الخميس 2023/01/05

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

هتلر وفرانكو وفيديلا وستالين...هذا ما فعلوه بالأطفال

الخميس 2023/01/05
increase حجم الخط decrease
قبل أيام، أعلنت "جدّات ساحة مايو" في الأرجنتين "العثور" على طفل سرق في عهد ديكتاتورية خورخي رافائيل فيديلا، المعروف أيضاً باسم "هتلر البامباس" (1976-1983)، وهو الحفيد الـ131 الذي يستعيد هويته، وقد وُلد لزوجين اعتقلا العام 1977 ثم فُقدا.  

وقالت زعيمة الجدات، إيستيلا دي كارلوتو، إن "الحفيد الرقم 131" هو ابن المناضلَين الماركسيَين السابقَين، لوسيا نادين وألدو كيفيدو، المتحدرَين من مندوزا، وكانا معتقلين في بوينوس آيرس في أكتوبر (تشرين الأول) 1977. وقد يكون الطفل قد ولد في مدرسة البحرية للميكانيك التي أصبح جناح فيها أحد أشهر مراكز الاحتجاز والتعذيب في عهد الديكتاتورية.

بالطبع، ليست المرة الأولى التي يثار موضوع خطف الأطفال وتعنيفهم وفصلهم عن أهلم وحتى قتلهم باسم الايديولوجيا والدين والسياسة... من يتابع بعض المقالات المتفرقة وتاريخ القرن العشرين تحديداً، وهو قرن صعود القوميات والإيديولوجيات، يجده مليئاً بالصفحات السوداء التي تقشعر لها الأبدان، صفحات تعبّر عن هذا السلوك الوحشي والإجرامي للأيديولوجات والقوميات والديكتاتوريات. من خلال عنوان الفيلم "الأرجنتين 1985" إخراج سانتياغو ميتري، تمكن الكاتب من سرد التعذيب الجماعي والاغتصاب والقتل و"الاختفاء" لأكثر من 30000 ألف مدني أرجنتيني من قبل الديكتاتورية العسكرية خلال ما يسمى بالحرب القذرة، وانتزاع مئات الأطفال، تتراوح تقديرات عددهم بما بين 300 و500 تقريباً، وهم الذين ولدوا لأمهات محتجزات اختفين بعد ذلك، وسُلّم الأطفال لأسر كانت تريد تبني طفل أو لم تتمكن من الإنجاب، قريبة من السلطة بشكل عام. وكانت الفكرة هي تنشئة طفل "يفكر بشكل سليم" سياسياً.

والجرائم بحق اللأطفال وغيرهم في الأرجنتين في زمن الديكتاتورية، تشكّل امتداداً نافلاً للديكتاتوريات الأخرى في أوروبا، وتحديداً ألمانيا الهتلرية وإسبانيا الفرانكوية. فبعد صعود هتلر الى السلطة، كان مهتماً بشكل كبير بعدد الأطفال الألمان، ولذلك بدأ برنامجاً اجتماعياً لرفع النسبة المئوية للأطفال الآريين، ووضع على القائمين على البرنامج أو كما أطلق عليه في ما بعد "المصنع" أساساً لكل طفل في المانيا ليكون في حالة بدنية عالية ومتفوقة و"سوبرمانية"، والتلقين المبكر للأيديولوجيات النازية. وكان بعض بلدان أوروبا الشرقية والاسكندنافية مصدراً أساسياً لهتلر ونظامه وقواته لجمع أطفالهم وتحويلهم أطفالاً نازيين، ومع بداية اجتياح النازيين الأراضي البولندية مطلع شهر أيلول/ سبتمبر 1939، روّج النازيون معلومات تحدّثوا من خلالها عن الأصول الألمانية لهؤلاء الأطفال (البولنديين والاستونيين والنروجيين ولاتفيين واليوغسلافيين)، لمجرد أنهم من أصحاب الشعر الأصفر والعيون الزرقاء، ليشرّعوا لأنفسهم بذلك عملية خطف هؤلاء الأطفال ونقلهم إلى ألمانيا. ومع حلول شهر شباط/ فبراير 1942، أمر أولريش غريفيلت، المسؤول في مفوضية الرايخ، ببدء عملية تحديد الأطفال البولنديين الحاملين لخاصيات العرق الآري وانتزاعهم من عائلاتهم بشتى السبل. وقد خدع النازيون آلاف العائلات وسرقوا منهم أطفالهم عن طريق إيهامهم بوجود تهديد صحي وضرورة اصطحاب حديثي الولادة بشكل مؤقت لمكان آمن...
 
وعقب اختطافهم، يرسل الأطفال البولنديون إلى أماكن للخضوع لجانب من الفحوص النازية. وفي حال وصفهم بالآريين، يحصل الأطفال على أسماء ألمانية ووثائق ميلاد جديدة، فيرسل أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و6 أعوام نحو الحضانات في انتظار تبنيهم من قبل عائلات ألمانية، بهدف طمس هويتهم الأصلية، البولندية أو الأستونية... ومن لم يناسب النازيين من الأطفال يكون عرضة للهلاك والفناء والتجويع وشتى أنواع التعذيب وحقول التجارب.

خطف النازيون نحو 400 ألف طفل، إما بهدف محو الهوية البولندية أو بغاية تمجيد العرق الآري وزيادة عديده. ومع نهاية الحرب الكبرى، فقد معظم هؤلاء الأطفال عائلاتهم، فبينما واصل بعضهم حياته لدى العائلات التي تبنته، اضطر البعض الآخر للبقاء في دور الأيتام أو التشرّد والتيه.

وفي السياق الهتلري، يُصنّف الطبيب الإسباني "المتخصص في الأمراض النفسية(!)" أنطونيو فاييخو ناخيرا كأهمّ مؤسس للنظريات العنصرية في إسبانيا. فعقب سنوات قضاها الأخير في ألمانيا، عاد إلى بلاده محملاً بأفكار العنصرية القائمة على التمييز العرقي المستوحاة من الأيديولوجيا النازية.

وبحسب هذا الطبيب الإسباني، كان في الإمكان رفع منزلة الأطفال وإنقاذهم مما يسميه "الانحطاط العرقي في عمر مبكر". واقتضت هذه الطريقة الغريبة والوحشية، خطف الأطفال من عائلاتهم ذات التوجهات الأيديولوجية والسياسية "الدخيلة" على الدولة الفرانكوية، كالشيوعية والديموقراطية، ونقلهم نحو عائلات أخرى متبنية مساندة لنظام فرانكو. وخلال الفترة التالية، لم تتردد قوات فرانكو في انتزاع الأطفال من الأمهات ذوات التوجهات الدخيلة، داخل السجون، لتسجل على إثر ذلك نسبة الأطفال المختطفين ارتفاعاً سريعاً، ففي حدود العام 1943 قدّر إجمالي عدد الأطفال المفقودين بنحو 12 ألفاً. لاحقاً، اتجه نظام فرانكو نحو توسيع هذه الأنشطة حيث تم تكوين شبكة كاملة ضمت الحزب الحاكم. ومن خلالها، تم تحديد الأزواج ذوي الميول الأيديولوجية "الدخيلة" لتتم سرقة أطفالهم داخل المستشفيات حال ولادتهم. واستمرت هذه الممارسة لسنوات بعد وفاة فرانكو العام 1975 لتتسبب بين العامين 1939 و1989 في اختطاف عشرات آلاف الأطفال ولا تزال قضيتهم موضع جدل في البلاد حيث تعجز السلطات الإسبانية عن تحديد الضحايا بسبب تغيير أسمائهم وألقابهم...

أما جوزيف ستالين، المناوئ للنازية والفاشية، والذي ظهر في الكثير من صوره الشخصيته وملصقاته، مع أطفال، من ضمن حملات ترويجية تحت عنوان "الطفولة السعيدة" التي ظهرت أيضاً على جدران المدارس وصفحات الكتب والمجلات. إحدى هذه الصور تحمل عنوان "شكراً للرفيق ستالين على طفولتنا السعيدة" (1938). سالين نفسه، داخل معسكرات الغولاغ، أجبر المحتجزين الذين كانوا في الغالب من النخبة السوفياتية، على العمل في ظروف قاسية بمناطق نائية من الاتحاد السوفياتي بعد اتهامهم بالخيانة. وامتدت سياسته القمعية لتشمل أطفال الاتحاد السوفياتي، حيث تخوّف الرجل الفولاذي من أبناء أولئك الذين أرسلهم نحو الغولاغ، فانتزعهم منهم -وهم بالآلاف- وأُرسلوا نحو المياتم، وهناك مارس عليهم العاملون ضغوطاً نفسية وستالينية ولم يترددوا في تعنيفهم بهدف تأهيلهم لجعلهم "مواطنين سوفيات صالحين في المستقبل"، حسب مفاهيم ستالين صاحب نظرية "هندسة الأرواح" في الأدب. والحال أن الإيديولوجيات والعقائد تتلاقى في موضوع الأطفال، وتتسابق على تدجينهم والهيمنة عليهم باعتبار اطفال اليوم هم "رجال" الغد، أو هم الأدوات الطيعة في يد الزعيم النازي والشيوعي والفاشي والداعشي...

لا ينتهي الحديث عن الأطفال في ظل الديكتاتوريات، من سوريا الى العراق إلى افغانستان، فمن لم تقتله الإيديولوجيا، قتلته البراميل، ومن لم يتشرّد، جُنّد جاسوساً على والديه، ومن لن يُدرّب على السلاح، غُسل دماغه في المدارس الدينية والمذهبية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها