الثلاثاء 2023/02/21

آخر تحديث: 18:27 (بيروت)

زواج مهى بيرقدار ويوسف الخال... الشعراء يشبهون العوام

الثلاثاء 2023/02/21
زواج مهى بيرقدار ويوسف الخال... الشعراء يشبهون العوام
increase حجم الخط decrease
عندما كتب الشاعر اللبناني شوقي بزيع عن "الزواج الفاشل" الذي جمع بين مؤسِّس مجلة "شعر" يوسف الخال والشاعرة مهى بَيْرقدار، التي "أهملها الخال زوجة، وأغفلها شاعرة أو أديبة"(*)... علق الصحافي في الشرق الأوسط سمير عطالله بأن "أصدقاء الخال ورفاقه كانوا يعرفون أن الزواج خالٍ من الانسجام".

والشاعر "كاره للنساء إلى درجة الاحتقار، يُعنف باستمرار الزوجة الشابة والحسناء الدمشقية، التي بهره جمالها في البداية، لكن منزلهما الزوجي ما لبث أن تحول إلى "بيت بجدران وحيطان كثيرة". ويضيف عطالله: "يجب أن نتذكر هنا أن حياة الشعراء متشابهة في حالات كثيرة. فهم لم يولدوا من أجل أن يكونوا آباء وأزواجاً صالحين، بل مجرد رفاقٍ بارعين في السلوى والعشق الهامشي كأنما الزواج عبء حدث لهم على حين غفلة". ويسأل: "لماذا قررت مهى بيرقدار التحدث الآن في مسألة حميمية إلى هذا المدى؟ آخر مرة تحدثت إليها كانت منذ حوالى العام عندما اتصلت بي تشكرني على حديث تلفزيوني، عددت فيه أفضال يوسف الخال على الحركة الأدبية والفنية برمتها بلبنان".

اختصر عطالله صورة حياة بيرقدار الزوجية المأزومة والفاشلة، ويعمم هذه الصورة على الكثير من الشعراء... وبغض النظر عن فحوى ما يريده عطالله من مقاله عن بيرقدار، نعلم أن علاقتها بيوسف الخال كانت نموذجاً فجاً عن الحداثة المأزومة في لبنان، والتي ليست إلا قشرة فارغة، ومجرد كليشيه تسلى به بعضهم في المجلات والتنظير للشعر، وربما مجرد شعار "لبنانوي" للتمايز عن شعارات كان يرفعها بعض المؤيدين للتيارات العروبية. ومشكلة الحداثيين أنهم يتمردون في تجاربهم الشعرية، وتسيطر عليهم التقاليد الدينية والاجتماعية في حياتهم اليومية.

فمهى بيرقدار الشامية، والدها المقدم محمد خير بيرقدار(كان ضابطًا في الشرطة السورية)، كانت حالمة وتريد طباعة ديوان شعر في دار "النهار" يوم تعرفت على يوسف الخال الذي كان مديراً للدار. تقول في حوار صحافي: "كان أكبر مني بسنوات كثيرة تصل إلى حدود الثلاثين عاماً، كنت أشبهه بوالدي، وتعاملت معه من منطلق نظرة التلميذ في تعامله مع أستاذه". لم يكن يخطر في بالها، أنه قد تأتي لحظة وتتزوج فيها هذا الرجل الشاعر لكنها وجدت معه "نوعاً من الأمان، وبقى يراسلني أكثر من أربعة أشهر. ثم تحوّلت رسائلنا تدريجياً إلى رسائل غرامية، أظنّ أنّه أحبّني كثيراً، كما أنّي بادلته الحبّ".

والحال أنّ بيرقدار قبل فحوى مقال شوقي بزيع، كانت تضع علاقتها الخال في موضع أنها كانت قائمة على عدم اليقين أو بقيت موضع الشك وهي وتكتم الأشياء، أو كما يقال تبلع الموس، فلا تستطيع المغادرة والعودة إلى بيت عائلتها، وعليها أن تبقى صامتة في منزلها الزوجي، حرصاً على أولادها... والظنّ بحسبها لأنه "لا يمكن لشيء ان يؤخذ بطريقة مضمونة، ما من إنسان يستطيع ان يضمن عواطف الآخر حتى النهاية. فالإنسان قد يتغير في أية لحظة(...) فهو مميز، ومثقف كبير، وشخصية فذة ولديه سطوة، ودرجة كبيرة من مزاجية الشعر والتي لا يستطيع أن يتحملها أحد إلا إذا أشتغل على نفسه كثيراً. من هنا أحسست أن علي أن أكبر بسرعة لكي أجاريه، وأتفهمه وأقبله أيضاً".

والشاعر الخال يؤكد "ظنّ" بيرقدار، يقول في مقابلة أجرتها معه الشاعرة السورية الراحلة أمل جراح: "لا أعتقد أن أي امرأة بالذات لعبت دوراً رئيسياً في حياتي. أنا أُحب عِشرة النساء، لكني لا أحب النساء، ولا أُحب جنسهن. أتعب وأضجر منهن. بيني وبينهن جدار لا يُخرق. لا أذكر أني استسلمت في حياتي لحب امرأة؛ ففي اللحظة الأخيرة أستطيع أن أتخطاه، أن أتجاوزه وأتعالى عليه (...). لي قصائد حب، إلا أن المرأة في هذه القصائد ليست سوى رمز، رمز العطاء والحنان والوجدان الإنساني. إنها الشيء الذي لا بد منه"...

ويوسف الخال ابن القسيس والانجيلي الانغليكاني السوري الأصل، تعود جذوره إلى بلدة عمار الحصن في وادي النصاري في حمص، وبطريرك "الحداثة" الشعري المسافر إلى أميركا، والمتأثر بشارل مالك القومي اللبناني (الطائفي) وبأنطون سعادة القومي السوري (العلماني). لم يقدم المساعدة لزوجته كشاعرة، رغم أنه استعمل الثقافة كطريق الى الزواج بها. فهو كان يؤمن بها "كأم وزوجة فقط، فالمرأة عنده إما أن تكون أماً أو زوجة. أما أن تكون شاعرة فهذه كانت من السلبيات لديها في رأي يوسف الخال الذي لا يمكن أن تريحه امرأة شاعرة على الإطلاق".

انطلاقاً من هذا الكلام، لا يختلف يوسف الخال عن الكثير من "العلمانيين" و"اليساريين" وحتى الشعراء الكبار الذين ينظّرون لأفكارهم التحرّرية، وفي لحظات الزواج أو الطلاق يتحولون أشخاصاً تقليديين ذكوريين، يتركون القوانين المدنية ويعودون إلى التشريعات الطائفية والدينية والبطريركية. وهذا بات واضحاً من خلال بعض المسرحيات التي عرضت في بيروت مجسدة بعض التجارب في هذا المجال.

فالشاعرة مها بيرقدار كان عمرها 25 عاماً عندما تزوجت الخال، وفارق العمر بينها وبينه 31 عاماً. وقد تزوجاً مدنياً قبل أن يكون الزواج المدني معروفاً في لبنان. وبعد زواجها منه، اختارت المسيحية أو تعمّدت، أما يوسف الخال فكان من الطائفة البروتستانتية، وهي من الطائفة السنّية، فعمّدا ولديهِما مارونياً. والشاعرة اختارت العمادة، ليس كخيار حر، بل "من أجل منع حرمانها من أولادها"، مشيرة إلى أن لا شيء أهم منهما بالنسبة إليها... والسؤال هنا من كان يريد أن يحرمها من أولادها؟ سؤال لا تجيب عنه الشاعرة، وهو يدل على شيء من نزوع عصبي في بيتها الزوجي.

باختصار كانت تجربة يوسف الخال الزوجية مع مهى بيرقدار، مُرّة، ولا يختلف الأمر في زواج سعيد عقل من آمال جنبلاط، أو زواج محمود درويش من رنا قباني، وإن كان لكل تجربة طابعها الخاص، لكن الجميع يلتقي عند نقطة الفشل.

(*) نشر النص ضمن كتاب "زواج المبدعين، ثراء المتخيل وفقر الواقع"- دار مسكلياني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها