الخميس 2023/04/27

آخر تحديث: 14:11 (بيروت)

وجوه فان دونغن اللبنانية

الخميس 2023/04/27
increase حجم الخط decrease
أتلف انفجار مرفأ بيروت في صيف 2020 مجموعة كبيرة من اللوحات المحفوظة في متحف سرسق، منها ثلاث زيتيات ترتبط بشخصيات "ساهمت في نهضة الحياة الثقافية اللبنانية"، عادت منذ بضعة أيام إلى موقعها بعدما جرى ترميمها في "مركز بومبيدو" في باريس.

أُرسلتْ هذه اللوحات إلى باريس "لأن تصليحها كان صعباً ومعقداً بالمقارنة مع القطع الفنية الأخرى المتضررة"، كما صرّحت مديرة متحف سرسق للفن التشكيلي القديم والمعاصر، كارينا الحلو، في حديث نقلته "فرانس برس"... وهناك، "خضعت هذه اللوحات لأشهر من العمل في قسم حفظ الأعمال الفنية في مركز بومبيدو، أحد أكبر متاحف الفن الحديث والمعاصر في العالم، لتعود كما كانت".

تمثّل احدى هذه اللوحات، مؤسِس المتحف نقولا سرسق، جالساً على كرسي، وهي من توقيع الرسام العالمي كيس فان دونغن، وتعود إلى فترة الثلاثينات. وبحسب كارينا الحلو، كان هذا الفنان "الهولندي الأصل يعيش في فرنسا"، وقد "زار بيروت يومها ورسم بورتريهات عديدة لعائلات من هذه المنطقة ولرجال دين". واللوحة التي صوّر فيها نقولا سرسق "لها معنى مهم في مجموعة المتحف، اذ تؤكد انفتاح لبنان على الغرب، ودور بيروت الريادي حيث كان الفنانون الأجانب يقصدونها".

وُلد كيس فان دونغِن في 1877، في ضاحية "دلفشافن" التي أضحت اليوم دائرة من دوائر مدينة روتردام، ودخل الأكاديمية الملكية للفنون 1892، وبدأ مشواره الفني في موطنه، ثم سافر إلى باريس في 1899، وتعرّف على موريس فلامنك وهنري ماتيس، وأقام معرضه الفردي الأول في 1904، وضمّ هذا المعرض أعمالاً رسمها في هولندا وأخرى في باريس ومقاطعة النورمَندي، وفيها سلك خط الانطباعية الجديدة وما يُعرف بـ"التنقيطية"، ثم شارك في معرض أقيم في 1905، وشهد هذا المعرض انطلاقة ما عُرف بالمدرسة الوحشية، وواصل مسيرته في خطى ثابتة، وحصد شهرةً عالمية كبيرة تشهد عليها معارضه الغزيرة في فرنسا وروسيا وألمانيا.

استقر فان دونغن في باريس العام 1910، وتنقلّ بين هولندا وإيطاليا وإسبانيا، ثم سافر إلى المغرب حيث استقر فترةً من الزمن، وتأثر هناك بالنور المتوسطي، وأنجز لوحات أثارت اعجاب النقاد الفرنسيين. وزار مصر في 1913، وبقي أميناً لأسلوبه "الوحشي"، وحصد المجد في باريس، وأضحى نجماً من نجوم الوسط التشكيلي الفني، فقُلّد وسام الشرف في 1926، وحاز على الجنسية الفرنسية بعد ثلاث سنوات.

لا نجد في سيرة فان دونغن إي إشارة إلى رحلة قام بها الفنان إلى لبنان. واصل الفنان مسيرته إلى أن توفّي في موناكو في نهاية أيار 1968، وبعد مرور ثلاثة أسابيع على رحيله، رثاه "ملحق النهار" في خبر جاء تحت عنوان "وجوه لبنانية بريشة كبيرة". وجاء في هذا الخبر: "كان نقولا بسترس صديقاً للرسام الكبير فان دونغن الفرنسي الهولندي الأصل الذي مات عن 91 عاماً. وهذه الصداقة نشأت بينهما في باريس، وكانت السبب الذي جعل بعض اللبنانيين يتعرّفون على الرسام ويقفون أمامه في محترفه ليصورهم ويخلدهم بريشته. والذين صوّرهم الرسام هم: نقولا إبراهيم سرسق الذي وهب قصره ليكون متحفاً وليضم إلى المتحف صورته بريشة فان دونغن، السيدة ماري ميشال تويني خالة نقولا بسترس، السيدة فلادو سرسق، ومتروبوليت بيروت جيراسيموس مسرة، سلف المتروبوليت إيليا صليبي. وكان الرسام لقاء كل صورة لهؤلاء، يتقاضى مبالغ طائلة، ورسمهم بين 1926 و1930 في باريس، وكان إذ ذاك ذائع الصيت وشهيراً. إلّا أن متروبوليت بيروت مسرة لم يرغب في الحصول على صورته من الرسام، فبيعت هذه من الهواة بمال كثير، وهي تُعتبر من أعماله البارزة. وفي معرض حديثها عن الرسام بعد موته، نشرت مجلة الأنباء الفرنسية صورة المتروبوليت مسرة كأثر يدلّ على تقنية فان دونغن ومهارته في صنع الوجوه".

رافقت هذا الخبر أربع صور، منها صورة للفنان، وصورة لثلاث لوحات، وهي تلك التي تمثّل نقولا سرسق، ماري ميشال تويني، ومتروبوليت بيروت جيراسيموس مسرة. لوحة نقولا سرسق معروفة، أما لوحة ماري ميشال تويني فلا نعرف ماذا حلّ بها، كما أننا لا نعرف شيئاً عن لوحة فلادو سرسق. تبقى لوحة متروبوليت بيروت، جيراسيموس مسرة، وهي اليوم محفوظة في المتحف الملكي للفنون الجميلة في مدينة أنتويرب البلجيكية، وتعود إلى 1928، طولها 218 سنتمتراً وعرضها 128 سنتمتراً، وقد اقتناها المتحف مباشرة من الفنان في 1937، كما تقول البطاقة التعريفية الخاصة بهذه الزيتية في هذا المتحف.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها