لكن الإعلام المحلي فاجأ المتابعين، قبل أيام، بنشره خبراً موجزاً منقولاً عن موقع "الأمانة السورية للتنمية" التي تديرها أسماء الأسد، ويفيد بأن عمليات وأشغالاً سميت بـ"استجابة ساروجة"، دخلت المرحلة الثانية بعد الانتهاء من أعمال المرحلة الأولى التي تضمّنت خدمات إغاثية وقانونية للمتضررين من الحريق!
وفي خلفية الخبر، ذكر إعلام النظام بأن "الأمانة السورية للتنمية"، في المرحلة الثانية، تعمل على إعادة تأهيل الوحدات السكنية الخاصة ضمن الحي العتيق، ما يتضمن أعمال الترحيل والتدعيم الدائم ومعالجة الأجزاء المتضرّرة والتمديدات الكهربائية، بما يتناسب مع هوية المنطقة.
وبحسب موقع "الأمانة"، فإن شركة "دياري" (وهي جزء من منظومتها)، هي الجهة التي تنفذ أعمال الترميم والتأهيل، بناء على الدراسات الفنية التي أُنجزت حول الحي، وخصوصية واحتياجات كل منزل، حيث من المتوقع أن تنتهي أعمال الترميم والتأهيل خلال ثلاثة أشهر.
المعطيات المنشورة أعلاه تعني أن عملية الترميم التي سبق وقدَّر كلفتها بسرعة، المدير العام لمديرية الآثار والمتاحف، نظير عوض، بستة مليارات ليرة سورية (
انظر تقرير المدن المنشور سابقاً)، قد مُنحت كغيرها، إلى جهة يبدو أنها تمضي في خطوات مدروسة نحو إكمال سيطرة مضطردة على وسط مدينة دمشق، لا سيما المناطق ذات الطابع الأثري. فقد سبق أن تولّت المؤسسة ذاتها عملية ترميم التكية السليمانية، وسوق المهن اليدوية التي نُقلت إلى أحد مقرات وزارة الثقافة في دمّر غربي دمشق.
طبعاً، لا جديد في شأن تحوّل الفضاء الدمشقي لمساحة استثمارية لمؤسسات أسماء الأسد، بعدما باتت اللاعب الأكبر في الاقتصاد السوري، وفق أسلوب مافيوي، يتمثل في آليات عمل المكتب السري الذي يتولى فرض الأتاوات على الفعاليات الاقتصادية الخاصة.
غير أن اللافت هنا، هو التلاصق المريب بين أمانتها للتنمية وبين عمل وزارة الثقافة ومؤسساتها، إذ سبق أن نشرت الوزارة تقارير عن قيام فرقها بإنجاز المرحلة التي تلت وقوع الحريق، أي تقدير الأضرار ودراسة التكاليف، واللقاء مع السكان المتضررين. بينما أشارت "الأمانة" إلى أن فرقها قامت بالمرحلة الأولى للاستجابة وتتضمن "الدراسات الفنية التي أُنجزتْ حول الحي العتيق وخصوصية واحتياجات كل منزل"! يعني ذلك وجود تقاسم في الأدوار بين الجهتين، إن لم نقل بأن الأمانة قد استولت على عمل موظفي وزارة الثقافة!
كما يجب التوقف عند استخدام "الأمانة" لمؤسسة دولية في هذا السياق، إذ أشار موقعها إلى عملها مع شركاء تمّ تعيينهم في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من دون أن يعرف المتابع ما علاقة هذه المؤسسة بالموضوع سوى ما ذكره الموقع من أن وجودها مرتبط بـ"تقييم الوضع الحالي وتحديد الاحتياجات والموارد المطلوبة لتحقيق استجابة فعالة، بحيث يُستند إلى هذه التقييمات في عملية التخطيط والعمل، بما يتيح الحصول على صورة بالغة الدقّة عن الواقع الراهن لتوحيد الجهود والوصول لمرحلة التعافي من آثار الحريق".
لكن، قبل هذا كله، يجدر بالمتابعين التوقف عند شق قانوني يبدو أنه مُدرَج تحت بند التجهيل، أي تركه بلا تفسير، والمقصود عملية التلزيم ذاتها، والتي عادة ما تتم وفق مناقصات تعلن عنها الجهة صاحبة الوصاية على المكان. لكن هذا لم يحصل، على ما يبدو، إذ لم تُعلن خلال الفترة الماضية أي مناقصة خاصة في حي ساروجة، أو حارة العقيبة التي تقع فيها البيوت المتضررة من الحريق، إذ لا يوجد شيء كهذا في موقع محافظة دمشق، ولا يحتوي موقع وزارة الثقافة على إشارة للأمر، كما أن نشر هذه المناقصة ذات الطابع الحيوي والثقافي، سيكون أمراً لافتاً في الإعلام المحلي الذي نام طيلة الأشهر الماضية عن هذه القصة، ثم استيقظ فجأة عبر خبر منقول عن موقع "الأمانة السورية للتنمية"!
لا نأتي بجديد حين نتحدث عن غياب السياق القانوني لمثل هذه العمليات والإجراءات في مسائل ذات طابع حساس بالنسبة للدمشقيين، وحتى حين يحضر، فإنه يؤطَّر بعدم وضوح العلاقة بين المؤسسة الرسمية وبين الجهات المستفيدة. وقد سبق أن اهتم السوريون، خلال الأسبوعين الماضيين، بقضية المركز التجاري BIG5، الذي أُنذر من قبل محافظة دمشق بالهدم خلال 15 يوماً ثم حُلّت مشكلته، التي قيل إنها مرتبطة بالأتاوة التي يتوجب عليه أن يدفعها لمكتب أسماء الأسد السري!
كما أننا لا نصدم أحداً حين نشير إلى تمدّد سيطرة السيدة الأولى، على الأمكنة ذات القيمة الأثرية، وما يظهر الآن هو قمة جبل الجليد الذي يكبر يوماً بعد يوم في محيط الفساد الذي أغرقت به عائلة الأسد سوريا.
ليس جديداً تحوّل المؤسسات السورية العامة إلى أدوات خادمة لمؤسسات العائلة، لكن يجب الانتباه إليه دائماً، وتوثيقه. فكلما وقعت حادثة مريبة من نمط حريق ساروجة، يتوقّع السوريون ويتكهنون بأن الواقعة قد حصلت بفعل فاعل، ويتهمون في مثل هذا النمط إيران، بعدما ثبت قيام أدواتها بمحاولات للسيطرة على الوسط التجاري التقليدي في الأسواق الدمشقية القديمة، حيث تكررت الحرائق في سوق العصرونية وغيرها.
وإذا صرنا نعرف بأن شبكة أسماء الأسد الاقتصادية، بحسب المعطيات التي أشار لها مركز الشبكات السياسية والاقتصادية والوثائق، ترتبط بشكل جليّ مع الحرس الثوري الإيراني، فإن هذا ليس إلا بضعة من سبب يُبطل العجب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها