الأحد 2023/11/05

آخر تحديث: 07:27 (بيروت)

"كريستيز"وأيمن بعلبكي:حين يُحجب وجه الملثم مرتين

الأحد 2023/11/05
"كريستيز"وأيمن بعلبكي:حين يُحجب وجه الملثم مرتين
بورتريهات الشخصيات مغطاة الوجوه التي رسمها البعلبكي وصارت بمثابة بصمة مميزة لأسلوبه
increase حجم الخط decrease
في الموسم الثامن عشر لمزادات دار كريستيز للأعمال الفنية في دبي، المنعقد العام 2015، حققت لوحة "برج بابل" (2005) للفنان اللبناني أيمن بعلبكي سعراً قياسياً، بعد أن بيعت مقابل 485 ألف دولار، وحينها استرعت الصفقة بعض الاهتمام حيث بلغ سعر البيع ثلاثة أضعاف تقييمها من قبل الدار. الفارق الواسع بين سعر التقييم الاسترشادي وسعر البيع الفعلي ليس حدثاً نادراً، وخاصة وأن تسعير الفني بالعموم عملية غائمة وتكون أقرب إلى التصويب في الظلام في سوق فني ناشئ مثل الشرق الأوسط. الفارق المفاجئ في السعر قد يشير إلى قفزة في سمعة فنان أو عمل بعينه، أو قد يصنع هذه القفزة، ومن جهة أخرى قد يلمح إلى سوء تقدير من جهة صالة المزادات والوكلاء الفنيين، وفي الحالتين يظل الفرق بالزيادة كما في مثالنا هذا، أمراً يستدعي احتفال الأطراف جميعها.

مرة أخرى، يأتي اسم بعلبكي مقترناً بدار"كريستيز" وسوء تقديرها في عناوين الأخبار الفنية، بعد أن قامت الدار بسحب عملين للفنان كان مقرراً بيعهما في مزادها لفنون الشرق الأوسط الحديثة والمعاصرة بمقرها في لندن في التاسع من الشهر الجاري. احدى اللوحتين عنوانها "الملثم" (2012) وهي بورتريه لوجه رجل مقنع بكوفيه لا يظهر منه سوى عينيه. واللوحة الثانية، بعنوان "مجهول"(2018-2011) هي بورتريه لوجه مغطى بقناع أسود للغاز، وعلى جبهته شريط أحمر مكتوب عليه بالأبيض "ثائرون". قررت الدار حجب اللوحتين، بعد تلقيها شكاوى عدة بخصوصهما، تربطهما بـ"التطرف الإسلامي". يقر احد مسؤولي الدار في تصريحاته للإعلام بأن ثمة "سوء فهم" لموضوع العملين، لكنه يضيف: "في ظل الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس. إذ يُمكن أن تُفهم بشكل خاطئ، وكأنها تصوّر مقاتلي المقاومة الإسلامية، من قبل أي شخص ليس على دراية بتاريخ المنطقة".

يلقي تاريخ السابع من أكتوبر بظلال ثقيلة على الحضور العربي في الحقول الثقافية والفنية الغربية. "كريستيز" المعنية بالمبيعات أكثر من أي شيء، تعرض بيع اللوحتين خارج المزاد، هي حقا غير مهتمة بـ"الحجب أو فرض الرقابة على أحد أهم فناني الشرق الأوسط"، كما اتهمهما مالك اللوحتين. الهدف تتميم صفقة بيع بأي حال، وبأقل قدر من الإزعاج. يدرك خبراء تقييم الدار أن اللوحتين تعكسان تيمة مركزية لدى بعلبكي، المولود في عام انطلاق الحرب الأهلية اللبنانية، والمشغول بتيمات القتال والتهجير والدمار. الوجوه المغطاة والشخصيات المجهولة والأبنية الخربة وأنقاض المدن هي الموضوعات التي أعاد تكرارها المرة بعد الأخرى بطول مساره الفنّي. لوحة الملثم المشار إليها هي واحدة في سلسلة طويلة من بورتريهات الشخصيات مغطاة الوجوه التي رسمها البعلبكي وصارت بمثابة بصمة مميزة لأسلوبه، "الملثم" على الأغلب مستلهمة من أخيلة الحرب الأهلية اللبنانية وذكراها، وليست ذات صلة مباشرة بالحرب الدائرة في غزة اليوم. أما اللوحة الثانية فهي الأبعد تماماً عن هذا السياق، حيث يحيل فيها بعلبكي إلى محتجي ميدان التحرير في الثورة المصرية.

ثمة حس بطولي في وجوه بعلبكي الملثمة، كما أن هناك حنيناً ما نحو الخرائب التي يرسمها، ولعل تلك الوجوه والأبنية المهدمة هي نفس الشيء. بالنسبة لبعلبكي الفن ليس صورة للواقع، بل أداة للبقاء، ونبوءة عن دائرة العنف شبه الأبدية في منطقتنا. بلا شك فإن خبراء "كرستيز" ملمون بتلك التفاصيل والخلفيات، ولعل أعمال بعلبكي دون غيره، وهو عن جدارة فنان خرابنا المعاصر، هي الأليق بالعرض والتأمل اليوم على خلفية الحرب الدائرة في غزة. إلا أن الدار، وبحجة تفادي الفهم الخطأ المدفوع بعدم الدراية، نزعتْ اللوحتين عن حوائط صالتها اللندنية، فكوفية ووجه ملثم وفنان عربي في هذا التوقيت هو خليط يجلب صداعاً لا تحتاجه، والحل السهل هو عقد الصفقات في المكاتب الخلفية، بعيداً عن أعين الجمهور، حيث يحجب وجه الملثم لمرة ثانية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها