- ما قصة منحوتة ورق المال المكدس؟
* هي أوراق نقدية فعلاً، أوراق لم تعد لها قيمة. أنا، مثل الكثيرين في هذا البلد الذين خسروا مدخراتهم، أمضيت ساعات طويلة أقلب في يدي دفتر التوفير المصرفي بلا جدوى. أتذكّر صديقاً حاول مراراً أن يقنعني بفتح حساب توفير للتقاعد. كان يخاف من فكرة أن لا أمان ولا ضمان لشيخوختنا، أقصد العاملين في القطاع الحر. أخذ يوفر من أمواله شهرياً، ويضع المبلغ الذييستطيعه في حساب توفير لبنك أقنعه بأن شيخوخته في أمان معه. حين استولوا على أمواله، شعرت أنه كبر عشرين عاماً. أنظر إلى دفتر حسابي البنكي بالليرة اللبنانية، أحسب قيمة الأموال الباقية وأقرّر أنّ أحولها إلى عمل فنّي بعنوان "عم قصّ مصاري قصّ"، بحيث تكون ورقة الألف ليرة والخمسة آلاف والعشرة آلاف والعشرين ألف، أي تلك العملات التي فقدت قيمتها الشرائية، هي العمل. أردت إهداء هذا العمل إلى هذا الصديق الذي فقد نصف عمره.
- الفيديو الذي أديته وسمّيته "شو قلبك عم يوجعك؟" هو وجع حقيقي وشخصي. الجسد الذي يخون والأحداث التي تدور حوله وتضغط على خلاياه العصبية..
* الجسد أول من يدفع ثمن الانهيارات والخيبة. أردت أن أجلس أمام سرير، يلتبس عليك إن كان في غرفة منزل أو مستشفى أو سجن. أمام الجائحة والانتظار والملل، رحت أجمع الاخبار التي تدعو للغرابة والجنون في البلد: إعلامية تشم رائحة الغاز من حقول النفط في عرض البحر، ظهور نبي جديد في المدينة، صاحب مولد يقطع الكهرباء عن مركز للشرطة لعدم قدرتهم على دفع الفاتورة، السفارة الأميركية تستعيد 16 كلباً بوليسياً من الشرطة بسبب الجوع الشديد وسوء التغذية، وزير التربية يريد أن يضع مكبرات صوتية على سيارات تجوب الشوارع وتعطي دروساً للأطفال القابعين في بيوتهم... كلما سمعت خبراً من هذا النوع، كلما زادت حاجتي للمهدئات، وأصاب بنوبات ضيق تنفس، فأهرول إلى المستشفى ليسألوني كل مرة: شو قلبك عم يوجعك؟
- ماذا عن لوحات الرقيب وكاميراته ووجوه المتظاهرين البيضاء أو المتحلّلة؟
* ولدت العلاقة بيننا صدفة، كنت بين المتظاهرين وكانت صورنا في كاميرا قديمة، أخذتني الحشرية أن أصوره بكاميراته وملله. هو يشبه تماماً السلطة بأدوات رقابتها البائدة، محوت وجوه المتظاهرين وأبقيته بحالاته الست وكاميراته التي لا أدرى إن كانت تعمل أو هي كانت موجودة معه فقط لإخافتنا وتهديدينا بأرشفة وجوهنا. أردت في الأعمال الستة أن أمحو وجوهاً لم تعد موجودة في الساحات، لأبقيه هو الثابت بنظامه يراقب.
- العمل الأخير في المعرض، مجسم مدينة بيروت من الكاوتشوك، لكنها تظهر مدينة مفكّكة ومتحلّلة؟
* هذا العمل أشبه بمحاكاة لعمل سابق للفنان مروان رشماوي عن مدينة بيروت. أبقيت فيها البرلمان والسرايا والمنطقة المحرمة على المتظاهرين. أما ما عداها فكانت أبنية أصابها عصف الانفجار أو الهلاك. لا ملامح للأبنية، فقط مربع النظام الثابت، والمدينة حوله متحللة.
_____________
(**) يستمر المعرض في غاليري المرفأ -بيروت، لغاية 7 كانون الأول/ديسمبر 2023.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها