الأحد 2023/03/19

آخر تحديث: 07:35 (بيروت)

من ذاكرة الستينات- 8 تدفقات فنية

الأحد 2023/03/19
من ذاكرة الستينات- 8  تدفقات فنية
إبراهيم مرعشلي مع شوشو و ماجد أفيوني في أحد العروض المسرحية
increase حجم الخط decrease

عندما يكون المستقبل قاتماً، كئيباً إلى هذا الحد، يصبح الترحال في الماضي القريب، علاجاً نفسياً أكثر مما هو تنقيبٌ عن الدروس والعبر. القول إننا كنا هناك، في فترة الستينات، باشراقاتها واحباطاتها، لا يعكس الرغبة بالعودة إلى الوراء. بل مجرد التوكيد على أننا لا نستطيع أن نظل هنا، في عشرينات القرن الحالي من دون ذكريات، يستعيدها الدكتور خالد زيادة، بلغة المثقف، ودقّة المؤرخ، وشغف الباحث.. عن مستقبل"... بعد الحلقة الأولى والثانية والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة. هنا الثامنة.


شهد عقد الستينات تدفقًا فنيًا في مجالات متعددة، الفن التشكيلي والمسرح والغناء.

عرف لبنان فنانين تشكيليين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأبرزهم حبيب سرور وداوود القرم ويوسف الحويك. وتبعهم جيل ثاني من بين ألمعهم مصطفى فروخ وصليبا الدويهي وعمر الأنسي ورشيد وهبي. وكان لتأسيس الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا) إن خرجت رعيلاً ثالثًا سيبرز في الستينات، فضلاً عن الذين درسوا في دول أوروبا، ومن بينهم شفيق عبود وجان خليفة وسعيد عقل وعارف الريّس وبول غيراغوسيان وحسين ماضي. والظاهرة الملفتة آنذاك افتتاح قاعات العرض المتخصصة (الغاليريهات) مثل: غاليري شاهين وأجيال وفنون وغاليري وان، وبرزت أسماء رعاة الفن التشكيلي مع جانين ربيز وسامية توتنجي ويوسف الخال وغيرهم. وأصبحت المعارض الفنية جزءًا من الحركة الثقافية.

وبغض النظر عن بدايات المسرح في لبنان في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن عقد الستينات شهد المسرح المحترف، الذي واكب حداثة المسرح في أوروبا وترافق مع حداثة الشعر في لبنان، كل ذلك تحت تأثير التيارات المعاصرة في أوروبا مع بريخت ويونسكو وبيكيت. ومن بين أول التجارب تأسيس حلقة المسرح اللبناني لأنطوان ملتقى، وفرقة جلال خوري، وروجيه عساف ونضال الأشقر، بالإضافة إلى مسرح شوشو الذي تعاون مع نزار ميقاتي، ودخل على خشبة المسرح عبر النصوص عصام محفوظ وهدى زكا. وبسبب التلفزيون أصبح لمسرحيين فكاهيين برامجهم الأسبوعية، مع أمثال أبو سليم وفرقته، ونزار ميقاتي وشوشو وفريق كبير من الممثلين: ماجد أفيوني، ومارسيل مارينا وإبراهيم مرعشلي. ومن المخرجين الذين ساهموا في إحياء المسرح التجريبي، تأليفًا أو اقتباسًا لأعمال عالمية نذكر شكيب خوري وريمون جبارة ويعقوب الشدراوي.

ومنذ الخمسينات بدأ الغناء، يتحرر من التأثير المصري، مع بروز ملحنين مثل حليم الرومي وزكي ناصيف وعاصي ومنصور الرحباني، وبروز أصوات غنائية مع وديع الصافي وصباح ونصري شمس الدين وفيروز ونجاح سلام. والجديد في كل هذا هو استخدام اللهجة اللبنانية في الأغنية وهي فصحى ملطفة تستخدم المفردات الشائعة (العامية)، مع الاحتفاظ بلكنة لبنانية لا هي جنوبية ولا جبلية ولا شمالية، التي تميزها عن المصرية أو الغناء البدوي أو البغدادي أو سواه.

ومع بداية الستينات عرف لبنان الفرق المسرحية الغنائية، مع فرقة "الأنوار" التي أسسها الصحافي سعيد فريحة والتي لم تعمر طويلاً. أما الرحابنة مع فيروز فأصبحوا الظاهرة الموسيقية والغنائية التي تكرست مع أول مسرحياتهم التي اشتهرت وهي موسم العز (1960) وجسر القمر (1962) والليل والقنديل (1963) وبياع الخواتم (1964) وأيام فخر الدين (1966) وهالة والملك (1967) والشخص (1969) ويعيش يعيش (1970). وتحولت بعض مسرحياتهم الغنائية إلى أفلام مثل بياع الخواتم (1965) وسفربلك (1967).

وعلى عكس الفن التشكيلي الذي بقي في حدود لبنان، والمسرح الجاد والفكاهي الذي لم يستطع أن يجذب المشاهد العربي. فإن موسيقى الرحباني مع صوت فيروز سرعان ما تجاوز حدود لبنان إلى بلدان سوريا والأردن قبل أن ينتشر عربيًا، وقد غنّت فيروز لدمشق واستقبلتها العاصمة السورية بحماس لا يقل عن حماس اللبنانيين، وغنّت لمكة وأنشدت الموشحات الأندلسية. إلا أن "مسرح الرحباني" بقي في حدود القرية اللبنانية برموزها المختار والساذج والشرطي والمحتال الخ.. ونصوص المسرح الرحباني تقترب من السذاجة والنمطية، غير أغاني فيروز التي كتبها شعراء معروفون من سعيد عقل إلى طلال حيدر إضافة إلى كلمات الأغاني التي كتبها الأخوان الرحباني ولحّن بعضها فيلمون وهبي أو سواه.

أصبحت فيروز أيقونة الغناء اللبناني وأسهم صوتها في ترسيخ الفكرة اللبنانية، بحيث أصبحت رمزًا للبنان واللبننة المنفتحة على العالم العربي. بحيث لم يعد يجرؤ أحد على القول إنه لا يستسيغ صوت فيروز أو يسمع أغانيها. ولا أحد يجاهر بأنه يفضل الاستماع إلى سواها.

ومع ذلك فإن صوت فيروز ارتبط بالصباح، ويمكن أن تسمعه على ضوء القمر (قمر مشغرة أو سواه) في الأمسيات، لكن هذه الفتاة التي تغني لحبيب بالكاد تعرفه والبعيد دائمًا، تفتقد أغانيها "لنار الشوق" كما في أغاني أم كلثوم، وربما يعود ذلك إلى أن الظاهرة الرحبانية هي أيضًا ظاهرة عائلية: نهاد (فيروز) مع شقيقتها هدى حداد، وعاصي ومنصور، يشبهون العائلة اللبنانية المحافظة على تقاليد القرية ودبكتها التي لم تستطع أن تنزل إلى المدينة الكبرى وتكون بديلاً لأنواع أخرى مثل الرقص الشرقي الذي يستدعي الأغنية المصرية.

وفي عام 1968، أنشأ عبد الحليم كركلا فرقة مسرحية راقصة قدمت عروضًا مبتكرة من الدبكة البعلبكية إلى أجواء الصحاري العربية، وقدمت عروضها على مدى عقود لاحقة شرقًا وغربًا من اليابان والصين إلى الولايات المتحدة والبرازيل مرورًا بايطاليا وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى العروض التي قدمتها في البلدان العربية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها