في الكتب والمكتبات تتجاوز الرقم الذي نظمه بأشواط. الخيام، بحسب الباحث محمد مصطفى الخطيب في مجلة "الرسالة": "لم يترك وراءه ديواناً بخط يده، ولم يشر إلى شعره في تآليفه العديدة، ولم يمل على أحد من تلامذته ما يسمى اليوم بالرباعيات، كما إن (جهار مقالة) اقدم سفر تاريخي عثر عليه لمصنفه (نظامي عروضي سمرقندي) تلميذ الخيام المخلص لم يذكر ولا كلمة واحدة عن رباعيات أستاذه، برغم إنه زار قبره بعد وفاته ببضع سنوات فقط، وذكر أموراً في مؤلفه أقل أهمية وأضل شاناً بكثير من الرباعيات". و"الخيام لم يكتب في الفارسية من الشعر سوى الرباعيات وحدها؛ أما هل جمع كل ما كتبه من هذه الرباعيات وضمنها بين دفتي كتاب خاص بنفسه، أو أملاها على أحد من طلابه؛ فذلك ما نحن منه في ظلام دامس حتى الآن".

ولا يختلف الأمر مع الشاعر أبي نواس، صاحب القصائد الماجنة والغلمانية، فكثر كانوا ينظمون هذا النوع من الشعر وينسبونه من ضمن الأخبار إلى "شاعر الخمرة" تخوفاً أو خوفاً على حياتهم من ردّ فعل السلطان والرقيب على مضمونها الفاسق والماتع والإباحي، بالتالي تكون نسبتها لشاعر الخمرة درعاً يحمي حياة قائلها أو مؤلفها المفترض. وبحسب الأديب عباس محمود العقاد في كتابه "أبو نواس"، القراء أشباه الأميين "يعرفون النواسي كإخوانهم الأميين؛ أي يعرفونه لأنه شخصية ذات أخبار، وقلما يعنيهم منه ذلك الشعر الذي ينسبونه إليه سواء صحّت نسبته إليه أو إلى غيره، أو كان مختلقًا ملفقًا لا تصح نسبته إلى أحد من الشعراء المشهورين".

على المنوال ذاته، يشكك الكثير من الباحثين والمحققين بناقل حكاية "علاء الدين"، القس السوري ديونيسيوس شاويش، الذي زعم أنه استنسخها من مخطوطة أصلية في بغداد، ثم أعاد كتابتها اللبناني ميخائيل الصباغ حيث كان أكثر دراية منه بالعربية. ويعتقد الباحث العراقي محسن مهدي أن "ألف ليلة وليلة" نص مفتوح، أي أنه قابل لأن يتناسل إلى ما نهاية له من الحكايات. واللافت أن "الليالي" المزورة تبدو كأنها من الأصل، وهذا يدل على أن المزورين كانوا منغمسين إلى حد بعيد بالثقافة العربية، الأمر الذي يضفي شيئاً من الأهمية على ما قاموا به.

ومن المقالات البديعة التي تركها الشاعر بسام حجّار، مقالة بعنوان "رسالة في التزوير"، يتحدث عن كتاب "المحاسن والأضداد" للجاحظ الذي يميل المحققون بشدّة الى انكار نسبته اليه والقول بأنّه من وضع "مزوّر". ويقول الجاحظ في معرض الزعم بأنه إنما يفعل ذلك اجتناباً لمطاعن "أهل العلم بالحسد المركب فيهم"، ويضيف: "... وربما ألفت الكتاب... فأترجمه بإسم غيري، وأحيله على من تقدمني عصرُه مثل ابن المقفع والخليل، وسلم صاحب بيت الحكمة، ويحيى بن خالد، والعتّابي، ومن أشبه هؤلاء من مؤلفي الكتب".

ويسأل بسام حجّار: "ولكن هل يؤخذ باعتراف الجاحظ قرينة على أنه مزوّر؟ فقد يقال ان الاعتراف ليس قرينة. فاعتراف المرء بأنه مزوِّر قرينة على أنه قد يكون مزوِّراً وقد لا يكون. لأن كلام المزوِّر ليس ثقة فتمامُه هو تمام التطابق، وهذا أرقى التزوير. وتصبح القرينة أوضح وأدلّ إذا استعيدت عناصرها في مفتتح كتابٍ "أحيل" على الجاحظ لنفي "شبهة" التزوير والتي يستخدمها يتوسّلها مزوِّر هو واضع ؟ "المحاسن والأضداد" وأوّل فصوله، للمفارقة، فصل "محاسن الكتابة والكتب"... "لا يجد القارىء أمامه إلا أن يجعل القراءة نفسها شكلاً من أشكال الرواية دونما التفات الى "صحتها" أو "كذبها".

في زمن الانترنت والذكاء الصناعي، ربما سنكون أمام أشكال جديدة من الأخطاء الشائعة، بدءاً من القصيدة الانترنتية التي نسبت إلى الشاعر محمود درويش وغنتها الفنانة كارول سماحة، مروراً بقصائد نُسبت لنزار قباني أو لمظفر النواب، ربّما نكون أمام شبح المؤلفات اللقيطة... ودرّة بعض المؤلفات أنها بلا مؤلف. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها