الإثنين 2023/01/16

آخر تحديث: 12:03 (بيروت)

من الطقطوقة للمهرجانات.. الأغنية تكتب تاريخ مصر

الإثنين 2023/01/16
من الطقطوقة للمهرجانات.. الأغنية تكتب تاريخ مصر
فيروز كراوية
increase حجم الخط decrease
"هل أبقى من أغنية علامة على عصر، ومن ثم دليلاً إليه وعليه؟"، يقول الكاتب والناقد الموسيقي، فادي العبد الله، في تقديمه الموفق جدا لكتاب فيروز كراوية الجديد "كل دا كان ليه؟ سردية نقدية عن الأغنية والصدارة". وهو عنوان موفق بدوره، قالت فيروز إنها اختارته بديلاً لآخر كان أيضاً أغنية لعبد الوهاب، بالتحديد "خايف أقول اللي في قلبي".. وحسناً فعلت، فالعنوان الجديد أكثر توفيقاً لأنه لا خوف في الكتاب في الحقيقة، فكاتبته تقول كل شيء بوضوح وصراحة وبلغة سلسة تجمع بين العمق والتدقيق البحثي والوضوح الصحافي في آن واحد. الكتاب متعدد المستويات القرائية إن صح التعبير، يصلح لمن يريد سردية سياسية اجتماعية فنية لمصر من ثورة 1919 وحتى الآن، ويصلح أيضاً لمن يريد سردية فنية متخصّصة لوضع الأغنية في مصر خلال الفترة الزمنية الواسعة نفسها، أو بتعبير العبد الله فإن فيروز تقدم كتاباً من شقين: الأول ملاحقة تحورات الأغنية المتصدرة، المينستريم كما تُكتب أحياناً، على مدى قرن ونيف من الزمن من نهايات القرن التاسع عشر إلى بدايات القرن الحادي والعشرين، أي من نهايات عصر العوالم إلى حقبة الراب والمهرجانات... والشق الثاني هو متابعة الأسباب التي جعلت هذه التحورات شبة محتومة.

بالطبع كانت الأغنية موجودة قبل الفترة التي اختارتها فيروز لكنها أوضحت في حفلة إطلاق الكتاب وفي تصريحات إذاعية، أنها فضلت البدء بفترة تكّون ملامح الدولة الوطنية الحديثة، بالإضافة إلى سبب أكاديمي آخر متعلق بتوافر المراجع التي يمكن الاستناد إليها في التأريخ لتك الفترة.

سردية نسوية
الكتاب سردية نسوية واضحة من السطور الأولى التي تقول فيها فيروز: "إن القرن التاسع عشر هو نقطة انطلاق حديثنا حول الغناء النسائي في مصر"، لكنها بالطبع لا تتوقف عند تطورات الغناء النسائي، وإن كان متابعة حالاته المتغيرة عبر السنوات خير دليل على الأوضاع الاجتماعية والسياسية للبلاد بشكل عام، كما أنه يقدم ملامح واضحة على تطور السوق الغنائية نفسها، إذ تقدم المؤلفة على طول الكتاب قراءة معمقة في العوامل السياسية والاجتماعية والتكنولوجية المؤثرة بشكل مباشر في الفن المصري وفي ظهور النساء في المجال العام. فنوع الغناء المتصدر أو الأكثر رواجاً، لا يخضع للشروط الفنية فقط، بل هي عملية اجتماعية في جانب كبير منها حسب رؤيتها: "كان للغناء النسائي ارتباط قوي بصورة المرأة والتحولات السياسية والاجتماعية التي سمحت بخروجها للمجال العام، سواء للعمل أو الفرجة وحضور الحفلات العامة". الملاحظ هنا أن تبني تلك السردية يظهر بوضوح في البدايات ثم يخفت كثيراً في الفترات التي تلي أم كلثوم ليعاود الظهور من جديد بشكل مختلف تماما مع المطربات الجدد مثل سميرة سعيد ونانسي عجرم وهيفاء وهبي على سبيل المثال. الاختفاء والظهور لهما دلالتهما الواضحة على وضع المرأة وعلاقتها بالأغنية المتصدرة والشكل الذي تظهر به خلال تلك الفترة، ويصبح المثال أكثر وضوحاً مع عودة المؤلفة لسرديتها النسوية في السطور الأخيرة للكتاب لتطرح نماذج للمشاركة النسائية في الأشكال الغنائية الأحدث –الراب تحديداً- حيث لم يعد الجسد يشكل مشكلة لكن صورة "الست" المطربة المحتشمة لم تعد محل تقدير في عالم خشن متغير.

عَوالم وغَوازي
تبدأ المؤلفة سرديتها بمشاريع التحديث التي تبناها محمد علي ومحاولاته للاستقلال عن السلطنة العثمانية، ثم المشاريع الاستعمارية الغربية الممثلة في الحملة الفرنسية ثم الاحتلال البريطاني، وتأثير هذا كله في المشهد الموسيقي الذي كان منقسماً منذ بدايات القرن التاسع عشر "بين مؤديات يتوزعن حسب الوضع الطبقي بين البيوت الارستقراطية والبورجوازية العليا، وغيرهن ممن تعملن بين الموالد والمناسبات والشوارع والمقاهي التي بدأت في الظهور، وتقدمن عروضهن للطبقات الشعبية". تفرق المؤلفة هنا بوضوح بين "الغوازي" أو الراقصات وبين العوالم، وهن حسب تعبيرها "المغنيات العالمات بفنون كتابة الأشعار والتلحين والارتجال" لتشير إلى أنها وفق هذا المعنى امرأة خارجة عن الدور الاجتماعي الملزم لعموم النساء، في بداية تكون موقع خاص بالمرأة التي تعمل بالفن، وتنقل فيروز عن الباحث رافاييل كورماك قوله إن الفنانات بالتالي سبقن ظهور الحركات النسوية باكتساب مساحة واسعة في المجال العام.

لكن الكلفة لم تكن هينة إذ يرصد الكتاب تصاعد الجدل الاجتماعي الذي صاحب ظهور النساء في المجال العام بهذا الشكل، خصوصاً بعد التداخل الكبير الذي حدث بين صورة العالمة والراقصة بعد خروجهن من الحرملك وظهور المسارح وعمل النساء بالكباريهات والصالات، وبشكل أكبر بعد ظهور التسجيلات وتسجيل الطقاطيق بشكل خاص، إذ كانت في بداياتها "مساحة مكرسة بشكل واضح للتعبير الجنسي الذي يأخذ في اعتباره عملية التفاوض حول صورة المرأة الاجتماعية والأدوار الجنسية بين الرجل والمرأة". لذا تلاحظ المؤلفة إن في غالبية طقاطيق العشرينيات، تستعير المؤديات لساناً اجتماعياً أو ذكورياً، ونتيجة لهذا "صارت الوضعية الخاصة للنساء في الغناء مجالاً لخطاب مخاتل، يغري بالتحرر ويمتليء بالصور الخلاعية ويؤدى بأساليب متغنجة مغوية".

الستّ
من هنا كانت الإشادة الكبيرة بذكاء أم كلثوم التي تخلت سريعاً وباكراً جداً عن هذا الشكل الذي لم يكن يناسب طبيعتها الشخصية ولا خلفيتها الريفية المعروفة، حيث ترى المؤلفة إنها لم تكن تنتمي لذلك العالم "لا للمسرح الغنائي الذي شكل مساراً لبداية العديد من الفنانات والفنانين في ذلك الوقت، ولا لأداء العوالم للطقاطيق الخفيفة مع ما حمله من دلالات اجتماعية وصورة ملتبسة عن النساء المؤديات". فهي ليست منيرة المهدية ولا فتحية أحمد أيضاً، كانت تريد أن تحافظ على صورتها أمام جمهورها وعائلتها كـ"مطربة وفلاحة ومحترمة" واستطاعت أن تفعل ذلك فعلاً بأن أحاطت نفسها بمجموعة داعمة من الرجال انبهروا بشخصيتها وطموحها وصوتها بطبيعة الحال، منهم الشيخ مصطفى عبد الرازق، وأستاذها الشيخ أبو العلا محمد والشاعر أحمد رامي والشيخ زكريا أحمد، ثم الفنان محمد القصبجي الذي تركز عليه المؤلفة في أكثر من موضع في الكتاب، وتقول إن أعماله وضعت فاصلاً حقيقياً بين موسيقى القرن التاسع عشر والعشرين، وأنه حمل أم كلثوم إلى آفاق التجديد الموسيقي ومنحها وجهاً حداثياً مكّنها من التحقق كأيقونة بين معاصراتها.

تؤمن فيروز بأن أم كلثوم لم تكن أول مطربة مقدرة في مصر، "لكنها كانت أول من وضعت إطاراً متكاملاً يعين ما سوف يترسخ وما يستبعد صوتاً وشعراً وصورة". وكان غناؤها هو السبيل الوحيد للحرية التي تفتقدها الفتاة في بيئة منغلقة ومحافظة، لتتحمل أم كلثوم عبء الإعلان عن المرأة في العصر الجديد في المجمل، لا عن عصر غنائي جديد فقط، بكسرها للصورة النمطية للعاملات في مجال الغناء، لتصبح تعبيراً مباشراً عن عصر "تذود فيه الست عن شرف الأخريات وتتمثله، وتطهر ما علق بثوب المطربات من خلاعة انحطت بصورتهن، كما انكتب في السردية الجديدة عن عصر العوالم، وكما وصف غنائهن بالجملة دون تمييز".

تتبع المؤلفة الطريق الذي سارت فيه أم كلثوم لتحقيق تلك المعادلة ليس من خلال الصورة البصرية فقط، واختيارها للملابس والشكل الذي تظهر به على المسرح، وتعاملها مع الصحافة، لكن أيضاً عبر اختيارها للكلمات التي تقترب من التصوف والحب العذري، والأهم تنفي الجنسانية. ترصد كيف كان حضور الضمير المتكلم المؤنث ضرورياً، بهدف إكمال حالة الإثارة التي تقدمها المرأة، في حين يقع ضمير المذكر الذي اختارته أم كلثوم في "مساحة أكثر اعتيادية ينفذ عبرها الغناء العاطفي بصوت المطربة الأيقونية نحو قطاعات الطبقة الوسطى العريضة"، وهو ما يمنحها القبول الذي لا يتوفر لأحد غيرها، فتبدو وكأنها "صوت القدر الذي لا جنس له".

أدوات التعبئة
في الفصول التالية تبتعد قليلاً السردية النسوية لتفسح المجال أمام نظرة أوسع وأكثر عمقاً للتحولات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية وأثرها في الحضور الفني بشكل عام، وهو ما تعنونه المؤلفة بدخول السردية التاريخية إلى قلب الموسيقى، إذ ترى إن التطور المؤسسي للموسيقى والمسرح وبداية دراسة الموسيقى على أيدي معلمين أجانب وظهور المسرح الغنائي بعد تمصير المسرح تدريجياً، كان أحد نتاجات تأسيس القاهرة الخديوية ونهضتها العمرانية واستكمال حفر قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل، بحكم التوسع في إنشاء المسارح والمقاهي والصالات وزيادة قدوم الجاليات الأجنبية واستقرارها في مصر. وكان ظهور المطربين في الحفلات العامة قد بدأ في الوقت نفسه وأصبح من نجومه المطرب عبد الحي حلمي، والشيخ سلامة حجازي الذي لعب دورا في تطور المسرح الغنائي بالتوازي مع ظهور ملحنين مثل كامل الخلعي، وداود حسني، والشيخ أبو العلا محمد. مع تركيز أكبر على الدور الكبير الذي قام به كل من سيد درويش ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب.



تأثير التحولات السياسية يبلغ مداه مع ثورة يوليو 1952 حين تأسس نظام "وصاية فكرية كامل على الشعب"، سمّته المؤلفة "دولنة الثقافة الوطنية"، وكانت بالطبع الأغنية ضمن أسلحته الأساسية عبر الميكروفون والإذاعة -أدوات تثبيت شعبية وتأثير النظام الجديد- إضافة إلى زيادة إنشاء شركات الإنتاج السينمائي والاستديوهات وتأميم البقية. تقول فيروز إن الأغنية الوطنية بالتحديد باتت أحد أهم أدوات التعبئة التي تكرس العلاقة الجديدة بين الشعب وحكامه، كما صارت أهم مسوغات تقديم المطربين لأنفسهم من خلال الإذاعة، وبالطبع كان نجم تلك المرحلة هو عبد الحليم حافظ الذي اعتبرته "مرادفاً غنائياً لخطابات الزعيم"، فأغانيه "تأخذ الشعارات لمداها الأقصى، تنذر وتهدد وتنسج فانتازيا عن الانتصار على الدول الكبرى وتحرير فلسطين والوحدة العربية الشاملة، وترسم صورة الشعب الذي سينعم بتماثيل رخام على الترعة وأوبرا". حتى أم كلثوم تحاول أن تساير العصر وتغير جلدها فتستعين بشعراء جدد لتغني من دون تورية لحبيب أقرب وأوضح، لكن التغيير الأكبر الذي ترصده فيروز هو اللقاء بمحمد عبد الوهاب في "انت عمري" حيث أراد عبد الوهاب "أن يقدم مع الصوت الذي نعته من قبل بصوت أزهري تجربة تحرص أن تناسب إمكانياته الراهنة وتحافظ على مكانته، وتصل أم كلثوم بالأجيال الشابة".

ثنائية فك الارتباط
تجيئ هزيمة 1967 لتهز الثوابت كلها، وتظهر فجوة واضحة بين الشعارات التي تبناها المقربون من السلطة وما يحدث على أرض الواقع فيصبح هؤلاء في مرمى النيران، ينعزل بعضهم وتتراجع شعبية آخرين وقلة هي من تستطيع استعادتها مجددا بعد حين، وتعبّر فيروز عن الأمر تعبيراً بليغاً في تحليلها للتعامل الناصري مع منتجات الفن والثقافة بشكل عام، إذ تقول: "يتحول تسخير المنتج الثقافي لخدمة السلطة السياسية لآلية تقزيم مستمرة، تضع المبدعين في مرمى سهام أعداء متنوعين". وهو ما ظهر بوضوح بعد الهزيمة التي غيرت طبيعة المشهد فهمشت البعض ودفعت بآخرين للصدارة، على رأسهم ثنائية الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى والتي كانت تعي، بحسب تعبير المؤلفة، الثمن المطلوب لفك الارتباط بين الإنتاج الغنائي والمؤسسة الرسمية التي كانت تحتفظ بأدوات هيمنتها كاملة وهو "الإبعاد والتهميش والاعتقال أحيانا".

زمن يتآكل
في أوائل السبعينيات، رحل الكبار وظهر شريط الكاسيت، فتحللت إلى حد ما شروط التقديم والاعتراف والسيطرة، وتغيرت قواعد اللعبة بالكامل: "عصر جديد بدأ يزحف على زمن يتآكل" كان أبرز نجومه أحمد عدوية، ثم الفرق الجماعية التي وضعت النموذج الغربي نصب عينها، ثم ظهر محمد منير الذي كان "أول ثمار التحول التدريجي من الفرق الجماعية لمشاريع المطربين الأفراد" مع نهاية السبعينيات. مثّل منير بقوة حالة الاغتراب والارتباك التي تعيشها المدينة بعد الانفتاح والهجرات بحثا عن الرزق "وسع منير في أغنياته الكلام عن الرحيل والهجرة والحنين وهي ثيمات كانت صدى رمزياً لشحوب الفكرة القومية". فتح النجاح والاستقبال الجماهيري لتجربة منير، الباب أمام دخول حميد الشاعري، الذي يصفه الكتاب كمرحلة جديدة تفصل ما قبلها عما بعدها "مرحلة الأغنية الشبابية" صنع خلالها شكلاً مختلفاً للأغنية ونجوماً ما زال بعضهم على القمة حتى الآن. لكن الملفت أيضاً في هذه التجربة، هو الصراع الذي نشأ بين حميد ونقابة الموسيقيين التي رأت أن التحوّل الذي أدخله على مجال التسجيلات تسبب في الاستغناء عن عدد كبير من العازفين وهدد مصدر رزقهم، فكان الحل هو وصمه بالتهمة الجاهزة دائماً "إفساد الذوق العام" والإساءة لرموز الفن الجميل، وهي التهمة نفسها التي تواجهها الأجيال الجديدة حالياً للسبب نفسه غالباً!

تصدر حميد ونجومه، ثم عمرو دياب، الصورة وتراجع الجيل الأقدم مثل علي الحجار ومحمد الحلو لغناء تترات المسلسلات، والمهم هنا أن الكتاب لا يتتبع خطوات النجوم فقط، بل عناصر العملية بالكامل، ككتّاب الأغنية والملحنين والتطور التكنولوجي في استديوهات التسجيل وشركات الإنتاج الخاصة، لتصل المؤلفة إلى نتيجة نهائية هي أن حميد وعمرو أعلنا نهاية العصر الرومانسي للأغنية العربية بشكلها القديم. غيّرا في قاموس الأغنية ولحنها واستكمل عمرو الفكرة بتدشين نفسه كفنان "معتز بذكورته"، والذكورة هنا، كما توضح، هي الاعتداد بالتركيب الجسدي المذكر "تخلص عمرو دياب من صورة المطرب العاطفي الذي يظهر ضعفاً وألماً ويستدر الدموع بأسلوب تراجيدي"، كما تحلل أيضا عناصر استمراره في الصدارة حتى الآن ومن أهمها فكرة التخصص أو "اعطاء العيش لخبازه"، وأنه في المجمل استطاع التنقل بوعى كبير بين الأنواع الموسيقية الرائجة "يقدمها للعالم العربي ويجذب إليها باقي المطربين ثم يتجاوزها إلى غيرها".

لحظة الانفجار
يعتبر فيلم "اللمبي" أفضل مدخل للحديث عن الفترة الحالية وتركيبتها المعقدة، في الفيلم يسخر البطل ممن يعزف الموسيقي الكلاسيكية ويطرد الراقصة التي ترقص رقصاً حديثاً ويشوه أغنية "حب إيه" لأم كلثوم، يفككها إلي مقاطع صوتيه غير مفهومة أو مترابطة "حب إيه، حب آه، حب أو".. بشكل تظهر معه الكلمات التي كتبها الشاعر عبد الوهاب محمد "متناثرة وفاقدة للمعنى بين الحين والآخر، تذكرنا فقط بما لا نعنيه ولا يعنينا هنا". المدهش كان حالة الاقبال التي صاحبت الفيلم والأغنية والقبول الشعبي الكبير لتلك الشخصية العشوائية التي كسرت حاجزاً ثقافياً بين من يعيشون في الأحياء الراقية والطبقة المتوسطة وبين من يسكنون العشوائيات، أدركت تلك الطبقات أن هناك ما يجمعها في ظرف عام يداهم الجميع ظل ينمو ويتوسع حتى لحظة الانفجار في 25 يناير 2011. كانت "المهرجانات" ضمن إفرازات تلك المرحلة وكان حضورها لافتاً في الميدان: "انضمت المهرجانات كشكل غنائي تطور عن المُولد الذي ظهر في الأفراح الشعبية كموسيقى للرقص، إلى الباقة المعتمدة لفن الشباب، وشق نجومها طريقهم إلى الحملات الإعلانية والأفلام التجارية خلال عام واحد من الانتفاضة الشعبية"، المساحة الكبيرة التي أتاحتها المهرجانات فتحت الباب أمام أنواع مختلفة من المطربين/المؤدين وظهور أشكال أخرى كالراب والتراب "نشأت أبجدية جديدة للتلقي والإنتاج الموسيقى مرتبطة بثورة التواصل عبر الإنترنت والسيولة الطبقية التي ميزت التعبير الفني منذ بداية الألفية"، أو بتعبير فادي العبد الله في مقدمته، تم "الانتقال من عصر الاستهلاك الجماهيري إلى الإنتاج الجماهيري"، حيث القمة مسطحة تتسع الجميع ولو لوقت قصير.
____________

(*) "كل دا كان ليه؟ سردية نقدية عن الأغنية والصدارة" صدر مؤخراً عن "ديوان"

(**) فيروز كراوية فنانة وكاتبة مصرية. حصلت على الماجستير في الأنثروبولوجيا الثقافية من الجامعة الأميركية بالقاهرة العام 2009. أصدرت خمسة ألبومات غنائية ونحو أربعين عملاً غنائياً منفرداً. صدر كتابها الأول العام 2010 بعنوان "مباني الفوضى: سينما العشوائيات بين عقل طبقة وعقل نظام". تُعدّ حالياً أطروحة الدكتوراه في مجال الدراسات الثقافية في جامعة السوربون بباريس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها