الثلاثاء 2023/02/21

آخر تحديث: 11:34 (بيروت)

من هو حبيب النجار الذي دمّر الزلزالُ مسجدَه؟

الثلاثاء 2023/02/21
increase حجم الخط decrease
قضى الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، على العديد من معالم مدينة أنطاكية، ومنها مسجد حبيب النجار، "وهو الأقدم في تركيا"، كما نقلت وسائل إعلام. بحسب الرواية الشائعة، شُيّد هذا المسجد في القرن السابع، سنة 638 تحديداً، على يد الصحابي أبي عبيدة بن الجراح، قبل سنة واحدة من وفاته، فكان أول المساجد التي بُنيت في الأناضول.

في القرن العاشر، وضع ابن عبد ربه الأندلسي موسوعته "العقد الفريد"، وفيها تحدث عن "الشامات"، أي بلاد الشام، وكتب في وصف الشام الخامسة: "هي قنسرين، ومدينتها العظمى حيث السلطان، حلب، وبين قنسرين وحلب أربعة فراسخ، وساحلها أنطاكية، مدينة عظيمة على شاطئ البحر، في داخلها البساتين والأنهار والمزارع، وهي مدينة حبيب النجار، الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، وبها مسجد يُنسب إلى حبيب النجار".

في القرن الحادي عشر، وضع أبو عبيد الله البكري موسوعته "المسالك والممالك"، وفيها استعاد هذا التصنيف، وكتب في وصف انطاكية: "أنطاكية مدينة عظيمة على ساحل البحر، وقالوا: كلّ شيء عند العرب من قبل الشام فهو أنطاكية، ويُقال: ليس في أرض الإسلام ولا أرض الروم مثلها. والنصارى يدعونها مدينة الله ومدينة الملك وأمّ المدائن، لأنّها أوّل بلد أظهر فيه دين النصرانية، وبها كرسي بطرس ويسمّى شمعون وسمعان، وهو خليفة إيشوع (أي يسوع) الناصري، المُرأّس على تلاميذه الاثني عشر والسبعين وغيرهم، وفي داخلها البساتين والمزارع، ويُقال إنّها مدينة حبيب النجّار".

في القرن الثاني عشر، وضع ابن عساكر موسوعته "تاريخ دمشق"، وفيها تحدّث عن "فضل مقابر أهل دمشق"، ونقل عن كعب قوله: "وبالثغور وأنطاكية قبر حبيب النجار"، وحبيب، كما أوضح العلّامة الدمشقي، هو "صاحب ياسين" الذي صدّق الرسل الذين بعث بهم عيسى إلى "القرية" بعد أن رأى من آيات الله ما رآه، فقال: "يا قوم اتبعوا المرسلين" (يس: 20)، فقتلوه، وهو القائل: "يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين" (يس: 26-27).

تربط هذه الرواية بين حبيب النجار و"أصحاب القرية" في سورة ياسين (13-30). لا يذكر النص القرآني شيئاً عن هذه القرية ولا عن أهلها سوى أنهم مشركون أرسل الله إليهم رسولين لينذرهم، فكذبوهما، فعززهما الله برسول ثالث تأكيداً منه لهذه الرسالة، لكنهم أبَوا الإصغاء إليهم واتهموهم بالكذب. "وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى"، ودعا "أصحاب القرية" إلى الإيمان بهذه الرسالة، فقتلوه، فدخل الجنة. يُجمع أعلام التفسير على القول بأن هذه القرية هي أنطاكية، وبأن هؤلاء الرسل الثلاثة كانوا رسلاً من عند المسيح عيسى بن مريم. قيل أن هؤلاء الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون، وقيل إن الرجل الذي "جاء من أقصى المدينة" هو حبيب النجار.

يذكر ابن عبد ربه الأندلسي مسجداً في أنطاكية "يُنسب إلى حبيب النجار"، ويذكر ابن عساكر "قبر حبيب النجار" في "الثغور وأنطاكية". في نهاية الحقبة العباسية، وضع ياقوت الحموي "معجم البلدان"، وذكر أنطاكية، وقال إنها "بقيت في أيدي المسلمين إلى أن ملكتها الإفرنج"، وفيها "قبر حبيب النّجّار، يُقصد من المواضع البعيدة". في المقابل، يقول ابن شداد في "الأعلاق الخطيرة": "وبإنطاكية قبر حبيب النجّار من آل ياسين وبها قبر عَوْن بن أرميا النبي عليه السلام، وقبر عَوْذ بن سام بن نوح".

في النصف الأول من القرن الرابع عشر، في عصر المماليك، مرّ ابن بطوطة بهذه المدينة، وكتب في وصفها: "هي مدينة عظيمة أصيلة، وكان عليها سور محكم لا نظير له في أسوار بلاد الشام، فلما فتحها الملك الظاهر هدم سورها. وأنطاكية كثيرة العمارة، ودورها حسنة البناء، كثيرة الأشجار والمياه، وبخارجها نهر العاصي، وبها قبر حبيب النجار رضي الله عنه، وعليه زاوية فيها الطعام للوارد والصادر".

في الخلاصة، يذكر الرواة في تلك الحقبة قبر حبيب النجار، ولا يذكرون مسجده، ممّا يوحي بأن هذا المسجد قضى وامحى إلى أن أعيد بناؤه في عهد العثمانيين، كما تمّ بناء مدرسة متاخمة له. في ذلك العهد كذلك، أطلق اسم حبيب النجار على جبل يشرف على انطاكية، كما تشير المصادر. تعرّضت انطاكية لزلزال كبير في 1853، وتصدّع المسجد إثر هذا الزلزال، وأُعيد بناؤه من جديد بعد فترة وجيزة.

يحوي هذا الموقع أربعة نواويس. تضمّ قاعة متاخمة للمسجد قبراً يُنسب الى النبي يونس، وآخر للنبي يحيى. وتضمّ غرفة أخرى تقع في سرداب تحت المسجد قبراً يُنسب الى حبيب النجار، وآخر لشمعون الصفا، أي بطرس. تثير هذه القبور الحيرة، والثابت ان اسم حبيب النجار هو الاسم الذي ارتبط ذكره بهذا الموقع على مرّ العصور، بخلاف الأسماء الأخرى. ويبقى السؤال: من هو حبيب النجار في الميراث المسيحي؟ وهل هو أغابوس الذي يوصف بالنبي؟

في الإنجيل، يرد اسم أغابوس مرّتين في سفر "أعمال الرسل" (28:9 , 10:21)، وهذا الاسم كلمة من أصل عبري معناها "المحبوب". يقول التقليد إن أغابوس كان واحداً من السبعين تلميذاً الذين أرسلهم المسيح (لوقا 10: 1)، وأنه استشهد في انطاكية، ممّا يوحي بأن قصة حبيب النجار تجد جذرها في سيرة محليّة ضائعة لهذا الرسول الذي تنبّأ بجوع واضطهاد، وبشّر في أنطاكية، وقضى نحبه فيها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها