الأربعاء 2023/03/08

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

محمد خير لـ "المدن": نصوصي تدهشني أحياناً

الأربعاء 2023/03/08
محمد خير لـ "المدن": نصوصي تدهشني أحياناً
الأحلام، تماما كما الأدب نفسه، طريقة مختلفة لتناول الواقع
increase حجم الخط decrease
على عكس البساطة البادية في العنوان، يقدّم محمد خير في مجموعته القصصية الجديدة "تمشية قصيرة مع لولو" أفكاراً في غاية الجدّيّة والأصالة والعمق، يمررها بسلاسة في حكاياته التي تبدو كتمشية رائقة أو جلسة حميمة محملة بالمشاعر.

يحضّر خير قرّاءه لأجواء المجموعة من القصة الأولى، بحكاية عن الفقد نقرأها من منظور طفل، ونتابع فيها حيرته أمام عالم تتغير معالمه بغياب أمه نتيجة لمرض عضال والحضور الغائم والمرتبك للأب، وهو ما سيتكرر بعد ذلك بصيغ وأشكال مختلفة على طول الكتاب. يقدّم خير ملامح جديدة لأب مختلف، لا يتخفى خلف دروع القوة والسطوة والحماية والاحترام الزائف، بل أب قلق لا يخفي حيرته وارتباكه بل وضعفه أحيانا، أب جديد يستكشف العالم تماماً كما تستكشفه أطفاله أو لعله يكتشفه من خلالهم.

تحمل المجموعة في المجمل رحلة وداعية لصورة الأب القديم الذي تظهر نُسَخه في خلفية المشاهد كرسائل عابرة فتستدعي المقارنة التي تحدث تلقائيا مع الصورة الجديدة وكأنها فعل عفوي يحدث من دون قصد. تستمر رسائل الأب القديم حتى بعد رحيله، بعكس ما يتمنى ويأمل الأب الجديد فـ"ما شغل باله، بين الأمل والتمني، أن ينتبه أطفاله إلى رسائله في المستقبل، ثم تمنى -بعد تفكير أطول- ألا يحتاجوا إليها، ربما يكتفي بالتلويح لهم، من حين لآخر، عبر أذرع الآخرين"، أملاً في مسيرة مغايره لأبنائه، أو مصير مختلف له هو نفسه، لينجو من المساءلة التي تلاحق سلفه حتى داخل قبره!

بالطبع ليس هذا الملمح الوحيد للمجموعة، لكنه الأبرز، إذوهي تقدّم أيضاً قصصاً تتجلّى فيها معانٍ وأفكار أخرى، كالأصالة، والوحدة، وتقدير الذات، وحيرة الإنسان وارتباكه أمام الزمن وألعاب الذاكرة. هنا نتحدث مع محمد خير عن المجموعة بالتفصيل...
 

- عُدتَ مؤخراً من المشاركة في البرنامج الدولي للكتاب في ولاية آيوا الأميركية. كيف رأيت هذه التجربة؟ وهل تفكر في تسجيلها في نص واحد أم تُخزن كخبرة مؤجلة تتوزّع على نصوص لم تكتب بعد؟

* كانت "آيوا" تجربة ثرية للغاية، ولها خصوصية على الرغم من طابعها المتنوع، بل بسبب من هذا التنوع تحديداً، وأعتقد أنها تجربة مما يعيشه المرء مرة واحدة في حياته؛ أن تقيم في مكان واحد لما يقارب الثلاثة أشهر مع أكثر من ثلاثين مبدعاً موهوباً من كل قارات العالم، فتتعرّف لا على ما كنت تجهله فقط، بل كذلك على ما كنت تظنّ أنك تعرفه. كانت فرصة لاكتشاف كم أن العالم واسع حقاً، غير منحصر في الغرب وحده أو في ثقافتنا العربية وحدها، ومساحة لتواصل إنساني خلاق وحميم، مبعث قوته أنّ كل الآخرين في التجربة يدركون بدورهم خصوصيتها وأهميتها في حياتهم. من هنا، لم تكن التجربة ثقافية وحسب، بل إنسانية على مستويات عديدة، تكتشف فيها أنك تستطيع كسب أصدقاء جدد بعدما ظننت أنك تخطيت العمر الذي تكسب فيه الأصدقاء.
ولست من النوع الذي يفضل أن "يصبّ" تجربة ما في نص بعينه، أعيش التجربة بانفتاح قدر استطاعتي وأتركها تصبح جزءاً مني، مدركاً أنها ستجد طريقها لنصوصي بالطريقة الغامضة والخلاقة التي يعمل بها الأدب.

- فازت ترجمة روايتك "إفلات الأصابع" مؤخراً بجائزة بانيبال العالمية للترجمة. ما الذي تعنيه الجائزة بالنسبة لك وكيف أصبحت تفكر في الجوائز بشكل عام؟

* هي أولاً تكريم للرواية، فعلى الرغم من أن الجائزة تمنح للمترجم لكن من شروطها أنها تمنح لترجمة "عمل يتمتع بالجدارة الأدبية"، ولهذا فقد ضمت لائحة الجائزة أعمالاً في غاية الأهمية لها كل التقدير. أنا سعيد من أجل المترجم روبن موجر، الذي عمل على الرواية بإخلاص ولدار النشر الأميركية "Two lines press" التي تحمّست للنشر وأصدرت الكتاب في أفضل صورة. وبالطبع لدار "الكتب خان"، وكرم يوسف الناشر الأصلي. لم يكن لـ"إفلات الأصابع" حظّ في الجوائز العربية رغم أنّها حازت تقديراً نقدياً كريماً، ولهذا فقد كانت جائزة بانيبال تقديراً أسعدني، كأنها باب فتح بعدما أُغلق باب. وأرجو أن تنتقل الرواية بفضل الجائزة إلى لغات أخرى.
أعدّ الجوائز نوعاً من حظوظ الحياة، فقد تنالها أو لا تنالها لأسباب عديدة ومتنوعة، بعضها منطقي وبعضها عبثي وأحياناً مضحك. الأهم أن تحمي نفسك من التفكير فيها أثناء إبداع نصوصك، لأن هذا ليس مضراً للنص ولك فقط، بل وغير مُجدٍ أيضاً.

- مع الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة للكتاب، في يناير الماضي، صدرت مجموعتك القصصية الثالثة "تمشية قصيرة مع لولو".. متى بدأت كتابتها ومتى رأيت إنها باتت تصلح للنشر؟

* أعتقد أنني كتبت أول نصوص المجموعة - وهي قصة "ضوء الصورة"- قبل ثلاث أو أربع سنوات. لكن هناك نصوصاً أخرى كانت مدونة كأفكار أو كملخصات. بشكل عام يصعب وضع تحديد زمني لبداية ونهاية كتابة مجموعة قصصية لأن كثيراً من النصوص يبدأ كفكرة خطرت لك، ربما أمس وربما قبل خمس أو سنوات، وكثير من النصوص تستبعده عند النشر (وأنا كثير الاستبعاد عموماً)، لكن يمكن القول أنها كانت شبه جاهزة للنشر في نهاية 2021، وإنْ كنتُ أضفتُ لها نصين أو ثلاثة بعد ذلك.

- قصص المجموعة ليست بالخفة التي قد يوحي بها العنوان -والغلاف أيضاً- بل العكس تقريبا. هل فكرت في هذا الأمر؟ ولماذا اخترت هذا العنوان بالتحديد؟

* لا أعتقد أن ثمة "خفة" في العنوان أو الغلاف، ربما ما يوحي بذلك هو كلمة "لولو" التي رأيتها مناسبة لروح المجموعة، أنا ممن يعتقدون أن المجموعات الشعرية والقصصية لا ينبغي أن تكون مجرّد تجميع لما كتبتُ في فترة معينة، بل لا بد من روح عامة تصل بين النصوص، قدر الإمكان. وبما أن في المجموعة عدداً أساسياً من النصوص التي تتناول مرحلة الطفولة، سواء من خلال عينَي الطفل نفسه أو من خلال الأهل، فقد كان العنوان والغلاف مناسبَين في رأيي للكتاب. وقد رأيت في العنوان كذلك جرساً محبباً أو مميزاً يسهل حفظه، بالإضافة إلى أن قصّة العنوان، تحيل إلى قصص الطفولة في الكتاب، كأنها جميعاً نوع من التمشية مع هذا الإنسان الصغير الذي هو الطفل.

- لا ثورة ولا كورونا ولا نقاط مركزية يمكن من خلالها تحديد زمن السرد. هل كان ذلك متعمداً؟

* بشكل عام فإن الإشارة إلى أحداث بعينها، وحتى إلى أماكن بعينها، تكون غائمة في أعمالي، تتراوح بين العدم والوجود الشاحب. أودّ القول إن تلك طريقة لجعل العمل أكثر تجريداً ومن ثم أشدّ اتصالاً بالإنسان في كل مكان، لكني في الحقيقة نادراً ما أتعمّد ذلك، إنها طريقتي في الكتابة لأنّها ربما طريقتي في التفكير أيضاً.

- في مجموعة "رمش العين" نلاحظ أن النسبة الغالبة كانت لموضوعات الحب والزواج والعلاقات الاجتماعية، في "تمشية" تغلب موضوعات الأبوة.. بالتأكيد تُكتب المجموعات خلال فترة زمنية ممتدّة فكيف يحدث هذا التقارب في الموضوعات؟ كيف تختار موضوعاتك بشكل عام؟

* أعتقد أن للأمر علاقة بتجاربي الشخصية ككاتب، وقد نبهني كلامك الآن إلى أنك لو رجعت إلى مجموعتي القصصية الأولى "عفاريت الراديو" ستجد الموضوعات الغالبة تعود لعالم المراهقة والطفولة (طفولتي أنا هذه المرة)، وعالم طلبة الجامعة والحب الأول، وأحياناً بعض المغامرات السياسية. أخشى أن استخدم كليشيه "الموضوعات هي التي تختارني"، لكن هذا غالباً ما يحدث، لكنها دائماً أو في الغالبية الكبرى مزيج من أفكاري الوجودية وتجاربي الحياتية مهما بدا أنّها مختلقة بالكامل. ومع ذلك فإنني، حين أعود إلى بعض قصصي، أندهش حين لا أجد أي أثر لأحداثها في خبراتي الحياتية، لكن هذا نادراً ما يحدث، أقول هذا لأن أحد قرّاء المجموعة الأخيرة كتب إنه يعتقد أن القصص كلها، باستثناء القصة الأخيرة "دموع واسعة"، ربما كانت أفكاراً حوّلها الكاتب إلى قصص، فأحبّ أن أقول إنّ هذا ليس عيباً لكنه ليس صحيحاً إلا في حالات شديدة الندرة.

- المتابع لأعمالك لن يجد شخصيات معينة تتكرّر أو تتشابه، لكني لاحظت أن "فاتنة" في المجموعة الأخيرة، تقارب إلى حد ما شخصية "فاتن" في "سماء أقرب"، ليس في الاسم وحده، لكن الأهم في ملامح الشخصية الحائرة بين التزمت والانفتاح، الرغبة في الإصلاح، والتقارب في ردود الأفعال إزاء ما يخالف المعتقدات. هل أنت مشغول بهذه الفكرة وتطرحها في أعمالك عبر أكثر من شخصية أم إنها مجرد مصادفة؟

* أولاً، أود القول أن ملاحظتك هذه هي ملاحظة تليق بمن كان يسميه القدامى "قارئ أريب". الإبداع – كما تعلم – يعمل كثيراً على مستوى اللاوعي، فلا أستطيع أن أجزم بشيء، لهذا فإنني على المستوى الواعي لا أعتقد أن ثمة علاقة بين "فاتن -سماء أقرب" و"فاتنة -تمشية قصيرة مع لولو"، لكن من يعلم؟ على كل حال كانت "فاتن" في "سماء أقرب" شابة متحمسة صغيرة السن، متأثرة بصدمة شخصية، بينما "فاتنة" أكبر من الراوي بعقد كامل، وأكثر رسوخاً في أفكارها وجدية في حياتها. لكن بشكل عام، أليست تلك الحيرة بين التزمت والانفتاح، مشكلة عامة في الشخصية المصرية، خصوصاً إذا تناولناها من جهة المرأة، الأكثر معاناة من نتائج هذا التخبط الاجتماعي؟

- مجرد ملاحظة لا أعرف إن كانت لها دلالة أم لا.. بحُكم المهنة تأتي الصحافة بأكثر من شكل في أعمالك، لكن الصحافي كبطل لا يأتي إلا في الروايات!

* ملاحظة ذكية أخرى، وصحيحة، كانت الشخصية الرئيسة صحافياً في "إفلات الأصابع" والـ"مصور الصحافي" كان إحدى شخصيتين رئيسيتين في "سماء أقرب"، وأزيدك من الشعر بيتاً، فإنه في عملي المقبل ثمة صحافي آخر، لكنه ليس بطل العمل (مع الحذر الواجب في استخدام كلمة بطل). أعتقد أنّ دلالة ذلك قد تكون لجوئي عند كتابة الشخصية الرئيسة إلى عالم أعرفه، وأدرك دواخله ومعاناته وأحلامه وإحباطاته، وقد يكون ذلك حذراً أو كسلاً.

- الحلم أكبر من مجرد تقنية أو حيلة فنية في أعمالك. ما الذي يمثله لك؟

* أعتقد أن الأحلام، تماماً كما الأدب نفسه، طريقة مختلفة لتناول الواقع. بهذا المعنى، ينتمي الحلم والأدب إلى العالم نفسه، يؤثر فيهما اللاوعي بقدر ما يؤثر الوعي، أو هما اللاوعي نفسه. إنهما متصلان، ومنذ سمعت للمرة الأولى في صغري، عن فرضية أننا ربما نعيش داخل حلم إنسان آخر، وأنا لا أستطيع استبعاد هذا الاحتمال.

- يفكر أحد أبطال المجموعة في كتابة ديوان وداعي قبل الانتقال النهائي للسرد. إلى أي حد تمَسُّك هذه الفكرة، خصوصاً أن 9 سنوات مرّت تقريباً على آخر دواوينك؟

* إنها هاجس بالتأكيد، على الرغم من أن عدم نشر ديوان جديد لا يعني عدم كتابة الشعر، لكن مرّ وقت طويل بالفعل منذ نشر آخر دواويني وهذا يؤلمني بعض الشيء، لديّ ديوان عامية غير منشور، ونصوص فصحى بعضها مكتوب وبعضها ما زال علامات في رأسي، فضلاً عن كتابة الأغنيات وهي أحد أشكال الشعر، ونشرت مؤخراً ديواناً للأطفال بعنوان "أنا أعرف" لكنه مكتوب قبل سنوات. وبشكل عام أتمنى ألا يتأخر ديواني المقبل كثيراً، وأتمنى بالتأكيد ألا يكون وداعياً.

(*) محمد خير:
كاتب وصحافي، مواليد القاهرة 1978، من أهم أعماله: "عفاريت الراديو" قصص قصيرة، "هدايا الوحدة " -شعر، "ليل خارجي" -أشعار بالعامية، "سماء أقرب" – رواية، "رمش العين"- قصص، "العادات السيئة للماضي" ـ شعر، "إفلات الأصابع"- رواية. "تمشية قصيرة مع لولو" هي أحدث أعماله وصدرت مؤخراً عن الكتب خان.
تُرجمت قصائده وقصصه إلى لغات عديدة، وترجمت روايته "إفلات الأصابع" إلى اللغة الإنجليزية بواسطة روبن موجر وصدرت بعنوان SLIPPING عن دار TWO LINES PRESS في الولايات المتحدة الأميركية.
كتب العديد من الأغنيات لفنانين مصريين وعرب. ونال عدداً من الجوائز من أهمها: الجائزة المركزية لقصور الثقافة، وجائزة ساويرس الأدبية للشباب مرتين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها