الثلاثاء 2022/09/20

آخر تحديث: 14:30 (بيروت)

أنقاض "الكاف دي روا" في "بيت بيروت"

الثلاثاء 2022/09/20
increase حجم الخط decrease
في مبنى "بيت بيروت" التراثي الذي أمسى متحفاً، يقام المعرض التفاعلي "ألو بيروت" حيث يختلط أرشيف زاخر بأحداث تلخّص ماضي العاصمة الذهبي وما اختزنه من فساد خفي، مع أعمال فنية تحاكي حاضراً أنهكته أزمات متلاحقة، لترسم معالم بلد يعيش في حالة اضطراب دائم.

تخبر قصاصات صحف وأفلام نيغاتيف وبيانات دخول مستقاة من أرشيف "الكاف دي روا"، أحد أشهر الملاهي الليلية في عين المريسة في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية (1975-1990)، عن سياسات رسمية خاطئة وفساد متأصّل وإضرابات عامة واحتجاجات طلابية طبعت حقبة مهمة من تاريخ لبنان.

الى جانب هذا الأرشيف وحطام الملهى، يعرض عشرة فنانين يشاركون في المعرض الذي افتُتح الخميس بعنوان "ألو، بيروت؟" أعمالاً فنية معاصرة تتنوّع بين صور ومقاطع فيديو وتجهيزات تفاعلية، تحاكي رؤيتهم لحاضر بيروت المستنزف أيضاً بفعل الفساد وفشل السلطات السياسية المتعاقبة في إدارة أزمات البلاد.

وتقول مديرة المعرض، دلفين أبي راشد دارمنسي، لوكالة "فرانس برس": "من الغريب أحياناً شرح ما نشهده من دون معرفة ما حصل في الماضي.. بيروت تعاني ونحن نعاني"، لافتة إلى أنّ الكثير من البؤس الذي يعيشه اللبنانيون اليوم متجذّر في أزمات الماضي.

بدءاً من الملهى الليلي
انطلقت فكرة المعرض، وفق القيمين عليه، من بحث دام عشر سنوات في أرشيف الملهى، لمالكه بروسبير غي بارا (1914-2003)، وهو رجل أعمال فرنسي من أصل لبناني، التصق اسمه بالعصر الذهبي لبيروت ما قبل الحرب الأهلية. واستُكملت ببحث في أرشيف الصحف والمجلات للإضاءة على تلك الحقبة من تاريخ لبنان. ويُعرض بين الأعمال الفنية، نصّ لغي بارا، كتب فيه متحدثاً عن الطبقة السياسية حينها، "تلك العقول المريضة، المهووسة بجمع المال"، في انطباع ما زال سائداً بين اللبنانيين الذين أنهكهم انهيار اقتصادي غير مسبوق مستمر منذ نحو ثلاث سنوات وسط شلل سياسي... وتقول دارمنسي: "كان يتحدّث في الستينات عما نعيشه نحن اليوم".

اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب الأهلية، يعيش اللبنانيون ظروفاً صعبة للغاية على وقع الأزمة الاقتصادية التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت المروع في آب/أغسطس 2020.

الستينات بلا نوستالجيا
"في أنقاض تم البحث في محتواها على مدى 10 سنوات، عُثر على بقايا أرشيف زاخر بالقصص والأحداث التي لا تنحصر في وصف العصر الذهبي لبيروت قبل الحرب الأهلية، إنّما توثق أيضاً حقبة من الفساد والسياسات الخاطئة التي سادت يومها...". هكذا، دعا القيّم روي ديب 10 فنانين لتقديم أعمال معاصرة مُنجزة بوسائط متعدّدة، توضح نظرة كلّ منهم الخاصة إلى بيروت اليوم، وتتناول مواضيع "ثورة 17 تشرين والأزمة الاقتصادية والهجرة والعلاقة مع مدينة في طور الانهيار، كما الذاكرة المؤلفة لهوية المدينة وتبدلاتها عبر العصور". والفنانون هم: روان ناصيف، بيترا سرحال، وائل قديح، جوان باز، ليلي ابي شاهين، كبريت، كريستيل خضر، إيفا سودارغيتي دويهي، رنا قبوط ورولا أبو درويش.

يقول روي ديب في فايسبوكه: "معرض ما بعرف كيف ركب بمدينة ما فيها شي عم بيتشغل، ولا شي! فريق عمل قرر إنه بالرغم من كل الصعوبات، أو بالأحرى المستحيلات، مُصرّ يركّب معرض بطابقين من متحف Beit Beirut - السوديكو...بالمعرض في حوالى 24 غرفة!!! والخيار كان إنه مبنى بيت بيروت، المتحف العام، ملك بلدية بيروت، ملكنا يعني، يستضيف معرض عن ماضي بيروت (الستينات، وبلا نوستالجيا، إنما قراءة وتحليل، ونقد) إنطلاقاً من أرشيف شخص إسمه "بروسبير غي بارا" وبجزء تاني، دعيت فنانين ليعملوا تجهيزات فنيّة عن نظرتن عن مدينة بيروت اليوم. والمهم كان إنه المعرض يكون فعلاً موجّه للجمهور العريض، وغير "نخبوي"، ويحاول يستقبل أكبر فئة ممكنة من المجتمع، تتفاعل معه ويتفاعل معها، والناس ترجع تحسّ انه متحف بيت بيروت لإلها، ملكها".

وتشارك روان ناصيف (38 عاماً) في المعرض عبر وثائقي قصير يعرض تاريخ حي المصيطبة البيروتي الذي نشأت فيه ثم عادت إليه بعد عقدين لرعاية والديها المريضين قبل وفاتهما خلال العام الحالي. وتقول لـ"فرانس برس "إن الفيلم "يظهر تداعيات الخسائر" التي تعرضت لها بيروت، مضيفة أن "بيروت اليوم تنعى موتاها وتنعى كافة الفرص التي أتاحتها" سابقاً للقاطنين فيها ولروادها، قبل أن تخسرها تدريجياً.

ويجمع راوول ملاط (28 عاماً) في فيلم قصير، بين مشاهد مصورة مستقاة من أرشيف العائلة خلال طفولته، ومقاطع أخرى ملتقطة حديثاً لبيروت. ويقول خلال افتتاح المعرض: "ساعدني هذا المشروع كثيراً للتعبير عن حزني على بعض أوجه مدينتي التي لن أجدها مجدداً".


بيت بركات.. بيت بيروت
وسيفتح المعرض أبوابه في مبنى "بيت بيروت" في محلة السوديكو على مدى عام كامل، وتواكبه برامج ثقافية متنوعة.

وللمبنى المؤلف من ثلاث طبقات، خصوصية في ذاكرة لبنان. بناء على طلب عائلة بركات، شيّد المهندس المعماري يوسف أفتيموس، وفق تصميم مميّز، مبني على الزاوية المفتوحة، الطبقة الأولى منه في العشرينات من القرن الماضي. وفي سنوات لاحقة، أضاف مهندس آخر الطبقتين العلويتين وفق الطراز المعماري ذاته. ومع اندلاع الحرب الأهلية، هجر آل بركات المنزل الأنيق في الشارع الذي تحوّل الى خط تماس رئيسي بين الأطراف المتقاتلة. واتخذ قناصة من المبنى مقراً لهم وشهد على صولات وجولات من إطلاق الرصاص والمعارك العنيفة والنهب.

في العام 2017، أعيد افتتاح المبنى وتم تحويله الى متحف ومساحة ثقافية، قبل أن يعيد إغلاق أبوابه في السنوات الأخيرة. ومن خلال الثقوب التي تركها المسلحون في جدران المبنى، يمكن اليوم مشاهدة لقطات من التظاهرات الاحتجاجية التي عمت لبنان على مدى أشهر، بدءاً من 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، عبر شاشات صغيرة نصبت في فتحات الجدران. كما يُعرض في إحدى الغرف أثاث مهترئ ومقتنيات مدمرة تم جمعها من ملهى "كاف دي روا" المهجور.

لبنان الأنقاض
وتحاكي كل من رولا أبو درويش ورنا قبوط، من خلال تجهيز فني في المعرض، فكرة الأنقاض ووجود لبنان المضطرب. وتقول أبو درويش (38 عاماً) لـ"فرانس برس": "بُنيت بيروت على الأنقاض. بالنسبة إليّ، الأنقاض هي إحدى أبرز عناصر بيروت". وتضيف: "إنها جزء من المكان حيث نعيش، وكيف نعيش ومن نحن. وأشعر أن الاتجاه الذي نسلكه اليوم سيتسبّب بمزيد من الأنقاض".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها