الثلاثاء 2023/02/07

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

الحبيب السائح... لا جائزة تقول "أكتب لي تنَلني!"

الثلاثاء 2023/02/07
الحبيب السائح... لا جائزة تقول "أكتب لي تنَلني!"
increase حجم الخط decrease
يبدو للمهتمين بالشأن الأدبي والمتابعين لتطوره وكذا الكتّاب أنفسهم، أن الجوائز الأدبية المعروفة، في العالم العربي اليوم، أثّرت، خلال مدة زمنية وجيزة، في الكتابة الروائية تأثيراً لا يخفى.

يعني ذلك أنه أضحى لتلك الجوائز وجود فعلي قادر على توجيه مسارات الكتابة الروائية ـ على عكس ما كانت عليه مع المؤسسين إلى نهاية القرن الماضي ـ وذلك بآلية المعايير والشروط والإجراءات التي تحددها من دون أي إعلان عنها بصفة صريحة ومباشرة؛ سواء أكان للعموم أم للكتّاب أم لدور النشر أم للصحافة.

لكن، بدلاً من ذلك، هي تبثها في شكل رسائل تقرأ من خلال نماذج النصوص التي تمنحها الفوز، أو القبول في اللوائح الطويلة والقصيرة (بالنسبة إلى الجوائز التي تعمل بذلك)، ويتلقفها الكتّاب عن طريق قراءة تلك الأعمال.

فإن كثيراً من الكتّاب يروح يتساءل بينه وبين نفسه:
ما الذي جعل هذا العمل يحقق هذا؟

وهنا لا شك في أن نوافذ كثيرة ستفتح في ذهنه، على كتابته، هو بالذات، وعلى كتابات غيره؛ تلك التي تتوجه إلى التجريب وتلك التي تخوض في الأخلاقي والديني والجنسي والتاريخي المحظور وتلك التي لا تهادن مع السياسي (باعتبار الكتابة الأدبية معارضة لمشروعات السياسي)؛ وهي عوامل تتشابه كلها في العالم العربي. فلا يكاد يبين له منها أثر في لائحة أي جائزة. عندها، قد يُغرى بتحويل مسار مشروع كتابته لينسجم مع آلية هذه الجائزة أو تلك.
إن أي جائزة، في العالم العربي، لا تدعو أي كاتب، بعينه، إلى الترشح لها. ولا توجد دار نشر تفرض على كاتبها الترشح لأي جائزة. فكل الترشيحات هي من خيارات الكاتب. فهو وحده من يقرر. وهو وحده من يتوجه بعمله طوعا إلى أي جائزة عبر دار نشره أو بمفرده (في بعض الجوائز).

وعليه فإن لكل جائزة، في العالم العربي، الحق الكامل في وضع آلياتها التي تنتظم المنح؛ باعتبار صاحبها هو الممول؛ أي واضع المشروع والراعي له بماله، حسب الغايات التي حددها مسبقا. فلا أحد، إذاً، غيره يمكنه إملاء شروطه في المنح.

ثم إنه لا توجد جائزة أدبية إقليمية أو دولية لا تخضع لاعتبارات مسبقة تراعى قبل منحها، قد تُسقط أجمل ما رشح لها من نصوص وأجوده. فكثيرا ما يتسرب من أفواه أعضاء لجان التحكيم، وأحياناً يعلن ذلك رسمياً، أنه ليست النصوص الجميلة والجيدة هي التي تفوز دائماً.

على أن ما قد أمسى يرجرج الكتابة الروائية، بشكل عام، ويحولها، بفعل عصف ريح الشهرة والربح الاستعجاليين، عن وظيفة صراعها مع الظلم والفساد ومصادرة الحريات والتلفيقات التاريخية والتفاوتات الاجتماعية، هو أنه ما من كاتب (إلا قليلاً) صار اليوم لا يكتب إلا وفي ذهنه جائزة يمارس، لأجلها بوعي، رقابة ذاتية قاتلة؛ رقابة غير مفروضة عليه بالأصل.
ثَم يبرز الفرق الفاصل بين كاتب يكتب للكتابة، قد يسعفه الحظ في نيل جائزة، وبين كاتب يكتب أصلاً لجائزة فتكون خيبته مؤلمة إن هو فشل.

يجب القول إنه لا جائزة تقول: أكتب لي تنَلني!
ولكن..
هل الجوائز الأدبية تحولت اليوم إلى آلة للرقابة غير العلنية نابت مناب الرقابة السياسية المباشرة؟
هذا سؤال تقتضي الإجابة عنه إجراء مسح لموضوعات الروايات وتيماتها الصادرة قبل ظهور الجوائز الأدبية العربية وبعدها. 

(*) مدونة نشرها الروائي الجزائري الحبيب السائح في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها