الأحد 2023/03/05

آخر تحديث: 08:33 (بيروت)

اللاعب السعوديّ ومنطق السلّة

الأحد 2023/03/05
اللاعب السعوديّ ومنطق السلّة
الفراغ الرئاسي في الجمهورية اللبنانية (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
ربّما يعتبر بعضهم أنّ «لعبة» انتخاب رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة لم تبدأ بعد. لكنّ من يتمعّن في سلوك اللاعبين، يتولّد لديه الانطباع أنّ هؤلاء بدأوا يفقدون أعصابهم على الرغم من أنّ ساعة البدء لم تدقّ بعد. يقابل ذلك، في المقلب الآخر، هدوء غريب مريب مصدره المملكة العربيّة السعوديّة وسفيرها في بيروت، واقتباسات من الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. متى تبدأ اللعبة؟ وهل إنّ تغيّر قواعدها هو ما يصيب اللاعبين بالدوار والغثيان؟
لئن تضاربت الآراء في كيفيّة تأويل ما رشح وما لم يرشح من الاجتماع الخماسيّ في شأن لبنان الذي دعت إليه فرنسا، إلّا أنّ أحدهم سرّب معلومةً على جانب كبير من الأهمّيّة لم تتوقّف عندها إلّا القلّة. يقول الرواة إنّ الفرنسيّ، حين طرح مسألة الاتّفاق على رئيس للجمهوريّة ورئيس للحكومة معاً، اعترض المندوب السعوديّ بشدّة معتبراً أنّ اختيار رئيس للحكومة إنّما هو شأن آخر. بعضهم قرأ دلالات الموقف السعوديّ من وجهة نظر طائفيّة محض، بمعنى أنّ السؤال عن رئيس الحكومة شأن «سنّيّ» يخصّ المملكة بالدرجة الأولى - بعد المجلس النيابيّ طبعاً. ولذا، من غير المستحبّ اليوم طرحه على بساط البحث. ربّما ينطوي هذا التأويل على شيء من الصحّة. لكن إذا كان كذلك، فهو يخالف الرأي الذي روّج له كثر في الآونة الأخيرة أنّ المملكة غارقة في شؤونها الخاصّة، وعادت لا تهتمّ بمصير البلد الصغير على الشاطئ الشرقيّ للبحر المتوسّط، ولا سيّما مصير أهل السنّة فيه. وهذا، في ذاته، أمر يدعو إلى التفكّر والتأمّل. 

لكنّ الأهمّ في هذه المعلومة، إذا ثبتت صحّتها، هو أنّ ممثّل المملكة قطع الطريق على منطق «السلّة»، وهو منطق محبّب لدى ساسة لبنان، ولا سيّما لدى شيخهم وعميدهم الرئيس نبيه برّي. منطق السلّة هو إيّاه منطق الصفقات. فالسلّة تحفظ للمتخاصمين امتيازاتهم. لكنّها، ويا للعجب، لا تحول دون تخاصمهم هنا وثمّة، شرط ألّا يتجاوز أحدهم شروط اللعبة وما دام في السلّة بيض يكفي للجميع. بوركت السلّة وبوركت دزّينات بيضها، إذ وحدها السلّة تضمن للزمرة المارقة التي تحكم البلد تأبيد مصالحها على حساب الشجر والبشر وقيام الدولة. 

لكن يبدو أنّ اللاعب السعوديّ، ومعه دول الخليج العربيّ برمّتها، باتت لا تستهويه معادلة السلّة: الرئيس أوّلاً، ومن ثمّ لكلّ حادث حديث. وهذا الموقف كفيل بأن يجعل منطق السلال وبيضها الكبير والصغير، الذي حُكم به البلد بعد اتّفاق الطائف، يهتزّ ويتهاوى. وهو أيضاً كفيل بأن يجعل الساسة في بيروت، الذين لا تتعدّى إنجازاتهم مآثر الترويج للسلال والتهام بيضها، يقلقون بدورهم. فهم يدركون جيّداً أنّ سقوط منطق السلّة يهدّد عروشهم ويبشّرهم بهدم أبراجهم، كما تقول فيروز. 

بعيداً من بيروت، في بقعة ريفيّة هادئة، ثمّة مرشّح لرئاسة الجمهوريّة لم يترشّح بعد ما زال يراهن على منطق السلّة. والأصحّ أنّه يحلم بسلّة كبيرة تتّسع لبيض ذي أحجام مختلفة من أنحاء الإقليم كافّةً: بيض كبير من طهران والرياض، بيض أصغر حجماً بقليل من بلاد الشام، وبيض لبنانيّ صغير فرّخ في مزرعة بين بعبدا وحارة حريك. لعلّه لم يقرأ بعد علامات الأزمنة داخل الندوة البرلمانيّة. ولم يفقه معنى رحيل سعد الحريريّ بأمر عمليّات سعوديّ - أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ والأكثر فداحةً من ذلك كلّه، يبدو أنّه لم يدرك بعد مغزى الكلام الذي بلغنا، أيّها الملك السعيد، في بيروت عن تخلخل منطق السلّة في باريس. فشهوة السلطة لديه، التي تراوده منذ عقود، أعمت بصيرته، ولم تترك له مجالاً للقراءة والتفكّر والتمعّن. بيد أنّ الأوان لم يفت بعد، إذ ما زال في مقدوره أن يخرج على الملأ ويعلن أنّه غير مرشّح لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة، ونقطة على السطر، كي يوفّر على البلد المزيد من احتمالات جهنّم وشياطينها، وكي يعلن بدء نهاية الزمرة التي حوّلت الوطن إلى منهبة. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟ لعن الله السلال ومن يصنعها.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها