أبو الورد مختار الحارة وزعيمها والد العروس شغف - أدَّى دوره مجدي أبو العصفور، رجلٌ من فظاظة وجهل، فيما غالية – أدَّت دورها غزل يوسف، امرأة متنورة، تملك وعياً مدنياً، ومدافعة شرسة عن النساء لامتلاك حريتهُنَّ من أَسْرِ الرجل الشرقي. هنا النزاع؛ هو الذي يحرِّك الغناء والرقص والحوار الشعري بين الطرفين، والذي ستثيره وتحقنه بالضغينة والفتن السيدة سلاسل- أدَّت دورها مَيّْ حاطوم، وهو النزاع، سيأخذنا إلى "الميوزكل"، الذي يستمد جذوره من المسرح اليوناني، وقام على الغناء والرقص والشعر الدرامي من أناشيد دينية وقصائد ملحمية؛ مسرح من أصوات ورسوم وألوان وأنغام. لاحقاً وفي العام 1866 قُدِّمت أوَّل مسرحية غنائية (الوغد) كتابة تشارلز إم باراس، في مسارح"غاردنر" في نيويورك، وقد لا تنطبق عليها تسمية ميوزكل Musical Comedy، لكنَّها وصلت ما انقطع مع المسرح اليوناني الأم.
يروي رعد خلف في "قصَّة من الشرق"، وبالتجسيد البصري في 12 أغنية وثماني رقصات، ما جرى مع جاد وشغف غناءً ورقصاً على أنغام الموسيقى. لكن الحكاية، لها جذور في الشرق الذي ما زال متخلفاً، بل وإنَّه شرقٌ مصابٌ بإعاقات عقلية، كونها جذور ما زالت تعيش على الشعوذة والتواكل والجهل.. فكيف سيكون النسغ والتاج؟
لا مفاجأة في نهاية الحكاية، صحيح أن مسرح الميوزكل غير مُطالب بالنقد والتعرية، لكنَّه وهو يذهب إلى صنع البهجة والفرح، لا يستخف بالجمهور، ولا يستخفف الحكاية، فالموسيقى هنا ليست من أجل الموسيقى وكذلك الرقص والغناء، حتى الحكاية يجب أن تكون لتقوية مشاعرنا، وكذلك الدراما المُغنَّاة، فهي هنا دراما موسيقية غير محايدة، وليست أغنية مُقحمة، كما يحدث في الأفلام الغنائية؛ مثل أفلام الموسيقار محمد عبد الوهاب أو أفلام فريد الأطرش.
هذا النوع من العروض المسرحية يقوم على الرقص كوسيلة تعبير، ووسيط، لكشف بعض الخلافات بين أطرافه، وقد رأينا فيه رقصات لإثنين وخمسين راقصاً وراقصة، ممثِّلاً وممثِّلة. تُحرِّكهم، تُرقِّصُهم موسيقى رعد خلف في فضاءات مثلَّمة؛ إذ تخرج عن سياقها الشرقي فنسمع موسيقى السالسا البرازيلية، والراب والتوكسيدو والسوينغ ورقصة البريك دانس وموسيقى الدبكات السورية، مع أغانٍ ذات أداء حركي راقص إيهامي بأنَّ ما يحدث أمرٌ عادي، لكنَّها رقصات تقوم على تراكم أفعال أعتقد أنَّ معتز ملاطية لي، كمصمِّم ومشرف على تنفيذ الرقصات، لم يذهب بعيداً، ولم ينشر الحركات الإغوائية. بقي في الشرق (المُحافظ) على سلوك اجتماعي غير شاذ وغريب على عاداتنا. حتى الأزياء كانت موائمة ومعبِّرة، لا مبالغة مقصودة، ولا افتعال، واشتغلت مع الرقص والموسيقى في تشكيل صورة بصرية لها أصداء عاطفية في ذاكرتنا.
لم يذهب معتز ملاطية لي، ونزار بلال، عمار الحامض، ريم الشمالي، منور عقاد، ومعهم المؤلف الموسيقي والمخرج رعد خلف، إلى طرح مَشاهِدَ وصور مُتعارضة. لقد ذهبوا إلى تلك الحكاية الشرقية بلا كولاجات إلى حدٍّ ما، رغم ضعف البنية الدرامية للنص، والتي بدت في بعض المفاصل مُفتعلة وذات أنماط شكلية، لم تراعِ العوامل البصرية لعرض مسرحي من نوع "الميوزكل". فالحوار هنا في هذه العروض يتشابك ويتداخل ومن ثمَّ يتعارض- لا يتصارع؛ في توزيعٍ عَذْبٍ ليحقِّق الرضا والبهجة للمتفرجين، فمسرح الميوزكل لا يحتمل التراجيديا؛ هو يذهب إلى الكوميديا الخفيفة. لقد لا حظنا في مسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير أنَّ الخلاف العائلي بين أسرتيهما قد راح إلى العداء الذي كان سبباً في تأجيج الصدام.
لا نعرف إذا كان المؤلفُ المخرجُ رعد خلف يريدُ إسقاط هذا الصراع على حالة الحرب السورية، على أنَّ أكثر ما يُثير في هذا "الميوزكل" هي الشجاعة والجرأة في الإشارة إلى حالة الاستلاب والتوثين والاغتراب والعوز والفقر والجوع، والغلاء، وفقدان المحروقات بحجَّة الحرب، وأخذ موقف تهكمي في نقدها غناءً:" لشو البنزين، لشو المازوت، لشو الغاز خليك ماشي"!! وهو موقف تاريخي في مثل هذه العروض، رغم أن القصةَّ تدور أحداثها في ستينيات القرن الماضي حيث لا أزمات معيشية ولا انقطاع تيار كهربائي.
على كلٍّ، فمثل هذا الخلاف بين عائلتي جاد وشغف لم يذهب إلى القتال فالزلزلة، والحبيبان بورك زواجِهما من أبي الورد، والدُ شغف وزعيمُ ومختارُ الحارة الشامية، والحلّ الذي اخترعه البائع الجوَّال في نهاية العرض هو الصلح باعتباره سيِّدُ الأحكام. شغف وجاد لم ينتحرا، لكن الخلاف بقي باهتاً وسطحياً.
(*) عُرِضَت في مسرح دار الأوبرا بدمشق.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها