الإثنين 2023/04/24

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

حياة شارع الحمرا وموته.. في صوَر طلابية

الإثنين 2023/04/24
increase حجم الخط decrease
ميزة الصور التي التقطها طلاب من الأكاديمية الفنّيّة للتصوير الفوتوغرافي (FAPA) خلال جولة في منطقة الحمراء (بيروت)، أنها ثمرة "احترافية" من يعرف كيف يدخل الشارع ويراقب حياته وموته ومعالمه وعوالمه ومسرحه وناسه وأطلاله. وتذكرنا صور الطلاب أو صور جولتهم الشارعية، ببعض الصور في نواحي باريس ونيويورك التي نراها في الكتب أو المجلات القديمة، أو يذكرنا بها الفايسبوك كل مدّة.

والصور الصحافية القليلة التي نشرها المصوّر صالح الرفاعي، في صفحته الفايسبوكية، وهو المشرف على طلاب الأكاديمية، تشدّنا إليها قبل كل شيء، التقينة في أخذ اللقطة، واختيار الأبيض والأسود اللذين يعطيانها دفعاً لكي نتأملها ونقرأ فيها بلغة أخرى، تزيد من فنيّة الصورة وهالتها. أو لنقل أن الصورة تتحول حكاية تأملية خالية من لعبة المباغتة، ومباغتة في الوقت نفسه، "تقبض على الراهن" كما يقول رولان بارت. شخوصها يستعدون للكاميرا لكن ليس بثيابهم وهندامهم، بل بنظراتهم، سواء بائع الصحف، أو الرجل الذي يجمع الخردة، وهناك شخوص نراهم بلا ملامح وجوههم، يعبّرون عن أشياء كثيرة بحركة من يدهم أو في نومهم...

ولم يخطئ رولان بارت الذي يميل إلى اعتبار الفوتوغرافيا وسيطاً أقرب للمسرح منه إلى الرسم، حين يقول "هناك رابط يبعث على التأمل حقاً بين المسرح والصورة الفوتوغرافية، ألا وهو الموت! فالفوتوغرافيا تتصل في شيء ما بالبعث، كما أن الصورة الفوتوغرافية هي مثل مسرح بدائي، مثل لوحة حية، مثل مجازية الوجه الساكن المخضب الذي نرى الموتى تحته".

والحال أن صور الطلاب، تجمع بين الجمال والحقيقة، لا تكذب من أجل أن تكون جميلة، تقول حياة الأشياء وموتها. بل إن صور الأماكن والجدران والبيوت والشخوص وعالمهم السفلي في شارع الحمرا، تعكس التحولات التي طرأت على قلب المدينة. فصور المتسولين عند النواصي أو المشرّدين النائمين على الرصيف وعند الأبواب أو المتجولين هنا وهناك، تشكّل العلامة لما آل إليه الشارع في ظل الفوضى والأزمات الاقتصادية والمعيشية والإجتماعية. إذ يتنامي التسوّل والتشرّد في شارع الحداثة والعراقة، وتتقلّص أمكنة الثقافة وناسها، ويصاب كل شيء بالتحلّل.

صورة بائع الصحف عند زاوية كنيسة الكبوشية، هي ملمح عن نهاية الجريدة الورقية وموتها. أو هكذا يحسب المتلقي الذي يعرف جيداً شارع الحمرا وناسه، وتوخزه الذاكرة إلى ما آلت أليه الأمور، فمن بين عشرات الأكشاك التي كانت موزعة، من وزارة السياحة قرب "مصرف لبنان"، وحتى نهاية الحمرا عند منطقة كراكاس، لم يبق إلا اثنان أو ثلاثة منها، وما عادت أصلاً تعتمد على بيع الصحف، بل ثمّة من يبيع الكتب أو الألعاب أو اللوتو ومجلات قديمة...

وصورة المنزل القديم المهجور، فيها شيء من الطلل، وتأمّل لموت في المستقبل. فالبيت المهجور بات ينتظر أصحابه تصدعه وتخلخل بنيانه وجدرانه حتّى تأتي اللحظة المناسبة لتدميره تحت جنح الظلام. وما بقي من المنزل أو البيت في الصور هو الطلّل أو وحشة الظلال والنوافذ المعتمة وأوراق الأشجار اليابسة التي تفرش الأرض وساحة الدار التي لا يطأها غريب.

صورة الشاعر بول شاوول في المقهى، تظهر وكأنه آخر مثقفي الشارع وآخر شعرائه.. بعدما كان الشارع شارع شعراء ومثقفين ورسامين نزحوا منه أو رحلوا أو سافروا... أقفلت المقاهي التقليدية وباتت أثرا بعد عين. وهاجرت الأفكار أو اضمحلت لمصلحة أشياء أخرى، ولم يعد شارع الحمرا ذلك الفضاء الذي يحتفل بالثقافة والقصيدة والقصة والمجلة، وبات أشبه بسوق شعبي مثل سائر المدينة.

صور الطلاب هذه ليست سياحية على نحو ما تفعل غالبية الكاميرات التي غالباً ما تختار غرافيتي صورة صباح العملاقة للإشارة إلى شارع الحمرا. ربما ما زاد من معنى تلك الصور هو معرفة صالح الرفاعي بشارع الحمرا، عدا عن حرفيته العالية في التقاط الصور الصحافية والفنية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها