الأحد 2023/03/05

آخر تحديث: 08:31 (بيروت)

من ذاكرة الستينات-6:المجلات الثقافية بين الحداثة والتقليد

الأحد 2023/03/05
من ذاكرة الستينات-6:المجلات الثقافية بين الحداثة والتقليد
كانت بيروت مدينة التعدد والتنوّع والآراء والانفتاح
increase حجم الخط decrease
عندما يكون المستقبل قاتماً، كئيباً إلى هذا الحد، يصبح الترحال في الماضي القريب، علاجاً نفسياً أكثر مما هو تنقيبٌ عن الدروس والعبر. القول إننا كنا هناك، في فترة الستينات، باشراقاتها واحباطاتها، لا يعكس الرغبة بالعودة إلى الوراء. بل مجرد التوكيد على أننا لا نستطيع أن نظل هنا، في عشرينات القرن الحالي من دون ذكريات، يستعيدها الدكتور خالد زيادة، بلغة المثقف، ودقّة المؤرخ، وشغف الباحث..عن مستقبل"... بعد الحلقة الأولى والثانية والثالثة، والرابعة، والخامسة، هنا السادسة.


إذا كانت الستينات قد عرفت تراجعًا في الجدالات الأيديولوجية نظرًا للتقارب بين التيار القومي والأحزاب الشيوعية. فإن الجدالات الثقافية والأدبية قد احتدمت بين ما سمي بأنصار الحداثة وبين الذين اتهموا بأنهم من أنصار التراث والتقليد، وهذه الجدالات ذات الطابع الثقافي والتي اتخذت من القصيدة والرواية والقصة أسلحة المجابهة كانت تضمر صراع سياسي وفكري كانت المجلات الثقافية مسرحه.


ولبنان قديم العهد بالمجلات الأدبية والفكرية، فقد أصدر الشيوعي سليم خياطة مجلة الدهور عام 1934، وأصدر فؤاد حبيش في السنة التالية 1935 مجلة المكشوف، وأصدر ألبير أديب عام 1942 مجلة الأديب. ويمكن القول إن هذه المجلات كانت لبنانية الطابع في كتّابها وقرّائها. إلى أن أصدر الدكتور سهيل ادريس مجلة الآداب في مطلع عام 1953، فكانت بمثابة الإشارة إلى دور جديد تلعبه بيروت في الثقافة العربية. فقد جمع في العدد الأول من المجلة أدباء وشعراء وكتّاب من عدد من البلدان العربية: أنور المعداوي وأحمد زكي من مصر، ونزار قباني وأحمد سليمان الأحمد من سوريا، ونازك الملائكة من العراق، إضافة إلى أبرز أدباء تلك الفترة من لبنان: ميخائيل نعيمة وسعيد تقي الدين وعبدالله العلايلي وتوفيق يوسف عواد وحسين مروة. واستمر على هذا المنوال فكان من كتّاب السنة الأولى ساطع الحصري وفدوى طوقان وروز غريب ورئيف خوري وأنيس المقدسي وعبد العزيز الدوري. كما كتب فيها محمود تيمور وطه حسين.

وفي الستينات أصبحت مجلة الآداب نافذة الجيل الجديد من الكتّاب والشعراء وخصوصًا المصريين الذين وجدوا فيها سانحة للنشر بعد أن ضيّقت الرقابة عل أعمالهم، إضافة إلى الرغبة في الاطلالة على المشرق العربي. كما أنها جسّدت التحولات الثقافية والانفتاح على الأداب الأجنبية، ولعل سهيل ادريس نفسه يعبّر في سيرته عن هذه التحولات فقد درس الشريعة وتخرج شيخًا إلا أنه تخلّى عن لباس المشيخة وتابع تحصيله في جامعة السوربون في باريس، وعاد وجوديًا مترجمًا لأعمال جان بول سارتر وألبير كامو.

وفي عام 1957، أصدر يوسف الخال مجلة شعر، وكان قد أمضى سيرة حافلة ومنوعة، فقد ولد في عمار الحصن في وادي النصارى (سوريا) ودرس في مدينة طرابلس، حيث أصدر فيها رواية سلماي وهي أول أعماله عام 1936، ثم إلى بيروت حيث درس في الجامعة الأميركية. وعمل في النشر، وهاجر فترة إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يعود عام 1950، وصادف صدور مجلة شعر بعد أن وفد إلى بيروت عدد من الشعراء الذين ينتمون إلى الحزب القومي السوري (بعد اغتيال الضابط عدنان المالكي واتهام الحزب بالاغتيال). وكان الخال قد انتمى إلى الحزب عام 1934 حتى عام 1947.

ضمّت هيئة تحرير مجلة شعر عددًا من الشعراء منهم: خليل حاوي وأنسي الحاج وعلي أحمد سعيد (أدونيس) وزوجته خالدة سعيدة وشوقي أبي شقرا وعصام محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا. وقد تبنت مجلة الحداثة الشعرية وقصيدة النثر، وتأثرت بالشعراء ت، س، اليوت وعزرا بوند وعرفت بالشعر الإنكليزي. وكان أعضاء هيئة التحرير يجتمعون كل خميس، وشكّلت المجلة نقيضًا لمجلة الأداب التي كانت تدعو عبر كتّابها أمثال محمد مندور الى منظورات جديدة ونقدية، تبنّت شعر الحداثة الغربية بدون تردد.

وفي عام 1962، أصدر توفيق صايغ مجلة حوار، وهو من أصل فلسطيني وُلد في حوران ودرس في الجامعة الأميركية ثم في جامعة هارفرد. استقطبت المجلة في سنوات صدورها الخمس عددً كبيرًا من الكتّاب من أقطار عربية متعددة مثل لويس عوض ونادية لويس من مصر ومحمد الماغوط من سوريا والطيب صالح من السودان وبدر شاكر السيّاب من العراق وفالح عبد الرحمن وغالي شكري وزكريا تامر وغيرهم. كما كانت تنشر دراسات ونصوص أدبية مترجمة. إلا أن المجلة توقفت عن الصدور عام 1967، بعد أن شاع أنها تموّل من منظمة حرية الثقافة التي تموّل بدورها من وكالة المخابرات المركزية الأوروبية. وتعرضت لحملة من مناصري الخط العروبي الناصري. وكان صدورها ثم إغلاقها يعبّر عن أجواء الثقافة وصراعاتها في الستينات.


وبعد حرب حزيران (1968) أصدر الشاعر السوري ثم اللبناني أدونيس مجلة مواقف التي استقطبت أسماء كبيرة وكثيرة في ميدان الشعر والأدب والبحث. وإن كانت اعتنت بالشعر إلا أن أفسحت صفحاتها لموضوعات مثل التعددية في لبنان والتربية إضافة إلى ترجمات. وخلال مسيرتها التي استمرت على مدى 35 سنة. عرفت أكثر من جيل من الشعراء والكتّاب وجمعت بين الباحثين والشعراء والنقّاد من محمد أركون وصادق جلال العظم إلى عبد اللطيف اللعبي والياس خوري وكمال بلاطة الخ. وكان عددها الأول قد ضمّ مقالات وأبحاثاً لجاك بيرك وزكي نجيب محمود وعبدالله القصيمي ونزار قباني وانطوان مقدسي.

وكان الدكتور بشير الداعوق قد أصدر مجلة دراسات عربية عام 1964، التي اختصت بالفكر القومي والاشتراكي، وهي فكرية سياسية استقطبت كتابًا ذوي اتجاهات يسارية. وقد اتسع انتشارها بعد عام 1967 وظهور المقاومة الفلسطينية ومنظمات اليسار وكان من كتّابها جورج طرابيشي وناجي علّوش وبسام الطيبي ومنير شفيق وفواز طرابلسي ووضّاح شرارة.


ومن بين المجلات التي كانت لا تزال تصدر في ستينيات بيروت، مجلة الطريق وهي ناطقة باسم الحزب الشيوعي، وكانت تأسست عام 1941 من جانب عصبة مكافحة النازية والفاشية والمؤسسون رئيف خوري وأنطوان تابت وعمر فاخوري.

كانت بيروت مدينة التعدد والتنوّع والآراء والانفتاح. يكفي أن نذكر أن ثلاثة من رؤساء تحرير المجلات التي ذكرنا وُلد خارج حدود لبنان الرسمية، وجاء إليها في ظروف مختلفة ليقدّم تجربته الثقافية. كانت بيروت حلم لكل من يريد أن يخوض تجربته الإبداعية. قطع الشاعر العراقي سركون بولص الصحراء سيرًا على الأقدام ليصل إلى بيروت وينشر قصائده.

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها