الثلاثاء 2023/10/31

آخر تحديث: 15:27 (بيروت)

أحمد غصين لـ"المدن" عن "سيروتونين وبنزين"...الجسد أول ضحايا الانهيار

الثلاثاء 2023/10/31
أحمد غصين لـ"المدن" عن "سيروتونين وبنزين"...الجسد أول ضحايا الانهيار
أمضيت ساعات طويلة أقلب في يدي دفتر التوفير المصرفي بلا جدوى
increase حجم الخط decrease
يقدم المخرج والفنان اللبناني، أحمد غصين، في غاليري "المرفأ"، معرضاً بعنوان "سيروتونين، بنزين وجسد خائن"، وهو عبارة عن أعمال نصية ومنحوتات وصور وفيديو، يحاول فيه تأمل أو محاكاة السنوات الماضية العاصفة، والتي ضربت لبنان بالانهيار الاقتصادي والانتفاضة والوباء والانفجار. عن المعرض، أجرت معه "المدن" هذا الحوار..

قدّمتَ نصاً طويلاً عند مدخل المعرض، هل قصدت أن يكون تفسيرياً للمعرض؟

* هو الجزء النظري من المعرض، وشكل من أشكال التعبير أو إخراج ما في الصدر من أسئلة وتأملات في أحداث عصفت بنا، ودفعتني للعمل على هذه المواد المختلفة من المعرض. لكل مادة قصتها وظروفها، لم أختر الشكل، بل فرضت الأحداث موادها، تماماً مثل الغالون الذي يُفرض عليك في الأزمات، ويتحول من غالون ماء الى غالون بنزين، وما يتبعه من إكسسوارات مثل النربيش والقمع لتعبئة سيارتك التي تصبح هاجسك، لأن جمودها أو غيابها يعني توقفك عن الحركة وجمودك أنت أيضاً، فتصبح سجيناً داخل مدينة مسجونة.

- تبالغ في تحويلك للأدوات اليومية البلاستيكية، فتحولها الى منحوتات ملونة وتطليها بماء الذهب لتصبح منحوتات كلاسيكية في المتاحف التقليدية.

* في الأزمات هي قطع نادرة، وإن كانت من البلاستيك. وتحولها من غالونات ماء إلى بنزين، وتحول الألوان الشفافة فيها إلى ألوان متعدّدة، يصبح هاجساً. حين سمعت بائع البنزين يقول لي إنه غالون أصلي، يعني مختوم، ذهبت معه لكي أرى كيف يُختم الغالون، كيف يملأه ومن ثم يقدمه لزبائنه كأنه خارج من شركة سوق سوداء للتو. غالون ماء معبأ بالبنزين، في بلد لا ماء فيه يصل للمنازل ولا وقود. ثم أتابع هوسي بالأشكال والماسات المختلفة لنصف قنينة ماء مع أنبوب مربوط وموصول بها، تحولت إلى أداة لسكب البنزين من الغالون إلى السيارة.

 

- ما قصة منحوتة ورق المال المكدس؟ 

* هي أوراق نقدية فعلاً، أوراق لم تعد لها قيمة. أنا، مثل الكثيرين في هذا البلد الذين خسروا مدخراتهم، أمضيت ساعات طويلة أقلب في يدي دفتر التوفير المصرفي بلا جدوى. أتذكّر صديقاً حاول مراراً أن يقنعني بفتح حساب توفير للتقاعد. كان يخاف من فكرة أن لا أمان ولا ضمان لشيخوختنا، أقصد العاملين في القطاع الحر. أخذ يوفر من أمواله شهرياً، ويضع المبلغ الذييستطيعه في حساب توفير لبنك أقنعه بأن شيخوخته في أمان معه. حين استولوا على أمواله، شعرت أنه كبر عشرين عاماً. أنظر إلى دفتر حسابي البنكي بالليرة اللبنانية، أحسب قيمة الأموال الباقية وأقرّر أنّ أحولها إلى عمل فنّي بعنوان "عم قصّ مصاري قصّ"، بحيث تكون ورقة الألف ليرة والخمسة آلاف والعشرة آلاف والعشرين ألف، أي تلك العملات التي فقدت قيمتها الشرائية، هي العمل. أردت إهداء هذا العمل إلى هذا الصديق الذي فقد نصف عمره.



الفيديو الذي أديته وسمّيته "شو قلبك عم يوجعك؟" هو وجع حقيقي وشخصي. الجسد الذي يخون والأحداث التي تدور حوله وتضغط على خلاياه العصبية..

* الجسد أول من يدفع ثمن الانهيارات والخيبة. أردت أن أجلس أمام سرير، يلتبس عليك إن كان في غرفة منزل أو مستشفى أو سجن. أمام الجائحة والانتظار والملل، رحت أجمع الاخبار التي تدعو للغرابة والجنون في البلد: إعلامية تشم رائحة الغاز من حقول النفط في عرض البحر، ظهور نبي جديد في المدينة، صاحب مولد يقطع الكهرباء عن مركز للشرطة لعدم قدرتهم على دفع الفاتورة، السفارة الأميركية تستعيد 16 كلباً بوليسياً من الشرطة بسبب الجوع الشديد وسوء التغذية، وزير التربية يريد أن يضع مكبرات صوتية على سيارات تجوب الشوارع وتعطي دروساً للأطفال القابعين في بيوتهم... كلما سمعت خبراً من هذا النوع، كلما زادت حاجتي للمهدئات، وأصاب بنوبات ضيق تنفس، فأهرول إلى المستشفى ليسألوني كل مرة: شو قلبك عم يوجعك؟

 


- ماذا عن لوحات الرقيب وكاميراته ووجوه المتظاهرين البيضاء أو المتحلّلة؟

* ولدت العلاقة بيننا صدفة، كنت بين المتظاهرين وكانت صورنا في كاميرا قديمة، أخذتني الحشرية أن أصوره بكاميراته وملله. هو يشبه تماماً السلطة بأدوات رقابتها البائدة، محوت وجوه المتظاهرين وأبقيته بحالاته الست وكاميراته التي لا أدرى إن كانت تعمل أو هي كانت موجودة معه فقط لإخافتنا وتهديدينا بأرشفة وجوهنا. أردت في الأعمال الستة أن أمحو وجوهاً لم تعد موجودة في الساحات، لأبقيه هو الثابت بنظامه يراقب.

العمل الأخير في المعرض، مجسم مدينة بيروت من الكاوتشوك، لكنها تظهر مدينة مفكّكة ومتحلّلة؟

* هذا العمل أشبه بمحاكاة لعمل سابق للفنان مروان رشماوي عن مدينة بيروت. أبقيت فيها البرلمان والسرايا والمنطقة المحرمة على المتظاهرين. أما ما عداها فكانت أبنية أصابها عصف الانفجار أو الهلاك. لا ملامح للأبنية، فقط مربع النظام الثابت، والمدينة حوله متحللة.
_____________

(**) يستمر المعرض في غاليري المرفأ -بيروت، لغاية 7 كانون الأول/ديسمبر 2023.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها