الثلاثاء 2023/03/14

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

"في صحتكم" لهشام طاهر.. الكرسي رمزاً للنفوذ والقوة

الثلاثاء 2023/03/14
increase حجم الخط decrease
يعرض هشام طاهر، مجموعة من الأعمال لدى "غاليري عايدة شرفان" (ستاركو – بيروت)، وقد اتخذ لمجموعته هذه عنوان "في صحتكم". لا يمكن الحكم على مضمون المعرض من خلال هذه التسمية، التي إن أشارت، بديهياً، إلى شيء، فهو ما يتعلّق بما يمكن أن يتناوله المرء من أنواع المشرب، أو المأكل، أو أي نشاطات إنسانية أخرى تصب في خانة الشعور الإيجابي تجاه مسألة ما.

تشير النشرة المخصصة للمعرض إلى أن "في صحتكم" يتكلم ويفصح عن الواقع المؤلم، والتلاشي المخيف، والصمت الذي يلف شعباً اختُزلت حضارته وثقافته، وتم تحويله إلى قطيع يُساق كيفما أراد أصحاب القرار. علماً أن هذا الحيف لا ينحصر في بلد عربي دون سواه، بل يمكن تعميم مؤثراته على المنطقة بأسرها، وهي التي يُراد لها أن تبقى مجزّأة ومنقسمة، وتُساق إلى طريق مسدود لا ثغرات فيه سوى تلك التي تؤدي إلى ملء جيوب المستفيدين من الوضع القائم.

يسعى المعرض إلى فهم الفجوات المجتمعية القائمة، وذلك من خلال الفن، وإلى توليد الشرارات التي تفضح مواطن الخلل، وتدفع إلى إعادة هيكلة أنماط التفكير القائمة. هذا من حيث المبدأ، لكن كل ما ورد ذكره يبدو أقرب إلى بيان في السياسة والإجتماع والإقتصاد، ولو بشكل مبتسر. أما في الفن، باعتباره إحدى وسائل التعبير التي يغيب عنها الكلام عادة، إلاّ من خلال بعض الأساليب التي تتعمّد تضمين اللوحة نصوصاً مختصرة، فإن الحديث يتم من خلال أدوات أخرى.

في حالات كهذه يلعب الرمز دوراً محورياً، وتصبح المفردة التشكيلية بمثابة نقطة إنطلاق، أو دعامة يتم على أساسها صوغ الفكرة في شكل تصويري مجازي. الناظر إلى أعمال هشام طاهر سيرى تجسيداً لـ"الكرسي" في مواقع عديدة، وربما في الأعمال كلّها. حول هذا الأمر يقول الفنان: "الكرسي له سحر وإغراء كبيران، وقد يتصارع عليه الناس، خصوصاً حين يدور الحديث عن كرسي السلطة، وهو الكرسي الذي يعطي لصاحبه حق اغتصاب حقوق الآخرين وإنتهاك خصوصياتهم".



وبالفعل، فإن ما يقوله طاهر، ويشاء التعبير عن حيثياته ومؤثراته، يقع في صلب التجاوزات التي تحدث هنا وهناك، ولا تقتصر على بلد واحد، كما ذكرنا آنفاً. لكن، وكما هي الحال دائماً، تبقى لكل زاوية في هذه الدنيا خصوصياتها. الكرسي لم يعد، لدى الفنان، مجرّد وجود مادي بطبيعة الحال، بل تحوّل مفردةً تشكيلية ورمزاً قائماً في ذاته. رسمه الإنطباعيون، على سبيل المثال، كجزء من "ديكور"، في حديقة أو منتزه أو على شرفة ربّما، وصمم لو كوربيزيه كرسيه الشهير La chaise – longue LC4 كنموذج أيقوني لأثاث القرن العشرين (اعتبرته المهندسة والمصصمة شارلوت بيريان، حينها، أقرب إلى مفهوم امرأة). لدى هشام طاهر، أصبح الكرسي رمزاً للنفوذ والقوّة، وكذلك "المُلك" و"الحكم"، وإلى السلطة عموماً. وللمناسبة، لا بد من ذكر ما قاله الفنان من أن هذه "التيمة"، التي شكّلت أساس المعرض، جاءت نتيجة بحث ودراسة وتفكير استمر لسنوات، كانت الكرسي خلالها هاجساً لا يفارقه، وعقدة في داخله لا تزول. بل، أكثر ذلك، لقد شكّل الكرسي عائقاً كبيراً بالنسبة إليه في مجالات حياته ومرافقها.

إلى ذلك، كان لا بد أن تؤدي هذه التيمة، التي هي بلا شك ذات أبعاد قد لا تخطر في البال للوهلة الأولى، إلى تواردات أخرى، وإلى مسائل تتمحور حول الصراع بين الخير والشر، وصراع الظالم ضد المظلوم، والإضطهاد والحصار والسياسة والحروب. كم من حرب اندلعت، وخلّفت أحقاداً ومجازر، طمعاً في الإستيلاء على الكرسي – العرش؟ وكم هي دنيئة أحابيل السياسة، خلال كل الأزمنة، الهادفة إلى تأمين مكان على كرسي، أو منصب لن يتوانى الساعي إليه عن نحر بلد وتخريبه بدلاً من التخلّي عن ذلك المنصب.

"أصبح الكرسي هو الإله الذي يسعى ويصبو إليه كل إنسان.. لقد أصبح الناس عبيداً له، متقاتلين ومتصارعين، مضحين بدماء شعوبهم من أجله، يسيرون تارة مثل القطيع، ويتصارعون تارة أخرى مثل ثيران من أجل مصالحهم.. متصادمين حيناً ومتوافقين حيناً آخر"، يقول طاهر.

قدّم الفنان الكرسي في معارض عديدة مشتركة سابقة، جاعلاً من هذا العنصر قضية للنقاش والتساؤل. في معرضه الحالي، عمد إلى تنفيذ الأعمال بأحجام كبيرة (مقاس اللوحة الموجودة على بطاقة الدعوة المسماة Compas (بوصلة) يبلغ 295 x 236 سنتم). وأراد من خلال هذه الأحجام التعبير عن هول الحدث الذي يمر به البلد والمنطقة بأكملها من صراعات على السلطة، وتناهش للمال العام من دون وازع. إضافة إلى ذلك، فإن ما يلفت الإنتباه هو تكرار العنصر – الكرسي في اللوحة، وبنظام يختلف بين عمل وآخر أو يتوافق معه، متراوحاً بين الإصطفاف العمودي والأفقي والتداخل أو التراكم. هذا التكرار يُعتبر إشارة إلى عمق المسألة وتشعبها، وما تمارسه من ضغوط على الصانع – الفنان، أو على المتلقّي.

وبالرغم مما يشوب الأعمال المعروضة من مسحة تشاؤم، ويأس من واقع ما زلنا عاجزين، بأدواتنا الخاصة، عن تغييره، فإن هاشم طاهر يفيد: "لست بصدد بث التشاؤم والطاقة السلبية لدى المتلقي، لا أريد ذلك ابداً، لكن هذا ما هو موجود صدقاً في داخلي حالياً، وأحاول جاهداً أن أكون متفائلاً، لكن الصورة التي أمام عينيّ، ولمسافة بعيدة، هي سوداء. نعم سوداء. الأمل موجود في داخلي، ولا بد من أن يأتي يوم ينتفي فيه دور هذا الكرسي، وتملأ الراحة  عالمي الخاص، وتعيش الشعوب حياة كريمة تستحقها.

ولد هشام طاهر في العراق العام 1978. وهو حاصل على دبلوم في الفنون البصرية من معهد الفنون الجميلة في بغداد العام 2007، ودرجة الماستر في الفنون من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية في بيروت العام 2022. شارك في العديد من المعارض الجماعية في تركيا، سوريا والأردن. حصل الفنان على جوائز عديدة، وهو يعيش ويعمل حالياً بين بيروت وإربيل.

(*) يستمر المعرض حتى 30 آذار/مارس في "غاليري عايدة شرفان"، ستاركو - بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها