الثلاثاء 2023/03/28

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

المسلم الاسكتلندي، والماروني اللبناني... الفراغ يأخذ مقاساتنا

الثلاثاء 2023/03/28
المسلم الاسكتلندي، والماروني اللبناني... الفراغ يأخذ مقاساتنا
من عروض "الكراسي" للروماني يوجين يونيسكو
increase حجم الخط decrease
أعلن الحزب القومي الأسكتلندي اختيار حمزة يوسف (37 عاماً)، زعيماً له، ليكون خلفاً لنيكولا ستيرجن التي أعلنت استقالتها من زعامة الحزب وبالتالي رئاسة الحكومة. وبذلك، يصبح حمزة أول رئيس وزراء (مسلم) من أصول باكستانية في اسكتلندا، وسيكون أول زعيم متحدّر من أقلية عرقية في حكومة مفوضة من المملكة المتحدة. شغل يوسف منصب وزير الصحة في حكومة ستيرجن، وهو أحد الوجوه الشابة الصاعدة بقوة في الحزب القومي الأسكتلندي، ويمثل مدينة غلاسكو في البرلمان.  

ولد حمزة هارون يوسف، في السابع من نيسان 1985، والده هو مظفر يوسف، الذي ولد بولاية البنجاب في باكستان، وهاجر برفقة أسرته إلى أسكتلندا العام 1960. أما والدته فهي شايتسا بوتا التي ولدت في كينيا وتتحدر من أسرة من جنوب آسيا. يوسف أب لطفلة ومتزوج من ممرضة مسلمة، ولا يجد أي مشكلة في الظهور رفقة والدته وأخواته وزوجته وكلهن محجبات.

قبل حمزة، اختير صادق خان، باكستاني الأصل، رئيساً لبلدية لندن. وريشي سوناك(42 عاماً) هو وزير المالية البريطانية السابق، وزعيم حزب المحافظين، والآن رئيس وزراء بريطانيا... ولد سوناك المتحدر من عائلة مهاجرة من افريقيا في مدينة ساوثهامبتون العام 1980، لأب طبيب وأمّ تعمل في مجال الصيدلة. وقدم والدا سوناك من شرق أفريقيا، وكلاهما من أصل هندي ومن أتباع الديانة الهندوسية. في 2009 تزوج من أكشاتا مورتي، وهي نجلة الملياردير الهندي ناغافارا نارايانا، مؤسس شركة التكنولوجيا "إنفوسيس"...

بروز شخصيات سياسية في بريطانيا، أصولها من العالم الثالث أو الدول النامية، يأتي بعد بروز شخصيات أدبية وروائية مهمّة، من الصومالي نور الدين فرح، والمصرية أهداف سويف، والليبي هشام مطر، والتنزاني النوبلي عبد الرزاق قرنح، إلى الباكستاني حنيف قريشي، من دون أن ننسى الهندي سلمان رشدي، وهذا جزء من ثورة التنوع الثقافي البريطاني في ظل الهجرة.

وليس إيراد هذا الكلام، وهو متداول في نشرات الأخبار ولدى معشر الفسابكة، هدفه مديح المملكة المتحدة، الامبراطورية السابقة التي باتت تنتخب شخصيات مهاجرة أو متحدّرة من مستعمراتها السابقة، لتتولى قيادة الدفّة ومسار السياسة في أعرق ديموقراطيات في العالم.... بل الهدف التأمل في أحوال الرئاسة اللبنانية، ومآلها ونظرة الزعامات المارونية إلى الشخصيات المرشحة، بل ونظرة الطوائف الأخرى إلى الرئيس الذي سمعنا أنهار الكلام والقيل والقال عن أنه بلا صلاحيات، لكن أمام هول "المعركة" وشدّتها وسذاجتها حول الكرسي، يحسب المرء أو المتابع أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية هو رئيس الكون.

نحن أمام واقع عبثي في لبنان، أو كأننا نعيش مسرحية "الكراسي" للكاتب الروماني الأصل يوجين يونيسكو، والتي غدت نصاً كلاسيكياً ورمزاً من رموز مسرح اللامعقول (العبث). تسرد "الكراسي" قصة عجوزين يستعدان لاستقبال ضيوف، لإبلاغهم رسالة، فيكدسان الكراسيّ تباعاً، من دون أن يظهر من هم الضيوف الذين سيجلسون عليها. يتوافد المدعوون، الواحد تلو الآخر، وتجسد حضورهم الكراسيّ الفارغة التي لا يشغلها أحد، والزوجة العجوز لا تنفك تسأل زوجها: هل دعوت الجميع؟ وتتكدس الكراسي الفارغة، جنباً إلى جنب، والعجوز تهمّ باستقبال الكولونيل، والإمبراطور، والسيدة الأولى، والحسناء، بما يليق بالضيوف المبجلين. ثم تتحوّل حفاوتها إلى ما يشبه الكابوس وهي تسأل زوجها: من هم هؤلاء يا عزيزي؟ من دون أن تتوقف عن رصف الكراسيّ. ويبقى السؤال: ما الرسالة التي يريد العجوزان إبلاغها كأمر ضروري لا مناص منه؟ المتفرج في مسرحية يونيسكو يواجه الحقيقة المرّة وغير المعقولة، حلقة الاتصال مفقودة بين الناس بعضهم ببعض. كل ما يحدث على خشبة المسرح لا معنى له، لكنه يتصل بتفاهة الحياة. ويعترف يونيسكو أن ثيمة المسرحية ليست الرسالة، ولا خيبات الحياة، ولا انهيار معنويات العجائز، وإنما هي الكراسيّ، بمعنى غياب الشخصيات، والفراغ الميتافيزيقي. وفي حوار مع الصحافي غي دومور في مجلة "إكسبرس"، يؤكد يونيسكو أن موضوع المسرحية يتمحور حول لاواقعية العالم، وأن وجود الكراسي فارغة، يعبّر عن الغياب، أو أننا نعيش في وسط عالم يختفي، أو يجب أن يختفي. هل يمكننا القول إننا أمام الفراغ الرئاسي في لبنان، نعيش وسط بلد يختفي؟

والحال أنه منذ وُجدتْ رئاسة الجمهورية اللبنانية، وتحديداً منذ الاستقلال، تحوّلت مشكلة دائمة، من شيء يُفترض أنه نعمة إلى نقمة، سواء في تدخل البلدان الكبرى لإتمامها، أو فرض المواصفات عليها، أو النزاعات المحلية، المارونية-المارونية واللبنانية-اللبنانية حولها... خاض بشير الجميل أطول انقلاب من أجل الرئاسة، مع شعارات شرسة وعريضة، وفي المحصلة لم يحكم، وإن قيلتْ بشأنه مجموعة كبيرة من الأساطير والمرويات. وخاض ميشال عون أشرس حروب للاستئثار بها، وفي النهاية لم يحكم... في المرة الأولى، أي غداة إعلان حروبه على حافظ الأسد و"القوات اللبنانية" وغيرهما، ترك بحراً من الأزمات والجروح العميقة. وفي المرة الثانية، أمضى عهده كأنه مجرد امتدادٍ لفراغ مديدٍ وعميق وتاريخي أو مسرحي، بل أكثر من ذلك، كان عهده محطّة أساسية لانفجار الأزمات النقدية والاقتصادية التي لا داعي لتوصيفها...  بالمختصر كان عون صانعاً للفراغ التاريخي والقاتل. لنقل أنّ النظام السوري أو الوصي الدولي، جعل الرئاسة الأولى أشبه بالصُّورية في مرحلة ما بعد الطائف. وفي مرحلة ما بعد انسحاب الجيش السوري العام 2005، صرنا أمام وجه آخر من وجوه الرئاسة، يتجلى في التعطيل والفراغ...

في بريطانيا، هناك معيار بسيط في الانتخابات، يتجلى في المواطنية والقوانين التي تتيح للشخص أن يصل بجدراته إلى مراكز متقدّمة، والبرلمانات تحاسبه، ترفّعه أو تُسقطه... في الربوع اللبنانية، البرلمان خارج المسؤولية، وخارج الدور، هو مجرد امتداد لأشباح خارجية، أو  كورس في لحظة ابرام التسويات الكبرى، هو مجرد متلقٍ وليس سيد نفسه... "العائلات الروحية" كما يحلو للبعض تسميتها، كل عائلة أو جماعة تريد الرئيس على مقاسها، "أنا أو لا أحد"، "أنا أو لا رئيس"... حزب الله، الناخب الأبرز والمؤثر الأكبر، يريد رئيساً لا يطعن المقاومة، وهو بهذه العبارة، يقول بالمضمر ثم بالمعلن: نريد سليمان فرنجية رئيساً، أي نحن الرئيس. معيار اختيار حزب الله لفرنجية ليس مشروعه ولا عبقريته، بل وفاؤه لـ"المقاومة" وصداقته مع آل الأسد. حزب الله شارك في تكريس التعطيل، أكثر من سنتين، لفرض ميشال عون رئيساً، ويمكنه أن يفعل الأمر نفسه لأجل فرنجية. السعودية التي تصالحت أو تتصالح مع إيران، تتحدث دائماً عن "مواصفات" للرئيس اللبناني. فرنسا تريد رئيساً بمواصفات مصالحها النفطية البترولية. جبران باسيل يعتقد أنه سينتهي سياسياً إذا لم يختر الرئيس بنفسه، أو على مقاسه، لذا يحارب معظم المرشحين الأقوياء، ومع أنه كان مسوّقاً للأقوى في طائفته، فهو يفضل الآن شخصاً هامشياً من الناحية الشعبية. سمير جعجع يخوض معركة كيف يمنع باسيل وفرنجية من الوصول إلى الرئاسة. في المحصلة، الفراغ "يأخذ مقاساتنا"، إذا أردنا أن نستعير العبارة الشعرية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها