السبت 2023/11/18

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

غزة الاستقالة الجماعية: "فجوة في الأخبار بحجم الشعر"

السبت 2023/11/18
غزة الاستقالة الجماعية: "فجوة في الأخبار بحجم الشعر"
آن بوير"حرب دولة إسرائيل المدعومة أميركيا ضد سكان غزة" تترك مساحة ضيقة للكلمات
increase حجم الخط decrease
آخر كُتب آن بوير، الصادر في العام 2019، عن تجربتها مع سرطان الثدي، حمل عنواناً مسهباً: "عدم الموت: الألم، والضعف، والفناء، والطب، والفن، والوقت، والأحلام، والبيانات، والإرهاق، والسرطان، الرعاية". إلا أن الشاعرة الأميركية ذات الأصول اليهودية، اكتفت بنص شديد الإيجاز لتقديم استقالتها قبل يومين من وظيفتها كمحررة للشعر في مجلة "نيويورك تايمز". "حرب دولة إسرائيل المدعومة أميركياً ضد سكان غزة" تترك مساحة ضيقة للكلمات، ومعها كما تقول بوير في بيانها فإن "العالم والمستقبل وقلوبنا- وكل شيء يصير أصغر وأقسى".
 
تضيف: "لأن وضعنا الراهن هو حالة التعبير عن الذات، أحياناً يكون الرفض هو كل ما تبقى للفنان. لذلك أنا أرفض. لا أستطيع الكتابة عن الشعر وسط النبرات "العقلانية" لأولئك الذين يريدون لنا التأقلم مع هذه المعاناة غير المعقولة. لا مزيد من الاستعارات الملطفة للشناعة. لا مزيد من مشاهد الجحيم المعقمة لفظيًا. لا مزيد من الأكاذيب المحرضة على الحرب. وإذا كانت هذه الاستقالة تترك فجوة في الأخبار بحجم الشعر، فهذا هو الشكل الحقيقي للحاضر".

تحتج بوير، ولعلها تستلهم في احتجاجها خطاب الروائي الفرنسي اميل زولا، الشهير "أنا أتهم"، وتكتفي بالرفض. في عالم راهن تقلص فيه الإبداع إلى الخانة الضيقة للتعبير عن الذات، لا تمتلك غير الامتناع، ترفض التواطؤ، وترفض أن تكون نغمة إضافية في جوقة الأكاذيب.

الرفض فعل سلبي، لكنه على الأقل يخلف الفجوات. بالتأكيد تحتج بوير على السياسة التحريرية للمجلة، ولعلها تحتج على إرغام زميلتها الكاتبة جازمين هيوز، على الاستقالة من المجلة يوم الجمعة الماضي، بسبب توقيعها على بيان "كتّاب ضد الحرب على غزة". كل هذا قد يكون صحيحاً، لكن بوير تبدو أيضاً وكأنها تردد صدى خلاصة ثيودور أدورنو، "لا شعر بعد أوشفيتز"، فيما تتكلم عن شكل الحاضر المنتزع منه الشعر، أو عن الشعر بوصفه فراغاً في زمننا.

وثمة استقالات أخرى: "في الظروف الراهنة، لا نعتقد أن هناك مساحة في ألمانيا لتبادل منفتح للأفكار وتطوير مناهج فنية معقدة ودقيقة يستحقها فنانو دوكومتا وقيّمو معارضه. نحن لا نعتقد أنه من الممكن توفر ظروف مقبولة على المدى القصير ونعتبر أنه سيكون من عدم الاحترام لإرث دوكومنتا أن نبقى راضين عن الوضع الحالي. ولذلك، فإننا نستقيل بكل احترام من لجنة الاختيار في دوكومنتا16"...
 
في نص استقالتهم الجماعية، يكتب أعضاء لجنة الاختيار لمعرض "دوكومنتا" الفني الألماني، عن "الظروف الراهنة"، مثلهم مثل بوير. ثمة افتقاد هنا أيضاً، غياب يتجاوز الشعر ليشمل الفني وأي إمكانية للتفاهم. الموقعون هم سيمون نجامي وغونغ يان وكاثرين رومبرغ وماريا إينيس رودريغيز، لكن سبقهم عضوان آخران. الفنانة والمحللة النفسية الإسرائيلية، براخا إيتنغر، قدمت استقالتها يوم الجمعة بسبب ما وصفته بـ"الأوقات المظلمة"، وتضيف "لقد عانى المدنيون الأبرياء، وماتوا، قلبي يبكي على كل موت، من كل جانب، كل حياة ثمينة". في اليوم نفسه، قدم الشاعر والناقد الفني والمنظّر الثقافي الهندي، رانجيت هوسكوت، استقالته بعد وصمة معاداة السامية التي ألصقتها به الصحف الألمانية، وشدد عليها وزير الثقافة الألماني لاحقاً، مرفقة بتهديد بقطع الدعم المالي عن المعرض. في جو من الارتياب والترصد فتش الإعلام الألماني وراء هوسكوت، ووجدوا أنه قد وقع بياناً لحركة المقاطعة في العام 2019، عارض فيه مقارنة الصهيونية بالقومية الهندوسية.

في تلك الاستقالات، غزة عنوان الراهن، وتكشف في راهنيتها غيابات عديدة وفجوات وشقوق في الحقول الثقافية حول العالم. فراغات ليست فقط بحجم الشعر، بل تتعلق بإمكانيته بالأساس وبإمكانية الفن بل وإمكانية أي حوار. هل حقاً يتعلق الأمر بالراهن؟ أم أن الحال كان هكذا دائماً ولم ننتبه سوى بعد غزة؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها