الثلاثاء 2023/01/03

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

تنبؤات للأعوام العشرة المقبلة...

الثلاثاء 2023/01/03
increase حجم الخط decrease
كيف نشأ مفهوم الزمن؟، حسناً لنكُن أكثر دقة في سؤالنا. إذا أفرغنا الكون من كل ما فيه من كواكب ونجوم ونيازك وضوء ومادة وبشر، هل سيبقى للزمن وجود؟ لنفترض أن شيئاً لا يحدث في الكون أبداً، هل سنستطيع الإحساس بمرور الزمن بمعزل عن وجود حدثين متلاحقين؟ حقيقة وجود الزمن ليست بالبديهية التي تبدو عليها. مثلاً، أينشتاين أثبت لنا أن الزمن على مقربة من سطح الأرض، بفضل الجاذبية، يسير بشكل أبطأ من الزمن على ارتفاع ألف كيلومتر عن الأرض! مفهوم الزمن أكثر ميوعة ونسبية وغموضاً مما نعتقد. ربّما الزمن لا يجري سوى في رؤوسنا، ووجوده مرتبط بوجود الوعي البشري أو غير البشري، لكن هذا ليس موضوعنا الآن.

السؤال الأسهل هو: متى ظهرت الروزنامة التاريخية الحالية بشكلها الميلادي الحالي، والتي تضطرنا إلى الاحتفال بنهاية كل عام منذ مئات السنين؟ بعض الروزنامات الحجرية البدائية المـُكتشفة، المرتبطة بحركة الكواكب، يعود إلى أكثر من ثلاثين ألف عام مضتْ (عن كتاب "التسامي" لجايا فينس). الروزنامة الحالية التي تبدأ فيها السنة الجديدة من أول كانون الثاني وُلدتْ في كنف الإمبراطورية الرومانية المسيحية، ثم تطوّرت وتبلورتْ بشكلها الحالي عبر التاريخ.

تنظيمنا لجريان الزمن هو في النهاية تنظيم لحياتنا وذاكرتنا، وأداة لقياس تطورنا وإطلاق تنبّؤاتنا. نستطيع الآن أن نحدّد كيف كان العالم في العام 1000م، وكيف هو الآن، ونتخيّل كيف سيكون بعد مئة عام؟ السفر عبر الزمن أصبح لعبة عقلية تجريدية يمكن أن نلعبها بشكل جماعي، بأرقام واضحة تقفز من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل. وهذا ما يمكن أن نفعله في هذا المقال. القفز قليلاً إلى المستقبل غير البعيد جداً.

ماذا يمكن أن يُخبرنا 2022 عن مستقبل البشرية بعد عشر سنوات أو عشرين، أو بعد قرن من الآن؟ حدث الكثير في العام الماضي، لكن في كل فاصل زمني، ثمة ما يبرز ويُضيء أكثر من غيره، متخذاً شكلاً يحمل ملامح النبوءة. هذه بعض النبوءات التي بشّر بها العام المنصرم.

بعد ظهور وباء الكوفيد، طوّرتْ شركات عديدة لقاحات من نوع جديد؛ لقاحات الحمض النووي الريبي (RNA). لكن هذه اللقاحات الجديدة لن تكون طفرة تطورية لعلاج الأوبئة والفيروسات فقط، بل ستُغيّر تاريخ العطب الإنساني. دراسات عديدة نُشرت خلال السنة الماضية عن تطبيقات جديدة للقاحات الحمض الريبي النووي. هذه اللقاحات يمكن في المستقبل أن تُصنَّع كي تستهدف الخلايا السرطانية والأمراض المناعية والعديد من الأمراض الوراثية النادرة التي لا علاج لها حتى الآن. سيكون من السهل تركيب اللقاح الريبي النووي الخاص بأي مرض متى عُرفَتْ آلية المرض وآلية علاجه. مثلما ساهم ابتكار اللقاحات الأولى في القرن التاسع العشر في اختفاء العديد من الأمراض السارية، سيختفي العديد من السرطانات والأمراض في المستقبل بسبب لقاحات RNA الثورية. كم سيكون جميلاً أن يأخذ المرء لقاحاً ضد سرطان الرئة، ليختفي هذا السرطان اللعين من تاريخنا إلى الأبد.



هل سنستطيع التنقل في سيارات طائرة بعد عشرة أعوام، أو أكثر؟ قليلون منّا لم يحضروا ثلاثية فيلم الخيال العلمي الشهير "العودة إلى المستقبل" (1985-1990). آلة الزمن في الفيلم كانت سيارة رياضية طائرة من نوع ديلورين. أثناء إنتاج الفيلم، كانت فكرة السيارة الطائرة شطحاً خيالياً خالصاً. الآن، كما ورد في تقرير استقصائي لـ"سي إن إن"، أكملتْ شركة السيارات الصينية الكهربائية "إكس بانغ" تجارب ناجحة على سيارتها الجديدة "إكس بانغ X2" وعرضت قدرات موديلها الكهربائي الجديد في معرض "جايتكس" للتقنيات في دبي في شهر تشرين الأول الماضي. السيارة الجديدة تستعمل ثمانية محركات كي تعلو مباشرة عن الأرض من دون الحاجة إلى مدرج للإرتفاع والهبوط، أي يمكن استخدامها في شوارع المدن الحديثة. وبحسب خبراء التصميم في الشركة الصينية، ستكون السيارة جاهزة للاستخدام التجاري في وقت قريب جداً. والحكومة الصينية تطمح إلى إدخال سيارات تاكسي طائرة في العام 2025!

وللمرة الأولى، العام الماضي، استطاع العلماء إنتاج جلد إنساني حيّ طبيعي في المختبر وإلباسه على إصبع أحد الروبوتات (دراسة في مجلة "Matter" الشهرية العلمية، حزيران 2022). واستُعملت أنواع مختلفة من خلايا جلدية حقيقية مع مسحوق كولاجيني في بناء الجلد الطبيعي. النتيجة كانت مُبهرة. جلد حيّ حقيقي مطاطي جميل. هذا التقدّم سيسمح بتصميم روبوتات أكثر شبهاً بالإنسان. روبوتات ربما لا نستطيع تفريقها عن إنسان حقيقي. لكن الأهم، كما يرى المشاركون في الدراسة، هي الاحتمالات المفتوحة لزراعة وإنتاج أعضاء إنسانية حيّة في المستقبل من خلايا إنسانية أصلية. التقدّم العلمي الحاصل حالياً يمكن أن يوصلنا إلى زمن نستطيع فيه استبدال بعض أعضائنا المُتعَبة المهترئة. جلدٌ نضر جديد. كبدٌ جديد. قلب طازج بدلاً من قلوبنا المـُتعبة! سيطيل هذا أعمارنا بالتأكيد، لا بل حسب عالم الشيخوخة البيولوجي تشارلز دي غري، يمكن أن نستطيع يوماً هزيمة الموت بيولوجياً وهندسياً.

حدثان آخران في العام 2022، يمكن أن يغيّرا وجه البشرية في العقود المقبلة، لا بدّ من ذكرهما. الأول هو نجاح علماء أميركيين، الشهر الماضي، في توليد طاقة والحفاظ عليها لفترة قصيرة عن طريق الاندماج النووي. لم يحصل أن استطعنا فعل ذلك عملياً سابقاً. التجربة كانت اختراقاً علمياً يمكن أن يؤدي إلى ثورة وطفرة كونيَين في إنتاج الطاقة. باختصار، سيمكننا أن نفعل على الأرض ما يحدث فوق سطح الشمس التي تغذي الأرض بطاقة لا نهائية. تطوّر البشرية وتضخم الاقتصاد العالمي حدث على مرّ العصور بسبب قدرتنا على توليد مصادر طاقة إضافية وتوظيفها. إذا استطعنا توليد طاقة هائلة بأنفسنا كما تفعل الشمس، لا يمكننا حتى تخيّل إلى أية درجة من الانفجار التقني الاقتصادي يمكن أن يوصلنا إنجازٌ كهذا…

أخيراً، يجب ذكر الحدث العلمي الثقافي الإنساني الأهم برأيي للعام 2022. رؤية الصور الكونية الأولى لتلسكوب "جيمس ويب" في شهر تموز. الصور التي تُرينا ما لم نره سابقاً من تاريخ الكون ومجرّاته وكواكبه. أعتقد أن أحفادنا البشر بعد مئات السنين، الذين سيدرسون هذه الحقبة الزمنية، سيعتبرون تلسكوب "جميس ويب" نقطة فارقة في تاريخ البشرية. من الآن فصاعداً، سيُمكّننا "جيمس ويب" من معرفة ورؤية ما لم يعرفه ويرَه إنسانٌ قبلنا. سنعرف ربّما كيف نشأ الكون، وإذا كانت هناك حيوات أخرى في أماكن قصيّة من الكون. سنقترب أكثر من معرفة كيف أتينا وإلى أين نحن ذاهبون. لستُ متأكداً تماماً ماذا ستفعل بنا هذه المعرفة، لكنها ستُغيّرنا بالتأكيد. ستُغيّر نظرتنا إلى أنفسنا، طموحاتنا، أفكارنا، آمالنا. لا بدّ، أقلّها، أن تدفعنا إلى المزيد من العقلانية والعلمية في تعاملنا مع الواقع الذي نعيش فيه.
طبعاً، هذه أيضاً مجرّد نبوءة لا أكثر.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها