السبت 2023/01/14

آخر تحديث: 13:29 (بيروت)

معرض ريما أميوني... نوافذ وصنوبر وطفولة

السبت 2023/01/14
increase حجم الخط decrease
تقيم "غاليري عايدة شرفان"، بالتعاون مع كريستيان أشقر Art Consultancy، معرضاً للفنانة اللبنانية ريما أميوني. المعرض، الذي يضم أعمالاً ذات أحجام متوسطة وكبيرة، إتخذ عنواناً، أو ما يشبهه، أقرب إلى عبارة شعرية، شاءت الفنانة من خلالها أن تلخّص، مجازياً، المفهوم الذي تقوم على فكرة العرض في شموليتها، وما يمكن أنة تصادفه العين من نتاج، وقد جاء هذا العنوان على الشكل الآتي: "حديقة كبيرة تمسك بسمائها بين أغصانها".

إذا كانت أميوني غابت لفترة عن لبنان، أو ربما لفترات متقطعة، وتلك مسألة صارت شبه عادية في بلد أصبح عدد الذين يغادرونه يفوق بأشواط عدد القادمين إليه، فإن أول ما يقع تحت عين الغائب، لدى عودته، هو المشهد المديني الصاخب والفوضوي، قياساً إلى قرينه في بلاد أخرى (أوروبا والقارة الأميركية بالنسبة للفنانة)، حيث يحضر الصخب "المدوزن"، ونظام العيش المختلف. ينزع القادمون من أهل البلد الأصليين إلى الإبتعاد، قدر الإمكان وإذا ما ساعدت الظروف، عن فوضى المدينة وضجيجها، الذي صار أقوى من قدرات الفرد على تحمّلها. هكذا، اختارت الفنانة زاوية هادئة نسبياً، مطلّة على بيروت، أو على بعض منها، تطلّ على أشجار وحدائق، ومحاطة بغابة صنوبر، كتلك التي تسبق وصولنا إلى العاصمة، إذا ما أتينا من جهة الشرق، وتنذرنا أصوات جادوب الصنوبر الحادة، خلال فصل الصيف، بإقترابنا من بيروت، الشديدة الحرارة والرطوبة. 



تقول ريما أميوني: "أعطتني اليرزة (المنطقة التي قطنتها) الكثير من الغذاء للفكر والمشاعر، وأنتجتُ العديد من اللوحات والرسوم". بعض هذه الأعمال أو ربما كلّها، هي التي نراها في المعرض الذي نحن في صدده. بيد أنه لن يكون في إمكاننا أن نرى في أعمال الفنانة أشجاراً كتلك التي رسمها مصطفى فروخ، الفنان اللبناني المحب للمشهد الطبيعي، أو التي صاغها الفنان الفرنسي إيف كالميجان، لكننا ربما سنرى بعضاً قليلاً من بول سيزان، أبي الفن الحديث، الذي "تمترس"، خلال زمنه، في إكس أن بروفانس، جنوبي فرنسا، كي يكون قريباً من الطبيعة، ومن العزلة التي كان يفضّلها، وإتُهم على أثرها بـ"فوبيا" التواصل مع الآخرين، والخوف من ملاقاتهم. أشجار أميوني، ومشاهدها الطبيعية، كما بورتريهاتها أيضاً، مختصرة إلى حد كبير، ولا تُعنى بالتفاصيل لا من قريب ولا من بعيد. إلى ذلك، يُخيل إلينا أنها نُفّذت على عجل، لا من أجل الخلاص السريع من مهمة لا تشبه المهمات التقليدية، بل لأنها جاءت نتيجة لإنطباع مباشر، أو لصورة التقطتها العين وترسخت في الذاكرة، أو حتى للحظة متخيّلة ساورت ذهن الفنانة كمحصلة لنوازع شتّى، ينتمي بعضها إلى الماضي، ويلتصق بعضها الآخر بالحاضر.


إستناداً إلى ما سبق، وبناء على معطياته، خرجت أعمال الفنانة من نافذة التقليد النسبي للواقع، لتدخل بوابة التعاطي الذاتي، أسلوباً ولوناً، مع المشهد الطبيعي، أو مع سواه من أنواع التشكيل الأخرى. ضربات فرشاة عريضة محمّلة عجينة لونية، وخطوط تحدد بعض عناصر المشهد من دون اللجوء إلى التكرار في المعالجة التقنية. مقاربة تتطلّب شجاعة وثقة، قد يرى البعض فيها إستعجالاً كنا أشرنا إليه أعلاه، لكننا ندرك فحوى العفوية المقصودة المؤدية إلى أعمال تفوح منها رائحة الطبيعة الطازجة، التي قد يردّها، من يشاء ذلك، إلى نزعة طفولية في مقاربة العمل الفني. بعض اللوحات قد تغطّي مشهداً فسيحاً نسبياً، لكن أعمالاً عديدة تقتطع أجزاء منه، ويتحدد الخط فيها مرة واحدة، وباللون نفسه. قد يخطر في بالنا كلود مونيه حين نرى زنابق الماء nympheas، لكنها، لدى الفنانة، أبسط من أن تُعتبر زهوراً، بقدر ما هي مسحة من علاقات لونية إنبسطت من دون منظور على صفحة القماش.

إلى ذلك، هناك ما يدفعنا إلى تذكّر الدراسات الصغيرة etudes التي ينفّذها بها فنانون، قبل الإنتقال إلى أعمال كبيرة، لكن لوحات ريما أميوني، وما تتضمنه من أشجار وحدائق وبيوت ذات نوافذ زرقاء، لا تحتاج إلى إعادة صياغة، بل هي مكتملة في إستيفائها الشروط الفنية المناسبة، وهذا الأمر يُعتبر كافياً من الناحية التقنية، وفيه الكثير من المؤثرات البصرية، البعيدة من الهموم الزخرفية.
 
ريما أميوني
من مواليد العام 1954. حصلت على البكالوريا الفرنسية في بيروت، ودبلوم في الفنون البصرية من Byam Show School of Art في لندن بالمملكة المتحدة، العام 1978، وشهادة من جامعة كولومبيا في أميركا، العام 1984. مارست التدريس في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا)، وفي رصيدها العديد من المعارض الفردية والجماعية في لبنان والخارج. حصلت على عدة جوائز، ومنها جائزة متحف سرسق للمركز الأول عام 1995.

(*) يستمر المعرض في "غاليري عايدة شرفان" حتى 11 شباط 2023.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها