الأحد 2023/02/26

آخر تحديث: 07:43 (بيروت)

من ذاكرة الستينات- 5:بيروت عاصمة الثقافة العربية

الأحد 2023/02/26
من ذاكرة الستينات- 5:بيروت عاصمة الثقافة العربية
ليلى بعلبكي
increase حجم الخط decrease
عندما يكون المستقبل قاتماً، كئيباً إلى هذا الحد، يصبح الترحال في الماضي القريب، علاجاً نفسياً أكثر مما هو تنقيبٌ عن الدروس والعبر. القول إننا كنا هناك، في فترة الستينات، باشراقاتها واحباطاتها، لا يعكس الرغبة بالعودة إلى الوراء. بل مجرد التوكيد على أننا لا نستطيع أن نظل هنا، في عشرينات القرن الحالي من دون ذكريات، يستعيدها الدكتور خالد زيادة، بلغة المثقف، ودقّة المؤرخ، وشغف الباحث..عن مستقبل"... بعد الحلقة الأولى والثانية والثالثة، والرابعة، هنا الخامسة:

أصبحت بيروت عاصمة للكتاب والنشر في الستينات، وخصوصًا بعد أن أُمّمت في مصر الصحافة ودور النشر، وخضع الكتاب للرقابة إلى الحدّ الذي أضطر نجيب محفوظ أن ينشر روايته "أولاد حارتنا" في دار الآداب عام 1962. وكانت أجواء الحرية النسبية جعلت من بيروت المدينة التي يتطلع إليها المثقفون من كتّاب وشعراء وروائيين لنشر أعمالهم، التي أصبحت النافذة التي يطل منها القرّاء على الآداب الأجنبية.


والنشر اللبناني سابق للستينات، فقد عرفت بيروت دور نشر نشطة في عقود سابقة، ومنها دار العلم للملايين التي نشرت كتب التاريخ والأداب والمعاجم ودار المكشوف التي نشرت لأدباء لبنان واهتمت بتاريخ لبنان القديم والأدب الساخر، والدار العصرية في صيدا ودار عويدات التي نشرت ترجمات عن الفرنسية ومن بينها سلسلة "ماذا أعرف" الغنية بعناوينها ودار الكتاب اللبناني التي اهتمت بكتب التراث، وافتتحت فرعًا في القاهرة.

إلا أن دار الأداب التي تأسست عام 1953، أصبحت علامة من علامات الثقافة والكتاب في لبنان، إذ استقبلت إنتاج الأدباء والشعراء أمثال هاني الراهب ومطاع صفدي وغسان كنفاني وعبد السلام العجيلي، وعرفت القراء بالأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية والمترجم إلى العربية، وتخصصت بنشر أعمال الوجوديين الفرنسيين جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار وألبير كامو.

ومن مؤسسات النشر التي طبعت الثقافة في لبنان "دار الطليعة" لصاحبها الدكتور بشير الداعوق الذي خصصها للدراسات البحثية في السياسة والاقتصاد والفكر القومي العربي. وبعد عام 1967 عكفت الدار على نشر المؤلفات الماركسية وترجمت بعض أعمال اسحق دويتشر عن ستالين وتروتسكي، وكذلك كتاب جون ريد عشرة أيام هزّت العالم عن الثورة الروسية. كما عرفت بالمفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي ونشرت له ترجمات من بينها الأمير الحديث. وأفسحت المجال للدراسات حول الثورات المعاصرة بما في ذلك فيتنام وفلسطين وكوبا. وأحدثت لاحقًا سلسلة التراث العربي المعاصر، وترجمت أعمال الفيلسوف هيغل وعالم النفس فرويد.

وفي عام 1967 أسس غسان تويني دار النهار التي نشرت أعمالاً بارزة مثل: الفكر العربي في عصر النهضة لألبرت حوراني وتاريخ لبنان الحديث لكمال الصليبي وهي كتب عرفت انتشارًا واسعًا. وبالإضافة إلى اهتمام الدار بتاريخ لبنان نشرت أعمالاً في القانون والسياسة والمذكرات.

(المؤرخ كمال الصليبي)


عرفت الستينات ظاهرة الأدب النسائي، وقد أفسحت دور النشر المجال لكاتبات روائيات. وإصدار أعمالهن الأولى، كانت أول الكاتبات اميلي نصرالله التي نشرت روايتها طيور أيلول (1962) التي طبعت لاحقًا طبعات عديدة ونالت ترحيبًا واسعًا وترجمت إلى عدّة لغات، وكانت هذه الرواية بمثابة العمل الأول لروائية غزيرة الإنتاج، التي أفردت جزءًا من أعمالها لأدب الأطفال.

وفي السنة نفسها نشرت دار الطليعة رواية عيناك قدري لغادة السمان، فكان لها دوي في الصحافة البيروتية، فأعقبتها مجموعة قصصية لا بحر في بيروت الصادرة عن دار الأداب عام 1963 وتكرست بذلك روائية أصدرت روايات كثيرة خلال مسيرتها الأدبية.

ومن أدبيات الستينات الروائية والكاتبة الصحافية ليلى عسيران التي قدّمت أول أعمالها لن أموت غدّا ثم الحوار الأخرس. وبعد عام 1967 أجرت تحقيقات عن واقع الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في الأردن، وكتبت العديد من الأعمال التي تنتمي إلى المقاومة الفلسطينية ومن بين أعمالها جسر الحجر وقلعة الأسطى وغيرها.

يبقى أن نُشير إلى كاتبة مرت مرورًا سريعًا في سنوات الستينات وأحدثت ضجيجًا ونقاشًا صاخبًا حول أعمالها قبل أن تتوقف عن الكتابة. إنها ليلى بعلبكي التي نشرت عام 1958 (في سن الثانية والعشرين) أول رواياتها أنا أحيا. وخلال عملها في الصحافة نشرت روايتها الالهة الممسوحة، ثم نشرت عام 1963 مجموعة قصصية بعنوان سفينة حنان إلى القمر، فأثارت عاصفة من الآراء بسبب ما قيل في بعض المقالات أنها تخرج عن الآداب العامة. الأمر الذي أدى إلى استجوابها من قبل الشرطة وأحيلت إلى المحاكمة فتضامن معها خمسون من الأدباء والكتّاب. وترافع عنها المحامي محسن سليم والد لقمان سليم. ووصلت أخبار المحاكمة إلى الصحف الأوروبية.

وإن كانت المحكمة قد أصدرت حكمها بمنع التعقبات بحقها، إلا أن ليلى بعلبكي توقفت عن الكتابة نهائيًا، قبل أن تهاجر من لبنان إلى بريطانيا. وقد اعادت دار الأداب نشر أعمالها عام 2009.

ولم تكن قضية ليلى بعلبكي سوى فاصلٍ يعكس حدود الحريات في وسط ستينات القرن العشرين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها