الثلاثاء 2022/09/27

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

"مجلة الدراسات الفلسطينية": غزة، جنين، نابلس.. ووثيقة لتوفيق صايغ

الثلاثاء 2022/09/27
"مجلة الدراسات الفلسطينية": غزة، جنين، نابلس.. ووثيقة لتوفيق صايغ
increase حجم الخط decrease
يُعنون الياس خوري افتتاحية العدد 132 من "مجلة الدراسات الفلسطينية" (خريف 2022) بـ"ذاكرة الحاضر"، مستفزاً القارئ ليطرح سؤال: هل للحاضر ذاكرة؟ والجواب حاضر في الماضي المستمر، أي النكبة التي ابتدأت في سنة 1948، ولا تزال فصولها قائمة عاماً تلو عام.

فها هي غزة عُرضة مجدداً لعدوان إسرائيلي حدث في الماضي، ويحدث في الحاضر، وهو مستمر دائماً؛ وها هي الضفة الغربية عرضة لتقليص مساحتها التي تأكلها المستعمرات، ويستبيحها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة، مركزاً هذه الأيام على بؤرتَي مقاومة ناشئتين في جنين ونابلس. لكن غزة والضفة تقاومان بما امتلكتا من إصرار شبابها على المقاومة.

العدوان الأخير على غزة، عالجته مقالتان في باب مداخل، فكتب مهند مصطفى مقالاً بعنوان "العدوان على قطاع غزة وتداعياته"، وكتب حسام الدجني عن "معركة وحدة الساحات: قراءة سياسية". وفي باب مداخل أيضاً كتب سامح إسماعيل عن "زيارة بايدن للمنطقة في ضوء المتغيرات الإقليمية وموازين القوى".

لكن في مقابل الاعتداءات المتواصلة، فإن المقاومة لا تهدأ؛ أكانت مقاومة بلا سلاح أم مسلحة. فمقاومة الأسرى، وإن غاب عنها السلاح، تؤّرق العدو، وعملية نفق الحرية مثلٌ حاضر على ذلك، ومن أبطالها زكريا زبيدي الذي ناقشت جامعة بيرزيت مؤخراً رسالة الماجستير الخاصة به، والتي ننشر تفصيلاتها في هذا العدد، بعنوان "تحية (الصياد والتنين).

تحضر المقاومة في الضفة الغربية في باب مقالات، فيكتب أحمد العبد "عقيدة المقاومة في الضفة: اشتباك حتى النهاية"، بينما يتناول رازي نابلسي "إسرائيل ما بعد 'الحل السياسي': إما استسلام وإما 'نكبة' جديدة". وللمقاومة وجه آخر، ديمقراطي، يتمثل في حرية اختيار ممثلي الشعب، فعن تحديات الديموقراطية في فلسطين من باب الانتخابات المحلية التي جرت أخيراً في الضفة، كتب مهند عبد الحميد "الانتخابات وتحديات المأسسة الديمقراطية". ولأن الماضي متصل بالحاضر وذاكرته مستمرة، كتبت رندة حيدر "حرب إسرائيل على لبنان 1982 لا تزال تثير جدلاً". وفي باب مقالات أيضاً، كتب أمل جمّال "مفارقات الذاكرة والاستذكار: نهج اليسار الدرزي نموذجاً"، وكتب حسان البلعاوي "يوم سعت بلجيكا لوضع فلسطين تحت انتدابها".

ملف العدد 132 تناول المؤتمر الثامن للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتضمن حواراً مع نائب الأمين العام للجبهة جميل مزهر، و"قراءة في مؤتمر 'الشعبية': التحول الأيديولوجي الصامت" قدمها حسن شاهين، وبروفايل عن جورج حبش كتبه وسام الفقعاوي، وآخر عن أبو علي مصطفى كتبه صقر أبو فخر.

باب دراسات احتله "قبر فالتر بنيامين"، فكتب عبد الرحيم الشيخ "قبر فالتر بنيامين وفلسطين"، وترجم دراسة عن الإنجليزية لمايكل تاوسيغ، ننشرها تحت عنوان "قبر فالتر بنيامين: إضاءة مدنّسة".

في باب قراءات، كتابان: سِثْ أنزيكا "قطع الطريق على فلسطين: تاريخ سياسي من كامب ديفيد إلى أوسلو"، مراجعة جبريل جهشان؛ ومحمد أبو ميزر (أبو حاتم) "الجذور والتراب: حوار عن القدس والمنفى والعودة الصعبة"، مراجعة أحمد الصباهي. ويتضمن العدد وثيقة خاصة هي عبارة عن مخطوطة للشاعر الفلسطيني توفيق عبد الله صايغ، بعنوان "شاعرا الغزل في الأدبين العربي واللاتيني".


(توفيق صايغ قارئاً مجلة حوار...)


هنا مقدمة الياس خوري لوثيقة توفيق صايغ:

هل كان توفيق صايغ شاعراً فلسطينياً؟
لا أعرف الجواب، فالرجل الذي مات في التاسعة والأربعين في منفاه الاختياري الأميركي كان شاعراً وكان فلسطينياً. لم يجعل من انتمائه الفلسطيني صفة لشعره، وترك لنفسه أن تبحر في الأسئلة الوجودية التي لا جواب لها.

مات توفيق صايغ بحسرة مجلة "حوار" التي تحولت من إنجازه الثقافي الأهم إلى مصيدته. صدّق الرجل منظمة حرية الثقافة التي موّلت مجموعة من المجلات الأدبية في العالم، ليكتشف أن الأدب، بالنسبة إلى وكالة الاستخبارات الأميركية، لم يكن أكثر من خديعة، وأن الثقافة كانت إحدى ضحايا الحرب الباردة.

ابن قسيس بروتستانتي سوري، عاش في طبرية وطُرد منها مع عائلته في حرب نكبة 1948، وشقيق كوكبة من المفكرين الذين ساهموا في تشكيل الوعي السياسي والفكري الفلسطيني، اختار أن يموت على صليب ألمه. عشقه كان ألماً، وشعره كان صدى لأوجاع الروح، ومجلته تحولت إلى ضريح عبثت به الخديعة.

واليوم لا نكاد نعثر على توفيق صايغ، نبحث عنه في ذاكرة الأدب العربي المعاصر فلا نجده. شعره شظايا كلمات، وبحثه عن جبران بقي، على الرغم من أهميته، على هامش الدراسات الجبرانية، ومجلته التي نشرت بداية الرواية المابعد محفوظية من خلال روايتَي الطيب الصالح "موسم الهجرة إلى الشمال" و"عرس الزين"، تلاشت، وترجماته دخلت في النسيان.

الشاعر والناقد والمترجم، الذي وضع بصمته على الأفق البيروتي، يوم كانت المدينة أفقاً ثقافياً عربياً، تمت إزاحته إلى الهامش الذي أتى منه.

فالشاعر كان يسعى للألم والموت كصديقه الكركدن. أحب كي يموت، وكتب متضرعاً لإله الموت، وانتهى في البعيد الأميركي مفتتحاً منفى الموتى.

كان توفيق صايغ شاعراً محيراً، لم يكن جزءاً من تيار مجلة "شعر"، لكنه أخذ قصيدة النثر إلى أقصى نثريّتها، حيث على القارىء أن يبحث عن ضوء الشعر وسط عتمة الروح. كان معزولاً ومنعزلاً، وعندما روى أحمد دحبور عن إعجابه بصاحب "معلقة توفيق صايغ"، أُصبت بالذهول! ما علاقة الهامش الوجودي المعتم الذي عاش فيه توفيق صايغ بالمخيم الفلسطيني الذي أضاءه وهج بدايات الثورة الفلسطينية؟

ما لم أفهمه يومها هو أن "اليرموك" وسائر المخيمات سيحولهما الاستبداد العربي إلى هوامش للموت، وأن هامش توفيق صايغ الفردي كان يعبّر في داخله عن هامش جماعي تعيشه الفلسطينيات والفلسطينيون وسط مشرق عربي تحول إلى هامش لا متن له.

عندما قرأت هذه المخطوطة التي أتى بها صقر أبو فخر، وكتبها توفيق صايغ عندما كان طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت، اكتشفت جمال البدايات. وأبحرت في شعر الحب عند شاعرين كبيرين: الأموي عمر بن أبي ربيعة واللاتيني كاتُلّوس.

نحن أمام دراسة في الأدب المقارن تكمن أهميتها الأولى في أنها تضيء بدايات شاعر "الكركدن"، وتضع بين أيدي الباحثين والمهتمين وثيقة نادرة.

ننشر هذه المخطوطة كوثيقة أدبية، من دون أن ندّعي أننا قادرون على إخراج توفيق صايغ من هامشه، وهي تسمح لنا بأن نكتشف أن كنوز الأدب الفلسطيني المخبّأة تستحق أن يُلقى عليها الضوء، لأنها تعبّر عن الغنى الإنساني في هذه التجربة، ولا تأسرها في إطار مقفل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها