الخميس 2022/09/22

آخر تحديث: 12:37 (بيروت)

"منديل بالفراولة" لخليل الرز: الغواية والخيانة..العفة والإخلاص

الخميس 2022/09/22
"منديل بالفراولة" لخليل الرز: الغواية والخيانة..العفة والإخلاص
رواية القضايا والهموم الإنسانيّة والوطنيّة التي يبدو أنّ خليل الرزّ يدأب على معالجتها
increase حجم الخط decrease
ليس عنوان رواية خليل الرزّ منديل بالفراولة، الصّادرة مؤخّراً (منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف) تفصيلاً عابراً مأخوذاً من فكرة أو التماعة أو صورة لافتة في مسارها، بل هو، بما حمّله الكاتب لهاتَيْن الكلمتَيْن من معانٍ مستوحاة من الأدب والتاريخ وعادات الشعوب وأعرافها، يشكّل الأساس الذي بُنِيت عليه الرواية وانطلقت منه لتغوض في أعماق النفس البشريّة مدقِّقة في أشدّ تفاعلاتها خصوصيّة وحميميّة.



فأحداث الرواية تبدأ من حبّات الفراولة الثلاث التي تركتها له في غرفته حبيبته رايا مع قصاصة الورق، الرسالة التي ضربت فيها له موعداً خارج المبنى المشترك الذي يقطنانه في موسكو. وشيئاً فشيئاً نكتشف مع الراوي، الشخصيّة الأولى في الرواية، معاني ودلالات نبتة الفراولة بأوراقها وأزهارها وثمرها، وصولاً إلى تفصيل دلالات هذه النبتة ورمزيتها عبر التاريخ والعصور، وذلك على لسان أحد أبطال الرواية، مكسيم فاديميتش، في الجلسة الاحتفاليّة، لا بل الاحتفائيّة بالفراولة، في بيت جدّة نونا، التي لبّى الرواي دعوتها إليها.

وفي هذه الجلسة يسير المشهد، وتتوالى الحوارات وأخبار الفراولة، وكأنّنا أمام عرض مسرحيّ أتقن الكاتب خليل الرزّ إخراجه. فولودويا، حبيب نونّا، يغسل رجليّ حبيبته بعصارة الفراولة في الطست الذي أتاها به لتهرس فيه هذه الثمار تحضيراً لصنع نبيذ منه. وقد نقل عن والده "أنّ النبيذ يكون لذيذاَ جدّاً إذا هُرِست ثماره بقدمَيْ امرأة تحبُّها في عيد ميلادها". وتستمرّ هذه المشهديّة على خلفيّة حكايات تَطَوُّر رمزية الفراولة عبر العصور التي يتولّى مكسيم فاديميتش روايتها وشرحها بالتفصيل، من القرون الوسطى ورجوعاً في التاريخ إلى أيام الرومان والإغريق. فهي رمز الكمال والاستقامة والعفّة والصلاح، وربما لذلك اعتُمِدت في القرون الوسطى كرمزٍ تزيينيّ في رسومات القدّيسين والعذراء، وظهرت نبتتها على يد الطفل المقدّس في حضنها. ورقتها الثلاثية رمزّ إلى الثالوث الأقدس وبتلات زهرتها الخمس هي رمز لجروح المسيح الخمسة. وبشكل مناقضٍ تماماً اكتسبت مع مختلف الأدباء والفنّانين دلالات تراوحت بين الطيبة والجمال والإخلاص والوفاء في الحبّ والخيانة، والإغواء واللهو والملذّات الجسديّة، والشهوة والإثارة، وصولاً إلى غوغول الذي أضفى عليها معنًى "خليعاً". وقد تتحوّل إلى دافعٍ للقتل (قصة عطيل وديدمونة).

لكنّ السؤال يبقى لماذا اختار شكسبير الفراولة لمنديل ديدمونة وليس الكرز أو العنب؟ ويأتي الجواب أنه أراد تجنّب الانحصار بمعنى واحد انطلاقاً من انحيازه إلى صراع الإفكار وغموضها وصعوبة ضبطها. فما بين الدلالات الإيجابيّة والسلبيّة أراد إعطاءها بعداً ثالثاً مفتوحاً على كلّ الاحتمالات، فهي من ناحية رمز العفة والإخلاص مع ديدمونة، ورمز الغواية والخيانة في يد كاسيو، مع ما يقود إليه ذلك من حيرة وشكّ ووساوس والتباسات، وما يرافقه من "جموح الخيال". والخلاصة أنّ المنديل بالفراولة يسوّغ "الاحتمالات التي لا نهاية لها" للعلاقة بين الرجل والمرأة.

من هنا فرض الاسم نفسه في عنوان الرواية، وشكّلت حبّات الفراولة الثلاث التي تركتها له رايا مع الرسالة، مفتاحاً مهمّاً للإيحاء بالعلاقة العاطفيّة العاصفة والزاخرة بكلّ هذه المشاعر والحالات والتي سنتابع تفاصيل أحداثها في حبكة روائية مشوّقة أتقنها خليل الرزّ، ليكشف عن خفايا النفس البشريّة بمختلف انفعالاتها وتقلبّاتها، ويغوص عميقاً على تحليلها وتصوّرها. ويمكن القول إن منديل بالفراولة هي رواية شخصيّات إنسانيّة متنوّعة يحكي الكاتب قصصها ويصوّر علاقاتها وتفاعلاتها فيما بينها، كما مع الراوي الذي تتأثّر شخصيته بكل من هذه النماذج البشرية المختلفة، ويتهيّأ لنا أنّه يختلقها كما يحلو له، لكنّها في الوقت نفسه هي التي تصنعه وتكوّن شخصيّته بشكلٍ أو بآخر.

منديل بالفراولة هي رواية العلاقات الإنسانيّة المحضّة، علاقات الحبّ والصداقة، ومن هنا حملت عناوين الفصول الستّة ااتي تؤلّفها أسماء علم، أي الشخصيّات الرئيسة فيها، أو أسماء أشخاص أو أماكن مرتبطة بهم: رايا، سالم، نونّا، زوج رايا، في بيت جدّة نونّا، في بيت سالم.

تبدأ الرواية من انكشاف العلاقة الغراميّة الملتبِسة بين الراوي ورايا، قريبة ومضيفة أبدول شريكه في الشقة، الناقد السينمائيّ الأذري "الانتهازيّ"، الذي حصل، بوساطة من زوج رايا، على عمل في التلفزيون الأذريّ حيث أُعطِي له أنْ يقدّم برنامجاً من عدّة دقائق شهريّاً يحكي فيها عن أخبار السينما في موسكو. وإذ شكّ أبدول هذا في قيام علاقة بين الراوي ورايا، رأى من واجبه، او هكذا تراءى للراوي، أن يُبلِغ زوج رايا بما يجري، وفاء له وحفاظاً على شرفه كرجل وكأذريّ.

حول هذه العلاقة تتمحور الأحداث الواقعية أو التي يتخيّل الراوي إمكانيّة حدوثها، من احتمال أن يعمد أبدول إلى الانتقام منه مستعيناً بمجموعة من مواطنيه الأذريّين، إلى إمكانية حضور زوجها النافذ لينتقم منها ومنه، وفي ظلّ هذه الهواجس يعيش الراوي-الحبيب حالة من الشوق إلى رايا والهيام بها والقلق عليها، خصوصاً أنّها بدت شخصاً عطوباً بسبب مرض الصرع الذي تعاني منه. لكن لا يلبث أن يتبيّن لنا أنها ذات شخصيّة قوية واثقة من نفسها وقادرة على مواجهة زوجها بالحقيقة عندما تحضر معه إلى شقة الراوي ليتأكد زوجها أن حبيبها هذا يحبّها فعلاً ولن يتخلّى عنها إنْهي انفصلت عنه.

انطلاقاً من هذه العلاقة البسيطة والمعقّدة في آنٍ يطلق الراوي العنان لمخيّلته في تصوّر انتقاله إلى باكو في أذربجيان، حيث عادت رايا إلى زوجها. وهنا تتكشّف لنا مرّة أخرى قدرة وبراعة الكاتب خليل الرزّ على بناء المشاهد المعقّدة، وتصوّر وتصوير ما هو خارج عن المألوف، وما يقرب من الخوارق، في تداخل الأحداث وتشابكها في سيرورتها في الزمان والمكان. فنرى معه الراوي، الساعي وراء حبيبته، والمتلهّف لإنقاذها من خطرٍ محدق بها، والراغب، كما كلّ العشّاق، في التضحية في سبيلها، مسافراً إليها في خياله، بكل الوسائل الممكنة، لكن في القطارات أكثر من غيرها. نراه مسافراً من الأماكن والمحطّات، في كلّ الأوقات وفي مختلف الظروف الممكنة، حارماً نفسه من كل وسيلة راحة أو اكتفاء (طعام وغيره) وكأنّه يخضّع نفسه للتعذيب في سبيلها. وإذا هو شخصٌ متعدّد في طبيعته وسلوكه وقصّة حياته على الأخصّ، فيستعين بمَن حوله (صديقه سالم) أو بمن يصادفهم (امرأة عجوز في أحد القطارات) ليستكملوا معه قصّة حياته وحكايات حبّه، كأنّه يتحوّل معهم إلى شخصيّة روائيّة او مسرحيّة على غرار مشاهير العشّاق في التاريخ "وأنا أتعدّد في حشدٍ من عشّاق مذنبين يزحفون من كلّ جهات الخريطة إلى باكو من أجل رايا". وفي غير مكانٍ من الرواية نرى الكاتب (في اتّصاله الهاتفيّ برايا مثلاً)، عبر ذهن بطله الراوي، يبرهن على قدرة عقل الأنسان على اجتياز وعبور الزمان والمكان في لحظات، عاملاً على تكثيف المشاهد والأحداث، الماضية أو المستقبليّة، في ومضة خاطفة من الزّمن.

ربّما تصبح قصّة الحبّ، وغيرها من العلاقات في الرواية، ثانوية بالنسبة إلى ما هدف إليه الكاتب. فإذا كانت الرواية رواية شخصيّات كما ذكرنا، فذلك لأنّ الكاتب أراد أن يبيّن بطريقة أو بأخرى، أنّ "الآخر" هو بشكلٍ ما مُرَكَّب بحسب الصورة التي نكوّنها عنه في ذهننا، تماماً كما يمكن الفرد، أو كما يرغب، أن يكون النموذج الذي يتخيّله عن نفسه. فالراوي، منذ بداية الرواية، يصرّح بأنّه، وعلى غرار بعض كبار الكتّاب (دوستويفسكي وألكسندر بلوك) يتصوّر أن للبنايات والحيوانات والأشياء حيوات، وكثيراً ما يتخيّل لها تاريخاً وأحداثاً مختلقة، وأن لها تفكيراً وآراء، والأمر نفسه يحدث عندما يروح يتصوّر حياة فتاة صادفها مع والدتها، وقد تخلّى عنها والدها، ويروح يتابع حياة هذا الوالد في شيلي منقاداً لتخيّلاته.

وليس الراوي وحده من يتبع هذه الممارسة، فنحن نرى صديقه سالم يتولّى عنه رواية حياته هو نفسه مضيفاً إلى سيرته الماضية أحداثاً هو نفسه لا يعرفها ولا يذكر أنّها حدثت له، ومضفياً على شخصيّته مواصفات محدّدة أراد من خلالها أن يشدّ عزيمته ويقوّي من معنوياته، "... يُلفِّقُني الآن بأحسن صورة قابلة للتصديق..." و"يُدير أمامنا سيرتي الشخصيّة"، وسالم هو نفسه في نهاية الرواية يتابع تصرّفات سالم كأنّه يعيش في داخله "... سالم يتابع بفضول واضح ما كنت أعيشه بعيداً عنه في داخلي...". وهكذا نرى شخصيّات الرواية تتناوب على رواية نظرتها إلى سائر الشخصيّات، كأنّ الكاتب أراد أن يبرهن أن الآخر ما هو إلا صنيعة النظرة التي نكوّنها عنه في خيالنا. الآخر هو النموذج الذي نصنّعه ونقولبه في ذهننا، هو دمية نخلع عليها ما نريد من الصفات والمشاعر والأحاسيس. وعلى الأرجح أنّ هذا ما أراد الكاتب إبرازه عبر شخصيّة غير بشريّة، لها، عبر نظرة الآخرين إليها، حضورها القويّ ودورها الأساسيّ في الرواية، إنها "الدّمية"، دمية رايا التي خلّفتها وراءها عند انتقالها القسريّ إلى باكو، والتي تعلّق بها الراوي، وتعامل معها كجزء من حضوره وكفلذة من ذات رايا، يحملها معه حيث يذهب. وكذلك تعاملت معها نونّا، وأصرّت عليه أنّ يحضرها معه عندما دعته إلى بيت جدّتها كأنها توجّه إليها دعوة شخصيّة مستقلّة، وعلى هذا الأساس تعاملا معها (الراوي ونونّا) فكانت لها في نظرهما مشاعر وأحساسيس وانفعالات (هما أسقطا مشاعرهما عليها). فهل البشر في محيطنا دمًى نلبسها ونحمّلها ما نريده من ذواتنا وليس من ذواتهم المستقلّة؟ أم هل هي شخصيّات مختلَقة أو مصنَّعة كما يتصرّف الروائيّ عموماً بشخصياته؟ على الأرجح أن هذا جانبٌ ممّا أراد خليل الرزّ إيصاله إلينا.

 يرى الراوي نفسه إذن من خلال نظرة الآخرين إليه، كما يرى الآخرين وفق نظرته إليهم. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ أحداث الرواية تجري في موسكو في المراحل الأخيرة من حكم النظام الشيوعيّ، وتنطلق من مبنى يقطنه أناس من أجناس أو شعوب متعدّدة ومختلفة، يلتقون ويختلفون في أقسامه ومنتفعاته المُشترَكة، يمكن القول إنّ الكاتب ربّما أراد معالجة قضية تقارب الشعوب أو تنافرها، وتلاقيها على بعض المبادئ واختلافها على أخرى، وتوافق أو تباين تراثها الثقافيّ والحضاريّ. فإن كان سالم متصالحاً مع نفسه وأميناً على أصوله (هو مؤمن ملتزم بالرغم من حياته اللاهية) وإن كانت رايا الضعيفة اللعوب قادرة بشخصيّتها القوية على مواجهة التحدّيات، وإن كانت نونّا الفتاة الرقيقة والناعمة والمغرية تعبّر عن انفتاح حرّ تماماً على الآخر، فإنّ الراوي المتكلّم، يبدو وكأنّه يفتّش عن ذاته في عالم ليس عالمه، عن عالم يصنعه في مخيّلته، ولا يلبث أن ينهار لأنه من صنع هذا الخيال. وربّما تعمّد الكاتب إبراز التباينات بين ثقافات الشعوب ومفاهيمها، وقدرتها على الصمود، عندما صوّر الاحتفال بعيد ميلاد نونّا في بيت جدّتها والأجواء الاحتفاليّة الممتعة والمعبِّرة التي تخلّلته (مشهد هرس الفراولة)، وأنتهى بشعور غامر من المودّة والحبّ، ثم صوّر حفل العشاء ومأدبة المأكولات السوريّة العربية بأطايبها، والذي انتهى بسكرهما وتقيّؤهما هو وسالم وفقدانهما الوعي والقدرة على التركيز. أهو قدر الإنسان العربيّ، حيثما حلّ، أن يبقى وحيداً ومتعلّقاً بتراث ليس منه سوى الضرر؟ ربّما.

أيّاً يكن فإن الرواية تحكي قصّة الانسان الضائع في مستقبله، المفتّش عن ذاته، كأنّه هذا الشخص غير المكتمل، فيحاول استكمال نفسه عبر نظرة الآخرين إليه وفكرتهم عنه. إنّه الإنسان الساعي إلى عالم يروقه ولا يتحقّق له إلا بالخيال والتوهّم، وإن تحقّق فسرعان ما يتبدّد، ليبقى البطل أسير توهّماته، في تعدّده الداخليّ، وفي تشظّيه وانتثاره في المكان والزمان. وليس أدلّ على ذلك من المقطع الأخير الذي ختم به الكاتب روايته والذي يقع في هذه الأسطر: "في الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء كنت، في داخلي، أتجوّل مع نونّا في حديقة النباتات، وآكل مع رايا محشي ورق العنب في شقّة صديقتها أنّوش، وأفكِّر بتصليح درّاجتي المعطوبة في الموزّع لكي نتنزّه عليها أنا والدمية، فقد كان الطقس جميلاً جداً في ذلك المساء".


من الناحية التقنيّة اعتمد خليل الرزّ بنية خطّية، تتراكب فيها الأحداث وتتناسل حول محور واحد هو الراوي نفسه ومآل علاقته برايا، وحول الحلول المُحتملَة مع زوجها. لكنها، في المسار التخيّلي الذي اعتمده الكاتب وبنى روايته عليه تصل الأحداث إلى وضع نهائيّ غامض ومفتوح على احتمالات يُترَك للقارئ تصوّرها، إذ تبدو في النهاية متعدّدة ومبهَمة بقدر ما في نفس الراوي وشخصيّته من احتمالات التحوّل والتطوّر في نظره كما في نظر الآخرين.


وفي سياق السّرد يمكن التوقّف مع الكاتب عند نقاشات وحوارات ذاتيّة أو مع الآخرين، تتناول بعض المفاهيم السائدة من مناظير مختلفة، مثل الحوار الذي جرى بينه وبين سالم، في مناظرة تحليليّة لافتة حول الجمال وأنواعه، وحول الفرق بين الجمال الدارج، الذي يألفه ويطلبه كلّ الناس حتى يصبح عادياً، والجمال غير الدارج الذي يتميّز بجدّته وحيويّته وتميّزه لِمَنْ يعرف كيف ينظر إليه. وكذلك حواره الذاتيّ، عندما وجد نفسه يُعِدّ سلاحاً لاحتمال مواجهة مع زوج رايا، فيصف كيف استيقظ الوحش فيه، وكيف انتفى معه دور الثقافة التي تروّض هذا الوحش وتعطّل دوره المؤذي. وكذلك مطوّلة نونّا حول وجود الأشياء المُهمَلة والإحساس بها وحاجتها إلى مَنْ يعتني بها (لتخلص إلى أنّه هو نفسه بحاجة إلى الانتباه).  وكذلك تناوله التناقض القائم في النفس البشرية ما بين الانتقال الصادق من القتل إلى الضحك بسهولة عبثيّة تُرعِبه.


كلّ ذلك في أسلوب مُتْقَن وسلس ورائق يزيد القارئ متعة وتشوّقاً، لكن لا بدّ من اللفت إلى ورود بعض الأغلاط اللغوية أو الإملائيّة أو الطباعيّة، والتي قد يقع فيها أي كاتب، لكن المسؤوليّة تقع بشكلٍ أساسيّ على دار النشر وقسم التحرير والتدقيق فيها، إذ لا يجب أن يفوت المدقّقين هذا النوع من الأغلاط.


ملاحظة أخرى تتعلق بطريقة نقل الحوارات أو استعمال أفعال القول بالشكل المقلوب على الطريقة الفرنسيّة أو الانكليزيّة، أي أن يأتي فعل القول بعد القول نفسه، وهذا أسلوب ليس من طبيعة اللغة العربية على ما أعتقد، وكثيرون لا يستحبّون اعتماده، خصوصاً إذا لم يُطبَّق بطريقة سليمة لأنّ ذلك يتسبّب بضياع القارئ ما بين الشخصيات المتكلِّمة. والمثال على ذلك يقع في الصفحة 197 من الرواية، حيث يبدو واضحاً أن المتكلّم هو مكسيم، ثمّ يأتي الحوار: "لا أنسى ليلة صيفيّة نمنا فيها، نونّا وأنا، في سرير واحد..." فيحار القارئ لأنّ مكسيم ليس زوج نونّا ولا حبيبها فكيف ينام معها؟ ثم بعد مقطع كلاميّ من إثني عشر سطراً (نصف صفحة) نكتشف أن المتكلّمة هي غالا صديقة نونّا. فكان من الأفضل أن يأتي فعل القول أوّلاً، أو بعد الجملة الأولى من الكلام مثلاً: "لا أنسى ليلة صيفيّة، قالت غالا، نمنا فيها...". وما كنت لأذكر ذلك لو لم تكن هذه الحالات متكرّرة، ليس في روايتنا هذه وحسب، بل عند الكثير من الروائيّين.

لكن أيّاً يكن يبقى أنّ رواية منديل بالفراولة ممتعة ومشوّقة وعميقة. هي رواية الإنسان عموماً في عمله على فهم ذاته وبنائها، وفي سعيه الحثيث والمضني إلى سعادة يبدو أنّها لا تتحقّق بالسهولة التي يعتقدها البعض. إنّها رواية القضايا والهموم الإنسانيّة والوطنيّة التي يبدو أنّ خليل الرزّ يدأب على معالجتها.    

     

 

    

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها