الأحد 2022/09/18

آخر تحديث: 07:45 (بيروت)

الهواء الأصفر الإيراني قادم لاجتياح الثقافة السورية

الأحد 2022/09/18
الهواء الأصفر الإيراني قادم لاجتياح الثقافة السورية
مع محمد مهدي ايماني بور
increase حجم الخط decrease

لا ندري إن كانت وزيرة الثقافة السورية، لبانة مشوح قد عادت إلى دمشق من زيارتها الحافلة إلى إيران، أم أنها مازالت هناك، تحاول فتح السبل أمام "مثقفي" النظام من أجل إقامة أسبوع ثقافي سوري في طهران!

لكنها بالتأكيد ستكون في مكتبها قبل اليوم 19 من هذا الشهر كي تفتتح تظاهرة (أيام سينما المقاومة) في دار الأسد للثقافة والفنون (الأوبرا)، وهو نشاط تقيمه وزارتها بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للفنون (رسالات)، وهي مؤسسة يسمع بها الجمهور السوري للمرة الأولى، لكن سيرتها وكونها تابعة لحزب الله واضحين، إذ يكفي أن يزور القارئ صفحتها على فايسبوك ليعرف أنها تدور في هذا الفلك!

سبق لمشوح أن ذهبت إلى سلطنة عمان، وإلى الإمارات العربية المتحدة، لكنها المرة الأولى التي تزور فيها بلداً أجنبياً، لكن اللافت أن هذه الزيارة لم تكن لموسكو أي البلد الذي حافظ من خلال تدخله العسكري في الحرب السورية على بقاء النظام، ولم تكن لدويلات روسيا التي لا يعترف بها أحد سوى حلفاء بوتين، بل كانت لإيران التي لا يُعرف لها قبل الثورة السورية وجود ثقافي تاريخي في البلاد، إلا من خلال المستشارية الثقافية الإيرانية الواقعة قرب ساحة المرجة، والتي كانت تشرف على إكساء حملات التشيع في المناطق "السنية" لباساً ثقافياً عبر نشر الكتب، وعرض الأفلام في صالتها الضيقة البائسة.

ما الذي ذهبت مشوح لتحصل عليه في طهران؟

يسأل المثقفون الذين يشاهدون، ويقرأون عن انحدار مستوى كل شيء في الفضاء العام السوري، إلى الأدنى مما هو متوقع دائماً!

وكالة سانا الرسمية التي تابعت تفاصيل الزيارة التي جاءت في إطار "التشاور في سبل تطوير العلاقات الثقافية بين البلدين"، نشرت تقارير عديدة عنها، فبدأت بمتابعة لقاء مشوح برئيس رابطة الثقافة والعلاقة الإسلامية محمد مهدي ايماني بور، وقيامها بزيارة شيراز، ولقائها محافظها محمد هادي ايمانية، وكذلك اجتماعها مع رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في إيران بيمان جبلي، ثم معاونة رئيس الجمهورية الإسلامية لشؤون المرأة والأسرة د.أنسيه خزعلي، وأيضاً وزير التربية والتعليم الإيراني يوسف نوري، وأخيراً وزير الثقافة الايراني د. محمد مهدي اسماعيلي!

سياق اللقاءات وكما هو واضح لا ينسجم تماماً مع طبيعة اختصاص الوزيرة، إذ لا علاقة بين وزارتها وبين الوسائل الإعلامية ولا التربية والتعليم، ولا حتى شؤون المرأة والأسرة، إذ ثمّة وزارات ومؤسسات سورية مختصة بهذه الشؤون، لكن كان من الضروري ربما أن يكون جدول الأعمال حافلاً، كي لا يظهر الخواء الذي يميز هذه المرحلة في تاريخ سوريا على كافة المستويات.

كما أن سلاسل المطالب التي كانت تؤكد عليها مشوح في كل الاجتماعات كان يُظهر أن سوريا الثقافية، لا تمتلك أي شيء وأنها تحتاج كل شيء ممكن (تحت مسمى التعاون).

وعلى سبيل المثال، وبحسب المصادر الرسمية ذاتها، طرحت مشوح الحاجة (تحت مسمى الرغبة) إلى التعاون مع الجانب الإيراني إلى تطوير الصناعة السينمائية، والاستفادة من الخبرات السينمائية الإيرانية في مجال الإنتاج والسيناريو وكل مكونات الصناعة السينمائية والموسيقا الشرقية "لما لإيران من باع وخبرة كبيرين في هذا المجال".

وفي لقاء آخر تحدثت عن رغبة وزارتها بترجمة أمهات الأدب الإيراني إلى العربية ونقل منتج الأدباء السوريين إلى اللغة الفارسية، وأيضاً الحاجة إلى تبادل قادة الأوركسترا الوطنية بين البلدين للاستفادة من تجاربهما وتبادل الخبرات في ما بينهما. وأيضاً توقيع اتفاقية تتعلق بتطوير وبناء القدرات وحماية ودعم المرأة والأسرة والمجتمع. وفي مجال التعليم تحدثت مع مستقبليها عن "تبادل الخبرات بين البلدين والاستفادة من تجربة محرك البحث الذي أطلقته الجمهورية الإسلامية المخصص للأطفال ليكونوا بفضاء سليم، ووثيقة التطور الأساسي للمواد النظرية والتي تم ترجمتها للغة العربية"! وفي النهاية طالبت مشوح بتوقيع برنامج تنفيذي مع وزارة الثقافة الإيرانية، ومذكرة تفاهم بين المتحف الوطني بدمشق والمتحف الوطني في طهران وأخرى بين مكتبة الأسد الوطنية وهيئة الأرشيف الوطنية في إيران"!

استعراض هذه التفاصيل يوضح أن الزيارة التي تعدّت مهام وزارة الثقافة، تمهد إلى تشريع وصول الجانب الإيراني إلى قطاعات سورية خالصة، كالتعليم، وشؤون الأسرة وغير ذلك، لكن السؤال الذي لا يمكن المرور فوقه يتعلق بما يمكن لإيران فعلياً أن تقدمه لسوريا الأسدية في هذه المجالات؟

فإذا كانت الأفلام الإيرانية متفوقة عالمياً فإن أسباب هذا معروفة ولا تتعلق بالمؤسسات الإيرانية السلطوية، بل بقدرة المثقفين والفنانين الإيرانيين على الاحتيال على الرقابة الرسمية، وهذه قدرات باتت محدودة مع وصول العلاقة بين الجهتين إلى النهاية الحتمية حيث بات أهم المخرجين السينمائيين نزلاء السجون بعد محاكمات صورية، كانت تركز على مخالفتهم قواعد الحياة التي فرضها نظام الملالي!

فهل يمكن لدولة تقمع سينمائييها بهذا الشكل أن تقدم شيئاً لبلد آخر، سوى تعلم طرق جديدة في القمع والإرهاب؟


وفي ما يخص نقل أمهات الكتب الفارسية للغة العربية فإن هذا العمل قد قامت به مؤسسات إيرانية تاريخياً، مع الانتباه إلى أن الترجمات المهمة للأدب الفارسي المختلفة عن المنتجات الرسمية، قام بها مترجمون عرب، سيما وأن الإيرانيين لا يترجمون سوى ما يناسب معتقداتهم.


كما أن وزارة الثقافة السورية ذاتها اختطت نهجاً سبق أن أشرنا إليه يتعلق بترجمة أدب الممانعين الإيرانيين إلى العربية! ويبقى أنه من الطريف طرح نقل مؤلفات الأدباء السوريين إلى الفارسية، أمام مسؤولين غير مهتمين بشيء سوى تكريس هيمنة نظامهم على سوريا كبلد محتل.

ومن المفيد التذكير هنا أنه سبق للإيرانيين أن أطلقوا ترجمة لكتاب "سورية في مواجهة الحرب الكونية" لمؤلفته والمشرفة عليه نائبة بشار الأسد الدكتورة نجاح العطار، واحتفلوا به أيما احتفال، وربما يكفيهم هذا عن كل السوريين!

ويبقى أنه من المهم أن يذهب أندريه معلولي، مدير عام دار الأسد للثقافة والفنون، وقائد أوركسترا أورفيوس، برفقة ميساك باغبودريان، قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، وأن يأخذا معهم الموسيقي، طاهر ماملي كي يتعلموا جميعاً وبدقةـ طريقة عزف وتوزيع نشيد سلام فرمندة من المصدر، كي يقدموه في مسرح دار الاوبرا!

رافق الوزيرة في زيارتها كلا من عميد المعهد العالي للفنون السينمائية، ومديري الاتصال والدعم التنفيذي، والتخطيط والتعاون الدولي، وتعليم الكبار والتنمية المجتمعية، والمكتب الاعلامي والعلاقات العامة، وقد شارك السفير السوري في طهران في الاجتماعات، بالإضافة إلى المستشار الثقافي الإيراني بدمشق.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها